يشبه السعي إلى تأجيل الانتخابات النيابية اللبنانية من جانب حلفاء دمشق حال المستأجر الذي اضطر إلى إخلاء المأجور بعد نزاع طويل مع المالك، لكنه يرفض تسليم مفاتيح البيت لأصحابه، بعد الإخلاء. ويبدو أن الانسحاب السوري من لبنان لا يوجب بنظر دمشق وحلفائها تسليم المفتاح. بل ان التوجه قد يذهب إلى حد منع أصحاب المأجور من تركيب أقفال جديدة لأبوابه حتى يبقى مشرّعاً. هل تهدف دمشق من وراء ذلك إلى القو إنها نفذت ما هو مطلوب منها وإنها تريد إفهام الجميع أن النزاع لم ينته بعد؟ وهل تريد القول للجميع إنها ما زالت تنتظر مقابلاً لخطوتها كي تفرج عن اللعبة السياسية اللبنانية بمكوناتها المستقلة عن التأثيرات السابقة، التي واكبت الوجود السوري طوال السنوات الماضية؟ يمعن حلفاء دمشق من الوزراء الذين ربطوا أنفسهم بالكرسي، بالسلاسل، في المجاهرة بأنهم لن يسلموا مفتاح المأجور تأخير تشكيل الحكومة والانتخابات النيابية، مبشرين اللبنانيين بعظائم الأمور. ولا يجدون حرجاً بأسلوبهم الفاقع والفج، في كشف الموقف السوري وتكتيكاته، في حين تسعى دمشق إلى التبرؤ من تهمة ممارسة سياسة وصاية على الوضع اللبناني الذي انتقل إلى هذا الحال المتفجر بسبب تلك السياسة، بحسب ما جاء في تقرير بعثة التقصي الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لقد أعلن الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه الذي أذاع فيه قرار الانسحاب من لبنان في الخامس من آذار مارس الماضي، أن أخطاء ارتكبتها سورية في لبنان. ومن الطبيعي أن تكون هذه الأخطاء ساهمت أو تسببت، بتدافع التطورات التي شهدتها الساحة اللبنانية خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتي أدت بين ما أدت إليه، إلى تسريع الانسحاب السوري من لبنان. ومع أن خلافاً جوهرياً يقوم حول ماهية هذه الأخطاء بين وجهتي النظر السورية واللبنانية، فإن رفض دمشق وحلفائها التسليم بتداعيات هذه الأخطاء، وقبلها بفداحتها وطبيعتها، هو الذي حال دون استدراك نتائجها و تلافي مضاعفاتها. هذا الرفض هو الذي استدرج في كل مرة مرتبة جديدة من التدويل وزاد من وطأة الضغوط عليها وعلى لبنان منذ التمديد للرئيس إميل لحود حتى الآن، ما جعل الأخطاء تتراكم بسبب سياسة الهروب إلى الأمام. وفي كل خطوة من خطوات الهروب هذه كان الخطأ يمهد للمزيد من التصعيد الدولي الذي لا ينفع معه الحديث عن مؤامرة دولية ضد البلدين. وإذا كان تشكيل لجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الشهيد الحريري هو آخر مظاهر التدويل الذي يخشى منه لبنان وسورية، فإن السلطات اللبنانية، لو قامت بما عليها في هذا التحقيق وتجنبت المكابرة والإهمال، لما كانت بعثة التقصي أوصت بتشكيل اللجنة. ومن الواضح أن المعارضة المحلية كانت تترك في كل مرة مجالاً لتوافق ما. حتى القوى الدولية كانت تترك نافذة لدمشق التي كانت تمسك بما تعود فتسلم به بعد مرحلة جديدة من الضغط الذي يلغي المساومة الممكنة قبله. ومن المرجح أن تترك هذه القوى نافذة عند تشكيل لجنة التحقيق الدولية. هل يمهد بعض حلفاء سورية في بيروت، من الذين ليس لديهم ما يخسرونه، لأن لا جماهير ولا من يحزنون وراءهم، لجرّ غيرهم من هؤلاء الحلفاء إلى قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يلزم الدولة اللبنانية إجراء الانتخابات النيابية؟ ماذا ستكون حجة هؤلاء إذا وضع المجتمع الدولي يده على مسألة الانتخابات في سياق تبلغه تقرير مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن عن المرحلة التي بلغها تطبيق القرار 1559؟ هل سيقولون ان أميركا تتدخل من أجل"فرض"الانتخابات إذا كانت الأممالمتحدة تستطيع الاستناد إلى البند المتعلق بالسيادة اللبنانية في القرار الشهير، وإذا كان ثمة ما يحول دون ممارسة هذه السيادة عبر الحؤول دون الانتخابات؟ قبل أن يصدر القرار 1559 كانت دمشق تستبعده. وحين صدر كانت التعليمة في بيروت أنه غير قابل للتنفيذ. وحين اقترح جاك شيراك تحقيقاً دولياً باغتيال الحريري بدا الأمر صعب التحقيق... إلخ