ان التقدم العلمي يتألف اساساً من السعي الى التقليص التدريجي للنظريات المتفرقة والمستقلة التي تشرح ظواهر الطبيعة، وذلك عبر التوسع المستمر في دراسة العلاقة بين تلك النظريات". بتلك الكلمات عبر الفيلسوف الفرنسي اوغيست كونت عن الاتجاه العلمي الدؤوب لايجاد نظرية واحدة بامكانها تفسير الظواهر الطبيعية كافة, وخصوصاً سعي الفيزيائيين عبر العصور لتوحيد النظريات التي تفسر القوى الأساسية في الكون. هل يمكن قانوناً فيزيائياً واحداً ان يصف ظواهر متعددة ومتفرقة، مثل سقوط الأجسام وحركات النجوم والضوء والكهرباء والمغناطيسية وانفجار القنبلة الذرية وانهيار الشموس الكبرى في المجرات وغيرها؟ في العام 1687، استطاع الفيزيائي الانكليزي اسحاق نيوتن ان يضع قانوناً موحداً جمع فيه بين نظرية كيبلر عن حركات النجوم 1619 ونظرية غاليليو عن سقوط الاجسام الى الارض 1632. ورأى نيوتن ان الجاذبية تمثل العنصر المشترك الذي يجمع بين الأمرين. وفتحت نظرية نيوتن مرحلة الفيزياء الميكانيكية. وشكلت اساساً في صنع معظم الآلات الميكانيكية التي نستخدمها راهناً. ولعل ابرع من استخدمها كان عالم الفلك الفرنسي بيبر لابلاس، الذي صاغ منها قوانين تشكّل الكواكب السيارة في النظم الشمسية. وما ازالت الملامح الأساسية لنظريات لابلاس صامدة لحد الآن. في العام 1785 وضع العالم الفرنسي ريتشارد كولومب قوانين تشرح ظاهرة المغناطيسية, وبعده وضع اورستيد قوانين جمعت بين ظاهرتي الكهرباء والمغناطيسية. في العام 1873 استطاع العالم البريطاني اللامع جايمس ماكسويل صوغ نظرية واحدة لشرح ظواهر الضوء والمغناطيسية والكهرباء، فيما بات يعرف باسم القوة الكهرومغناطيسية ElectroMagnetic Force. استند اينشتاين الى قوانين ماكسويل لوضع نظرية عن الاثر الضوئي Photo Electric Effect للقوة الكهرومغناطيسية، الأمر الذي كفل له نيل جائزة نوبل في العام 1915. وصنعت الادوات الالكترونية الحديثة، مثل التلفزيون والكومبيوتر، بناء لنظرية اينشتاين هذه. شهد العام 1967 ظهور اكبر نظريات الفيزياء توحيداً، التي عرفت باسم واضعيها الهندي عبدالسلام والأميركي واينبرغ. واستطاعا صوغ قوانين تشرح القوة الكهرومغناطيسية وقوة الاشعاع النووي. والحال ان العالم الايطالي انريكو فيرمي اكتشف القوة الأخيرة التي يشار اليها ايضاً باسم القوة النووية الضعيفة Weak Nuclear Force في العام 1934. والمعلوم ان فيرمي ترأس فريق العلماء الذي ركب القنبلة الذرية في الحرب العالمية الثانية. وراهناً، يبقى العلماء في جدل مستمر حول امكان صوغ نظرية واحدة تجمع قوانينها بين الجاذبية والقوى النووية القوية، كتلك التي تصدر من انفجار قوة ذرية، اضافة الى قوى الكهرومغناطيسية والاشعاع النووي. ويرى كثير من العلماء ان التوصل الى مثل تلك القوانين، التي يشير اليها البعض احياناً باسم"النظرية الموحدة الكبيرة"Grand Unifying Theory، يحتاج الى الكثير من التجارب المتقدمة. اذ يلزم"انتاج"حال تكون تلك القوى كلها قريبة بعضها من بعض، مثلما يفترض ان كان حالها في حقبة"الانفجار الكبير". ويتابع معهد الفيزياء النووي الاوروبي"سيرن" CERN في جنيف احدى اكبر تلك المحاولات، عبر بناء"مصادم هادرون الذرات الكبير"Great Hadron Particle Collider، الذي يمتد تحت الارض بين فرنسا وسويسرا. ويرى علماء آخرون، ان من المهم ان تشمل"النظرية الموحدة"مواضيع مثل المادة المضادة Anti-Matter، وكذلك الطاقة المظلمةDark Energy التي ترافقها. لذا يهتم"سيرن"ببناء مشاريع كبرى لدراسة النيوترينو Neutrino, الذي يعتبر المكوّن الأساس للمادة المضادة وطاقتها المظلمة. ويذهب آخرون الى ملاحظة ان موضوع المادة المضادة يشكل تحدياً أساسياً لفهم الانسان للطبيعة.