ما حدث في الإسكندرية قبل أيام، يعبرّ بصدق مؤلم عن حالة الهشاشة التي تشكل العلاقة بين معظم المسلمين والمسيحيين في مصر بالرغم من تكرار مقولة ان الوحدة الوطنية المصرية قوية وتاريخية. فحشد بضعة آلاف في وقت قصير والتعبير عن غضبهم بحرق سيارة شرطة ومحاولة اقتحام الكنيسة اكثر من مرة في اقل من اربع وعشرين ساعة، أمر يجب ان يؤخذ بجدية كاملة. خطآن تم ارتكابهما. الأول تلك المسرحية التي شغلت نفسها بقضية حساسة ومعقدة"وهي ما يُطلق عليه موضوع الإرهاب. الخطأ يكمن هنا في ان الكنيسة كمؤسسة دينية ودار للعبادة عليها ان تنأى بذاتها عن السياسة اليومية وتركز على ازكاء مشاعر قبول الآخر المسلم وهذا ينطبق ايضا على المؤسسة الدينية الإسلامية. ولطالما نادينا وكتبنا بهذا المعنى. الخطأ الثاني يقارب الخطيئة في حجمه وردود افعاله، وهو الموقف الذي اتخذته صحيفتان اشعلتا غضب الصائمين والمصلين المسلمين حينما نشرتا خبر هذه المسرحية التي لم تُعرض سوى ليلة واحدة في سنتين. لقد وقفت مع مئات غيري من المثقفين المصريين ضد قانون حبس الصحافيين لكني اعتقد ان الأوان قد حان لإجراء محاسبة دقيقة وصارمة لنوع كهذا من صحافة تخدم الأغراض الضيقة المشبوهة وتسبب القتل والدمار. هذه الوقفة مطلوبة من نقابة الصحافيين المصرية ومن المثقفين المصريين، فلم يعد يكفي الآن اصدار بيانات الشجب والإدانة واجراء مجالس الصلح بين مواطنين يتقاسمون الوطن الواحد. المطلوب الآن اجراء تحقيق شامل وشفّاف عن خلفيات هذه الفتنة وانزال العقوبة الرادعة في المتسببين، مهما كانت مراكزهم الاجتماعية او السياسية والمهنية. إني كواحد من الملايين من الأقباط المصريين يفخرون بأن جذورهم الثقافية تمتد من الفرعونية إلى الهلينية وتتواصل مع القبطية والإسلامية، أرفض ونرفض أن يُستخدم الدين لأغراض سياسية، وأن يُزج بالأقباط المصريين في الصراعات السياسية والحزبية التافهة. ومن الأهمية ان نلفت النظر إلى التوافق المريب بين ما حدث في الاسكندرية وبين محاولات اشعال الصراع الديني في لبنان والعراق.