تجددت الاشتباكات المسلحة في شكل محدود بين الشرطة الفلسطينية ومسلحين من "حركة المقاومة الاسلامية" حماس ظهر أمس، على رغم صدور توجيهات عن قيادة السلطة والحركة بسحب المسلحين من الشوارع ووقف الصدامات، فيما طغى استياء شعبي عارم على الشارع الغزي الذي حمّل طرفي الصراع المسؤولية الكاملة عما جرى. وفي غضون ذلك، شكلت لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والاسلامية لجنة للتحقيق في اسباب الاشتباكات. وبدا ان ثمة ميلاً لدى معظم الفصائل والعاملين في السلطة الفلسطينية ورجال الشرطة وكثير من المواطنين الى تحميل حركة "حماس" المسؤولية عما حدث، فيما القى آخرون باللوم على السلطة الفلسطينية. لكن بات جلياً من تصريحات قادة في السلطة وحركة "فتح" ان التصريحات التي أطلقها الناطق باسم الحركة محمد نزال هي التي أغضبت السلطة، بما في ذلك الرئيس محمود عباس الذي وصفها بانها مجافية للحقيقة. وكان نزال قال أول من امس ان هناك تياراً استئصالياً في السلطة الفلسطينية يسعى الى جر "حماس" الى صدامات مع السلطة، وما هي الا ساعات قليلة بعد ذلك حتى وقعت الصدامات التي اعلنت الحركة مراراً وتكراراً أنها لا تسعى اليها بل تسعى الى تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني. وسقط ثلاثة قتلى هم الرائد في الشرطة الفلسطينية علي مكاوي، والمواطن عمر الشنطي، ومواطنة لم يتم التعرف عليها من جانب ذويها حتى الآن. وأصيب نحو 50 مواطناً، جروح خمسة منهم خطيرة. ودارت اشتباكات في عدد من شوارع حيي النصر والشيخ رضوان ومخيم الشاطئ للاجئين مساء اول من امس استمرت حتى قبل منتصف ليل الاحد -الاثنين، قبل أن تنجح لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والاسلامية في نزع فتيل المواجهات الدامية، التي كان يُسمع أثناءها أصوات انفجارات واطلاق كثيف للنار في كل أرجاء مدينة غزة. واطلق مسلحون من "حماس" قذائف عدة على مركز للشرطة في مخيم الشاطئ، فأحدثت كوة في أحد الجدران، وأصابت الضابط مكاوي بجروح قاتلة، وضابط آخر بجروح خطيرة. واصابت قذيفة أخرى محولاً للكهرباء عند زاوية شارع فرعي قرب مركز الشرطة، ما ادى الى احتراقه وقطع التيار عن المنطقة كلها. وحمّل المواطن عناية سالم في حديث ل "الحياة" حركة "حماس" المسؤولية عما جرى، مشيراً الى حال الفزع التي اصيب بها افراد عائلته. وقال سالم الذي يقع المحول الكهربائي على طرف منزله انه توجه مع عشرة رجال من جيرانه الى مركز الشرطة في محاولة لاقناع الضباط ورجال الشرطة بعدم اطلاق النار بالمثل على عناصر "حماس". واشار الى انه وجيرانه تعرضوا لمخاطر جدية في مهمتهم التي تطوعوا من أجلها لأن الخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني من مثل هذه الاشتباكات. وقال مواطن آخر فضل عدم ذكر اسمه ل "الحياة" ان الطرفين يتحملان المسؤولية عن الصدامات المسلحة، داعياً السلطة والحركة الى عدم الانجرار اليها. وللدلالة على ان السلطة والحركة وكل الفصائل تتألف من أخوة وأشقاء وأبناء شعب واحد، قال: "يمكن ان يكون احد ابنائي في "حماس" والآخر في السلطة، وثالث في فصيل آخر"، معتبراً ما يجري "جريمة وحرام". وقال عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين محمد طومان ان لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والاسلامية شكلت لجنة للتحقيق في الصدامات لمعرفة من هو الطرف الذي تسبب في المشكلة. وطالب طومان اللجنة باظهار الحقيقة في اعقاب الانتهاء من تحقيقاتها، ووصف ما يجري بانه هدية مجانية لاسرائيل المستفيد الوحيد من هذه الاحداث الدامية. وكان اقطاب في "لجنة المتابعة العليا" بذلوا جهوداً مضنية ليل الاحد -الاثنين لوقف الصدامات الدامية، ورأب الصدع بين الطرفين. واجرى عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية جميل مجدلاوي اتصالات مع متحدث باسم "حماس" بعدما عجز عن الحديث مع قياديين في الحركة نتيجة اغلاق هواتفهم النقالة. وتحدث آخرون مع رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل ومع الرئيس عباس لحض الطرفين على وضع حد للصدامات. ونجحت اللجنة في ذلك، وأصدر الطرفان توجيهات بسحب المسلحين من الشوارع. واصدرت اللجنة اثناء اجتماعها الذي بدأ مساء الأحد من دون ممثل حركة "حماس" بياناً حول الاحداث. لكن القيادي في الحركة سعيد صيام انضم في وقت لاحق الى الاجتماع الذي استمر حتى فجر امس. ووصفت اللجنة الاحداث بانها "جريمة كبرى وعار على الجميع" واستنكرت الاحداث التي وصفتها بأنها مؤسفة، داعية الى وقف الاشتباكات وسحب المسلحين من الشوارع بما يحفظ أمن المواطنين ويطبق القانون، وقالت إن "الاشتباكات تقدم خدمة مجانية للعدو الصهيوني مهما كانت الاسباب والذرائع". ودعت المواطنين الى النزول الى الشارع والقول بصوت عال: لا للاقتتال الداخلي. وتباينت الاسباب والذرائع وتناقضت الروايتان اللتان اصدرتهما السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" كما جرت العادة في مثل هذه الحالات. فبينما قالت السلطة الفلسطينية ان رجال الشرطة تدخلوا لفض خلاف عادي بين مواطنين كانا يرغبان بسحب أموال من أحد بنوك المدينة بواسطة الصراف الآلي، قبل أن يتبين ان احد هذين المواطنين من حركة "حماس" الذي قام باستدعاء مسلحين من الحركة، القى احدهم قنبلة وفر هارباً. واضافت ان الشرطة لاحقته واعتقلته، فاندلعت اشتباكات لاحقاً بين الطرفين. لكن "حماس" قالت في روايتها ان الشرطة حاولت اعتقال محمد نجل الدكتور الشهيد القيادي في الحركة عبد العزيز الرنتيسي، فرفض ذلك، فاطلقت 18 رصاصة على سيارته، قبل ان يتدخل المواطنون للدفاع عنه في وجه الشرطة، ثم اندلعت اشتباكات بين الطرفين. ونفت "حماس" ان تكون اطلقت قذائف على مركز الشرطة في مخيم الشاطئ، علماً أن رجال الشرطة في المركز عرضوا بقايا القذائف على طاولة. ومثلما تناقضت الروايتان، حملت الحركة والسلطة كل الآخر المسؤولية عن وقوع مثل هذه الاحداث. وبينما اعتبرت السلطة ان عناصر "حماس" بادروا الى اطلاق النار، قالت "حماس" ان الشرطة الفلسطينية هي التي بادرت الى ذلك. وفرضت السلطة اجراءات امنية مشددة، واقامت حواجز "طيارة" على بعض الشوارع، واعلنت حال الاستنفار الامني في الاجهزة الامنية ونشرت المئات من رجال الشرطة، فيما قالت "حماس" ان النار اطلقت على منزل القيادي في الحركة الدكتور محمود الزهار ومنازل كوادر أخرى منها. ومن المرجح ان تكون لجنة المتابعة العليا عقدت ليل الاثنين- الثلثاء جلسة جديدة للبحث في سبل تطويق الاحداث كلياً وضمان عدم تكرارها، علماً أن ذلك أصبح حلماً لدى كل فلسطيني، بعدما تكررت الصدامات بين السلطة والحركة احياناً لاسباب تافهة جداً. ونظم رجال شرطة فلسطينيون تظاهرة في مدينة غزة امس احتجاجاً على الاحداث الدامية واطلقوا النار داخل باحة المجلس التشريعي في المدينة اثناء عقده جلسة عبر تقنية "فيديو كونفرنس" في مقريه الموقتين في غزة ورام الله لبحث قضية الانفلات الأمني وفوضى السلاح. وطالب رجال الشرطة المجلس والسلطة بوضع حد لهذه الحال. الى ذلك، أعلن النائب العام الفلسطيني أحمد المغني، في مؤتمر صحافي في مدينة غزة أمس، ان الانفجار الذي وقع في حفل نظمته حركة "حماس" الجمعة قبل الماضية ناجم عن انفجار داخلي وليس عن صاروخ اسرائيلي كما قالت "حماس" آنذاك. وجاء هذا الاعلان لاضافة مزيد من التوتر على التوتر الشديد بين السلطة والحركة.