تعددت القراءات في الوسط السياسي اللبناني، لخطاب الأمين العام لپ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في يوم القدس أول من أمس. فهناك من اعتبر انه يمهد لانقسام سياسي في البلاد حول طريقة التعاطي مع الموقف الدولي تجاه لبنان وسورية في هذه المرحلة، ومنهم من رأى ان السيد نصرالله أمسك بالعصا من وسطها في هذا المهرجان فأكد تضامنه مع سورية في مواجهة الضغوط الدولية عليها وشن هجوماً على السياسة الأميركية تجاه دمشق والفلسطينيين ولبنان، لكنه أبقى على ثوابت التوافق الداخلي حول القضايا المحورية المهمة قائمة ولم يخرقها أو يتراجع عنها وأهمها دعم استمرار التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري واعتماد الحوار بين اللبنانيين والفلسطينيين في شأن موضوع السلاح الفلسطيني وبين اللبنانيين في شأن سلاح المقاومة، وهما الموضوعان اللذان ينص عليهما قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559. واستدل بعض الأوساط السياسية والاعلامية من غياب ممثلين عن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وعن كتلة "تيار المستقبل" النيابية للإشارة الى ان موقف نصرالله يعبر عن مرحلة من الانقسام السياسي ازاء مواضيع رئيسة. كما أشار البعض الى انخفاض تمثيل الحزب التقدمي الاشتراكي في مهرجان يوم القدس. لكن أوساط الحزب دعت الى عدم تفسير هذا الحضور المنخفض سياسياً وردته الى سوء التنسيق داخل قيادة الاشتراكي في هذا الشأن. وتقول المعلومات إن دعوة رئيس الحكومة من قبل قيادة الحزب الى المهرجان، وُجهت اليه بالفاكس صباح يوم المهرجان، مما دفعه الى عدم ارسال مندوب عنه أسوة برئيسي الجمهورية اميل لحود والمجلس النيابي نبيه بري، وان السنيورة لم يستسغ توجيه الدعوة اليه في هذا التوقت وهذه الطريقة بعد ان كان وفد من قيادة الحزب زاد لحود لتوجيه الدعوة اليه. أما الدعوة الى كتلة "تيار المستقبل" فقد وجهت الى الكتلة ككل، لكن نوابها آثروا عدم الحضور تجنباً للاحراج من مواقف قد تعلن في المهرجان لا تتناسب مع علاقة التيار الذي يمثلون ورئيسه النائب سعد الحريري مع "قيادة" سورية في وقت تشن فيه الأخيرة هجوماً عليه ولا توفر مناسبة في الحملة ضده. وتقول أوساط مطلعة على موقف السنيورة انه قد يكون فضل عدم ايفاد مندوب عنه لأسباب سياسية أيضاً لانه سيحرج من المواقف ضد التحرك الدولي خصوصاً أن المناسبة يتخللها عرض شبه عسكري، وأن هذا الحضور قد يفقد الحكومة حجتها الدفاعية عن الحزب تجاه القوى الدولية واصرارها على تجريده من السلاح في وقت تدعو الحكومة الى التعاطي بروية في هذا الموضوع وتركه للعلاقات اللبنانية - اللبنانية والحوار الداخلي. وبصرف النظر عن مسألة تمثيل القوى السياسية في المهرجان، فإن معظم القوى المنضوية في الغالبية النيابية التي لها مواقف مختلفة تجاه القيادة السورية، تعتبر ان التباين في هذا الموضوع مع نصرالله هو الاساس، نظراً الى الخلافات المتواصلة معها في لبنان، اضافة الى الاتهامات الموجهة الى مسؤولين فيها حول علاقتهم بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لكن هناك اجماعاً بين هذه القوى والحزب وسائر القوى على رفض الضغوط الاميركية على سورية كدولة وشعب وعلى رفض الاقتصاص منها لأسباب سياسية بحجة التحقيق في اغتيال الحريري. وتقول مصادر في الغالبية النيابية ان على رغم ان تضامن نصرالله مع سورية وقيادتها، يمكن ان يضر بصورة الحزب في اوساط لبنانية كثيرة، على انه القوة الرئيسة التي تمثل السياسة السورية في لبنان، فإنه يجب تفهم علاقة الحزب الخاصة بالقيادة السورية التي دعمته في مواجهة اسرائيل من جهة والتي تشكل سنداً له في اطار التحالف الايراني - السوري الذي يعتبر الحزب وموقعه في لبنان احد تجلياته الرئيسة من جهة ثانية، وبالتالي لا بد له من اعلان تضامنه مع هذه القيادة وهو أمر تتجنبه قوى أخرى في الغالبية النيابية وتكتفي بالتضامن مع سورية الدولة والشعب، ضد الضغوط الاميركية عليها لأسباب تتعلق بما يتعدى سياستها في لبنان الى العراق وفلسطين. وترى هذه المصادر ان الحزب محرج تجاه القيادة السورية التي تنتظر من قوى حليفة لها في لبنان ان تنضم الى التعبئة التي مارستها ضد تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري ديتليف ميليس. ودعت مصادر الغالبية وبينها مقربون من "تيار المستقبل" ومن "اللقاء النيابي الديموقراطي" برئاسة النائب وليد جنبلاط، الى التدقيق في كلام نصرالله انطلاقاً من تفهم الاحراج الذي يقع فيه. فالملاحظات التي طرحها على تقرير ميليس والتحقيق الدولي هو موضوع التوافق الرئيسي بين اللبنانيين تبقى مقبولة وكثر يطرحون تساؤلات حول بعض النقاط لكن نصرالله تجنب الهجوم على ميليس، كما فعل مع لارسن، وانطلق من الملاحظات على تقريره ليهاجم استخدام أميركا لما تضمنه لممارسة الضغوط على سورية، فيما ساوى بين ما طرحه لارسن وبين ما تمارسه اميركا من سياسة مرفوضة في لبنان والمنطقة وهذا مشروع خصوصاً ان تقرير لارسن يتضمن نقاطاً مرفوضة من قوى لبنانية كثيرة غير الحزب. وتلاحظ هذه الاوساط ان نصرالله تجنب في خطابه انتقاد النقاط التي تبدو متماسكة من تقرير التحقيق الدولي والتي اوصى القاضي ميليس انه يمتلك ادلة في شأنها واستشهد بالمحقق الدولي عن ان التحقيق لم ينته في شكل يعطيه صدقية ضد ما يعتبره "حزب الله" الاستغلال الاميركي للتحقيق. وهو بالتالي لم يساو بين لارسن الذي اعتبره ينفذ سياسة اميركية وبين ميليس الذي تجنب الحملة عليه. وتقول مصادر في الغالبية النيابية سبق ان ناقشت مع قيادة "حزب الله" موقفها من الاستخدام السوري لبعض الفصائل الفلسطينية في لبنان ان التضامن الذي ابداه نصرالله مع الفلسطينيين في وجه تقرير لارسن لا يلغي الموقف الذي وافق عليه في مجلس الوزراء والذي اعتبر السلاح الفلسطيني خارج المخيمات امراً غير مقبول، لأن قيادة الحزب تدرك ان أي خطأ في هذا الاستخدام يزعزع الاستقرار اللبناني ويكون خطأ مميتاً لأنه يسهّل طرح مسألة سلاح الحزب، بعد السلاح الفلسطيني على بساط البحث. وتختصر المصادر نفسها موقف الحزب في هذا الصدد بالقول ان قيادته ليست على استعداد للموافقة على تخريب الوضع الامني في البلد لمصلحة أي كان لأنها ستكون المتضرر الاول وانها تقوم بجهد للحؤول دون أي خطأ في هذا المجال وتلعب دوراً بعيداً من الاضواء في تهدئة الفصائل الفلسطينية الموالية لسورية وتمارس تنسيقاً دؤوباً مع رئيس الحكومة في هذا الصدد على رغم ملاحظاتها حول النقص في التشاور احياناً. وتنتهي المصادر الى الاستشهاد بعبارات عدة قالها نصرالله في خطابه للدلالة الى امساكه العصا من الوسط، منها: "لا أتهم احداً ولا أدافع عن أحد"، وپ"لبنان وسورية يواجهان مأزقاً خطيراً وكبيراً... ونحن في لبنان وسورية معنيون بالقيام بمبادرات تمنع التوظيف الاميركي والاسرائيلي للتحقيق في اغتيال الحريري وتسهم في تأمين فرصة لتحقيق جدي يكشف الحقيقة كاملة". وهي دعوة تنسجم مع الاعلان عن تأليف دمشق لجنة تحقيق خاصة في اغتيال الحريري، التي كان ميليس اقترحها في تقريره امام مجلس الامن الدولي. وكررت المصادر القول ان "حزب الله" لن ينتحر لمصلحة احد، لكنه في الوقت نفسه لا يمكنه في مناسبة "يوم القدس" ان يمر مرور الكرام على السياسة الاميركية في المنطقة وضد ايران، وهذا لن يؤثر في نهجه الابقاء على التوافق داخل حكومة السنيورة وتسهيل كل ما يتطلبه الحفاظ على هذا التوافق. وقد تكون سورية تطلب منه اكثر من المواقف التي اعلنها بالتضامن معها، لكنه احتفظ لنفسه بحق قياس هذا التضامن في حدود الحفاظ على التوافق اللبناني ومن ضمنه ترك قضية سلاحه للحوار الداخلي.