مع ان الفلسطينيين أمضوا الأشهر القليلة الماضية منغمسين في مناقشات وممارسات متصلة بالاستعداد للانتخابات التشريعية المقرر اجراؤها في الخامس والعشرين من كانون الثاني يناير المقبل ومحاولة ادامة التهدئة مع اسرائيل، فإن هذا الشاغل - على أهميته - ليس الأهم او الأخطر بين التحديات الكثيرة التي يواجهونها وهم يستقبلون العام الجديد. وبالرغم من انشغال حركة"فتح"، حزب السلطة، والفصائل الاخرى خصوصاً حركة"حماس"بالانتخابات، فإن اخطر التحديات في العام 2006 هي تلك المتعلقة بازالة الاحتلال الاسرائيلي عن اراضيهم. وقد حصلت تغيرات كثيرة وعميقة في المشهدين السياسيين الفلسطيني والاسرائيلي منذ انسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلي من قطاع غزة في ايلول سبتمبر الماضي انسحاباً احادي الجانب لم يكن نتيجة لمفاوضات ثنائية. وسيكون لهذه التغييرات اثر عميق على مستقبل تسوية الصراع بين الجانبين. في الجانب الاسرائيلي، حدث ما اعتبره مراقبون أمراً شبه مستحيل بالنسبة الى التيار الصهيوني اليميني التوسعي عندما نفذ رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، وهو اكبر دعاة التوسع الاستيطاني، خطته لازالة المستوطنات اليهودية من قطاع غزة وسحب قواته العسكرية من هناك. وقد دفعته التحديات التي واجهها من غلاة اليمين في حزب ليكود الى الانسحاب من ذلك الحزب وتشكيل حزب"كديما"الذي بات يوصف بأنه حزب وسط في ظل تلاشي الفوارق بين الاحزاب الصهيونية المصرة كلها على ابقاء الجدار الفاصل الذي يقضم الاراضي الفلسطينية، وابقاء القدس بشطريها الغربي والشرقي عاصمة لاسرائيل وضم الكتل الاستيطانية الكبرى المقامة في الضفة الغربية الى اسرائيل. ويتبين من برنامج"كديما"السياسي كما نشرته صحيفة"معاريف"العبرية قبل بضعة ايام ان الحزب سيسعى في حال فوزه في الانتخابات التشريعية المقررة في آذار مارس المقبل الى ترسيم حدود اسرائيل مع الفلسطينيين من دون تفاوض. ومن الواضح ان هذا الترسيم حاصل على ارض الواقع الى حد كبير ومفروض بقوة الاحتلال العسكري وانه سيزداد سوءاً بالنسبة الى الفلسطينيين خصوصاً اذا عمد شارون الى وصل مستوطنة"معالي ادوميم"الضخمة بالقدسالشرقية لتصبح المدينة المقدسة بذلك مفصولة من كل الجهات عن بقية الضفة الغربية وسكانها ليستفرد بها اليهود ويمعنوا في ازالة طابعها العربي والاسلامي والمسيحي. والاخطر ان اكمال الطوق حول القدس على هذا النحو سيقسم الضفة الغربية الى قسمين آخرين شمالي وجنوبي هذه المرة ما سيعمق استحالة قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافياً وقابلة للبقاء. على الصعيد الفلسطيني، تبدو الانتخابات على ضرورتها ترفاً في ظل استمرار الاحتلال، ويأمل الجميع من خلالها بإحداث تغيير ديموقراطي حقيقي في الحياة السياسية الفلسطينية بعيداً عن الفساد الذي اتهمت به السلطة حتى الآن. وبدا ان انقطاعاً شبه نهائي قد وقع يوم الاربعاء 28 كانون الاول ديسمبر 2005 بين جيلين قياديين في حركة"فتح"، هما رعيل القياديين الاوائل في اللجنة المركزية والمجلس الثوري وجيل الشباب الذي شارك خصوصاً في قيادة الانتفاضة الاولى وبعضهم في الثانية، وفي مقدمهم الأسير مروان البرغوثي. وقد حصل الانقطاع من خلال تسجيل قائمة واحدة لمرشحي الحركة للانتخابات لم تشمل سوى قلة قليلة جداً من اسماء"الحرس القديم"وطغت عليها اسماء"الحرس الجديد". لن يستطيع الفلسطينيون وحدهم مواجهة غول التوسع الصهيوني في اراضيهم. ولا ينبغي ان يوهم احد نفسه بأن الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة تطور ايجابي بمعزل عن التطورات الاخرى التي رافقته واعقبته وكلها تطورات سلبية تشمل توطيد الاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية. إن الدول العربية الكبرى ما زالت قادرة على ممارسة نفوذ واسع ان هي اختارت ذلك من اجل ضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة متصلة جغرافياً على كامل الأراضي التي احتلت في حرب 1967، ومن شأن ذلك ان يخدم الاستقرار الاقليمي وسياسات التنمية.