سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
واشنطن تريد ان تعتمد نيودلهي عليها عسكرياً بالكامل ... وتروي "عطش" الهنود الى الغاز عبر باكستان استراتيجية اميركا في جنوب آسيا : تلبية مصالح الهند لاحتوائها
تسلم الولاياتالمتحدةباكستان مقاتلات"اف-16"، في المقابل تعطي الهند مقاتلات"اف-18"وصواريخ باتريوت قادرة على إسقاط الطائرات الباكستانية. هذا التناقض يلخص جانباً واحداً فحسب من التطورات المتسارعة في هذه المنطقة التي تتلاقى فيها ثلاث مناطق استراتيجية: آسيا الوسطى والشرق الأوسط وجنوب آسيا. ولولا جدية الأمر لأمكن القول إن الديبلوماسية التي تمارسها باكستانوإيرانوالهندوالولاياتالمتحدة دخلت مرحلة من التشويق قلّ نظيرها. لكنها في الوقت ذاته ستكون ذات أثر بعيد في سياسات دول المنطقة. فما الذي يحدث تحديداً؟ اقتصاد الهند يتنامى في شكل متسارع بات صعباً معه على نيودلهي أن تواكب هذا النمو من دون توفير الطاقة بأسعار مناسبة. وأرخص ثلاثة طرق للحصول على الطاقة عبر أنابيب من تركمانستانوإيران وقطر، تمر كلها عبر باكستان. وقررت نيودلهي المغامرة بقبول هذا الخيار المر والموافقة على خط الغاز الوافد من إيران. غير أن الأمر ليس في هذه السهولة. وعلى رغم أن واشنطن ترى في الهند حليفاً محتملاً ضد الصين وضد الإرهاب المسلم الذي قد يأتي من باكستان، فإن الأميركيين متنبهون أيضا الى احتمال أن تصبح الهند منافساً تجارياً وسياسياً حقيقياً. لذا تريد واشنطن أن يكون اعتماد العتاد العسكري الهندي كاملاً على التكنولوجيا الأميركية، وعلى خيارات الطاقة المقترحة من جانب الأميركيين، كي تصبح الهند مستقبلاً رهن المصالح الأميركية. الهند أيضاً متنبهة الى هذا الأمر، إذ رفضت ضغوط واشنطن في شأن مشروع الغاز الإيراني، كما لم تتسرع في قبول العروض الأميركية السخية وغير المسبوقة في شأن التعاون الأميركي الهادف الى"تحويل الهند قوة عالمية". فالهنود يعتبرون واشنطن حليفاً طبيعياً لهم، لكن العلاقة الباكستانية - الأميركية تثير شكوكهم في شأن نيات واشنطن. أما في إسلام أباد، فاللعبة الديبلوماسية مختلفة. فمطالب الأميركيين منها صعبة. الا أن الأصعب منها مطامع الباكستانيين في الحصول على مزايا في مقابلها. فواشنطن ماطلت في تنفيذ الشق العسكري من برنامج دعم لإسلام أباد قيمته ثلاثة بلايين دولار حتى قايضها الباكستانيون بأصوات ملايين الأفغان البشتون المقيمين في باكستان لإنجاح حميد كارزاي، مرشح واشنطن، في الانتخابات الرئاسية الافغانية التي كان يواجه فيها منافسين مدعومين من قوى إقليمية بينها إيران وروسيا. باكستان والضغط على ايران وعلى المنوال ذاته، يبدو أن الباكستانيين نجحوا هذه المرة في الحصول على مقاتلات"اف-16"في مقابل الموافقة على التعاون مع الولاياتالمتحدة في شأن إيران. وتوصل المحققون الدوليون الى نتيجة أنه لا يمكن من دون مساعدة باكستان، اثبات أن إيران منهمكة في تخصيب اليورانيوم سراً. وحاولت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة عام كامل أن تقنع باكستان بتسليمها نموذجاً لنظام الطرد المركزي لتنقية اليورانيوم، غير أن إدارة الرئيس برويز مشرف رفضت ذلك في شدة. ويشتبه في أن العالم النووي الباكستاني عبدالقدير خان سلم نموذجاً من هذا النظام الى طهران. لكن في تبدل مفاجئ، أعلنت إسلام أباد الشهر الماضي، أنها تنظر في إرسال نموذج لهذا النظام الى وكالة الطاقة، ليسهل على المفتشين الدوليين مقارنته بالمعدّات الإيرانية. كما تفيد التقارير أن إسلام أباد بدأت تحقيقاً داخلياً يستهدف جمع المعلومات المتوافرة حول البرنامج النووي الإيراني. الإيرانيون يدركون أن إسلام أباد لن تتوانى عن التعاون مع الأميركيين، خصوصاً أن طهران أثارت مرارةً في العاصمة الباكستانية عندما سلمت سراً الى المفتشين الدوليين في العام الماضي، لائحة بأسماء نحو عشرين عالماً نووياً باكستانياً عاونوها في تطوير برنامجها النووي خلال العقدين الماضيين. في غضون ذلك، تستمر الاضطرابات الموجهة ضد الجيش والسلطة الباكستانية في إقليم بلوشستان الباكستاني المحاذي لإيران والتي يشتبه الباكستانيون بدور فيها لأجهزة أمنية إيرانية متورطة بتهريب المال والسلاح للمتمردين. وما يزيد من شكوك الباكستانيين أن هذه الإضطرابات اشتعلت مع اقتراب موعد وصول رئيس الوزراء الصيني وين جياباو لافتتاح ميناء"جوادر"الضخم الذي بنته الصين ليكون المنفذ البري الرئيس للتجارة مع آسيا الوسطى. وينافس هذا الميناء الصيني - الباكستاني نظيره الإيراني - الهندي المسمى"جابهار"والمخصص للغرض ذاته. معارضون ايرانيون في باكستان؟ وقبل أسابيع، كتب ريتشارد سيل، محرر الشؤون الاستخبارية في وكالة أنباء"يونايتد برس انترناشيونال"الأميركية، أن إسلام أباد وافقت على استضافة مقاتلين إيرانيين مناهضين لنظام الحكم في طهران في إقليم بلوشستان الباكستاني المحاذي لإقليم خراسان الإيراني والقريب من المنشآت النووية الإيرانية في بوشهر. وقال سيل إن بين المقاتلين عناصر من تنظيم"مجاهدين خلق"، إلا أن غالبيتهم من الأكراد الذين يتقاسمون الجذور العرقية والقبلية ذاتها مع البلوش الباكستانيين. كما أن موقع صحيفة"ايشيا تايمز"الإلكترونية كشف أن الباكستانيين يدربون القوات الخاصة الأميركية في مدينة كراتشي على بحر العرب، نظراًَ الى ان المدينة الكبيرة ومدناً أخرى في إقليمي السند وبلوشستان تتشابه في بنيتها مع مدن شرق إيران وبلداتها. وتوقفت إسلام أباد فجأة خلال الأسبوعين الماضيين عن الكلام رسمياً عن مشروع الغاز الإيراني والذي كانت تروج له بحماسة في الأشهر الماضية.