يبدو ان رفيق الحريري قدم باستشهاده خدمة اخيرة لبلده بتحول ادانة عملية اغتياله، لما يمثله في المشهد السياسي اللبناني من قيم وأفكار، الى يقظة وطنية ونقطة جذب لمختلف اللبنانيين، على مختلف اديانهم ومذاهبهم، يمكن ان تقود الى تحقيق وحدة وطنية جديدة من جهة، وتحريك زخم سياسي داخلي لاعادة صوغ المشهد السياسي اللبناني بتطبيق اتفاق الطائف من دون تأخير، ودولي لتنفيذ القرار الرقم 1559، واخراج القوات العسكرية والامنية السورية من لبنان من جهة ثانية. وحّد اغتيال الحريري معظم اللبنانيين نفسياً ووجدانياً بعدما اعطاهم قضية تجمعهم. وهذه مقدمة قد تكون نقطة تحول بالنسبة الى لبنان في اتجاه التأسيس لوحدة وطنية صلبة، والدخول في مشروع وطني استقلالي جديد، خصوصاً اذا أجريت الانتخابات النيابية في شروط مناسبة وأفرزت مجلساً نيابياً يمتلك شرعية وصدقية شعبية. وتطبيق اتفاق الطائف بسرعة وشفافية باعلان سوري واضح بالالتزام بالانسحاب من لبنان وفق مقتضى هذا الاتفاق. ودخول لبنان جمهورية جديدة. كما شكل اغتيال الحريري فرصة لتنفيذ القرار الرقم 1559، اذ يمكن ان يسرّع في وتيرة هذه العملية، فقد اعلنت فرنسا"ان انسحاب سورية من لبنان امر ذو أولوية لنا"و"ان المجموعة الدولية، ومجلس الامن تحديداً، لا يمكنهما الاكتفاء بالاستماع الى تقرير يرفعه الامين العام للأمم المتحدة مرة كل ستة اشهر عما تحقق من القرار الرقم 1559. اذ ان اللعبة لا يمكن ان تدوم الى الابد". واعتبر الناطق باسم الخارجية الفرنسية"ان الانتخابات البرلمانية المقبلة ستكون بمثابة اختبار لامكان ان تتم العملية السياسية بحرية". وان فرنسا لا تستبعد فرض عقوبات مالية دولية على سورية. ولمح الى"ان سورية ستجد نفسها معزولة تماماً على الصعيد الدولي". ولوحت الادارة الاميركية، على لسان مسؤول اميركي، بأنها"قادرة على تحرير لبنان من القبضة الحديد للاحتلال السوري عبر الوسائل الديبلوماسية وقرار مجلس الامن الرقم 1559"، واتهمت سورية باشاعة الفوضى باغتصابها لبنان". وكانت واشنطن ضغطت لمنع عقد اجتماع دول جوار فلسطين في دمشق"لفرض مزيد من العزلة على سورية". ناهيك عما اعلنه الاتحاد الاوروبي لجهة الربط بين ابرام اتفاق الشراكة الاوروبية مع سورية بشروط تنفيذ القرار الرقم 1559 والتعاون في التحقيقات في اغتيال الحريري ومحاسبة المسؤولين والجهات التي قد تكون دبرت الاغتيال. فهل تلتفت دمشق لصوت العقل، وتعلن موعداً محدداً للانسحاب من لبنان؟ دمشق أبلغت الدول الكبرى انها ترفض تنفيذ قرار مجلس الامن الرقم 1559 من جهة، ومن جهة اخرى ابلغت السيد عمرو موسى، الامين العام جامعة الدول العربية، انها ملتزمة تنفيذ اتفاق الطائف. وهذا يثير اسئلة عن حقيقة الموقف السوري من الانسحاب من لبنان ومدى ادراك السلطة السورية للمخاطر التي يمكن ان تواجهها خصوصاً في ظل ميل الكفة داخل الادارة الاميركية لمصلحة المتشددين ضد سورية. تستطيع السلطة السورية استثمار التوافق اللبناني على"خروج مشرف لسورية من لبنان"عبر تطبيق اتفاق الطائف من دون تأخير، لأن تقاعسها في تطبيق الاتفاق هو السبب في المأزق الراهن، كي لا تضع نفسها تحت"رحمة"الضغط الدولي الذي وفر له قرار مجلس الامن فرصة تصعيد الضغط ووضعها امام خيار وحيد: الخروج القسري من لبنان. كاتب سوري.