من هو بيل غيتس هذا ؟ سؤال نتوقع أن نسمعه كثيراً في العالم، خصوصاً بعد الاطلاع عن مدى انتشار استخدام الكومبيوتر والانترنت وفق ما تأتي به الدراسات المتخصصة. لكن غرابة هذا السؤال تكمن عندما ينطق به مثقفون يطلون عبر الصحف والمجلات وشاشات التلفزيون ليثبتوا حضورهم في المشهد الثقافي، يُنظرون في كل شيء وبشكل خاص في أسباب تخلف العرب. أن يسأل هذا السؤال شعراء وصحافيون وأساتذة جامعيون من ذوي الشهرة الواسعة أمر يدعو إلى الحسرة والنظر بجدية في حالنا. وإذا كان التعميم خطأ قاتل فإن من غير المجدي محاولة اعتبار عدم معرفة بيل غيتس أمر نادر بين مثقفينا. البعض أجاب عن سؤال نظرته إلى بيل غيتس بأن أعلن صراحة أنه يجهل من يكون هذا المرء ربما اعتقده نجماً سينمائياً جديداً واستغاث آخرون بديتليف ميليس القاضي الألماني الذي يتولى التحقيق في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري فأجاب:"أتسألون عن بيل غيتس هذا وأنا منشغل فقط بميليس". فئة ثالثة قالت بصراحة أنها غير معنية بالتفكير ببيل غيتس"ما شأني وشأنه"قال لنا كاتب يبشر في مقالاته بالتقدم في الغرب والمثال العلمي الذي يجب أن نحتذي به وبالديموقراطية وحرية الرأي والتعبير. كل هذه الأجوبة التي قال عدد من المثقفين المشهورين في لبنان إنما تلفت إلى ضرورة البحث في سبب"العداوة"إذا صح التعبير بين الكومبيوتر وعدد لا بأس به من المثقفين، وهل يمكن اعتباره حقاً أداة تثقيفية في العالم العربي طالما أن العلاقات لا تزال متوترة بينه وبين نخبة عليها أن تشارك في صناعة الرأي العام؟ ولماذا هذا الطلاق بين المثقف وعلوم العصر الحديثة؟ كان البحث عن مثقف يتحدث عن بيل غيتس حتى بين أبناء الجيل الشاب من فنانين ومثقفين كالبحث عن إبرة في جبل من الصوف، المخرج اللبناني الشاب محمود حجيج من الاستثناءات في هذا الموضوع، فبيل غيتس ليس غريباً عنه، والاجابة عن سؤال حوله لا تحتاج إلى أيام من التفكير المعمق والتحضير كما قال آخرون، ويبدو أن مشكلة البحث عن مثقف يتحدث في أمور التكنولجيا مستعصية وصار يدركها بعض الصحافيين الذين يكتبون في أمور الكومبيوتر والانترنت. وكانت اجابته المقتضبة إنما تركز على الدور الذي يلعبه أصحاب الشركات العابرة للقارات والشركات الكبرى في السياسة العالمية، حجيج قال من قبل كانت ثمة دول وحكومات في المنظومة السياسية حلت محلها في العصر الحالي الشركات الكبرى ومجالس إداراتها التي تتحكم بالسياسات العالمية، و"أرى بيل غيتس كرئيس الدولة الحديثة بمعناها السياسي والعسكري والعملي ...استبدلت رئاسات الدول برؤساء مجالس إدارات الشركات ومنها شركة مايكروسوفت التي أسسها ويترأسها غيتس"، بهذا الكلام لمح حجيج إلى تبدل المفاهيم السياسية والاقتصادية الذي شاركت الصناعة التكنولوجية في إرسائه. وبيل غيتس بالنسبة إلى الزميلة سوسن الأبطح تتولى إدارة شؤون ثقافية في صحيفة"الشرق الأوسط" هو أحد أهم عباقرة القرن العشرين إذ كان من بين قلة استطاعت أن تتصور عالم مستقبلي"فاهتماماته المبكرة بالكومبيوتر ومتابعته للاختراعات وتصوره كيف سيكون العالم مستقبلاً جعلته يقدم جهده الذي كان العالم في حاجة إليه ليأخذ اندفاعته". ولفتت إلى أن الانسان ظل دائماً في صلب اهتمامات ورؤية بيل غيتس، فهو كان يبحث عما يحتاجه الإنسان وقد استشهدت بما جاء في كتاب غيتس نفسه"المعلوماتية بعد الانترنت"فهو يتوجه إلى القارئ العادي بأسلوب سلس وبسيط ليؤكد له على أهمية الكومبيوتر في حياته وأن عليه ألاّ يخاف من هذه الآلة لأنه سينسجم معها وستقدم له متطلبات جديدة وستكون جزءاً مهماً لحياة مريحة. الأبطح نفت ما يتم تداوله من أفكار جاهزة ومعلبة في إطار الرفض المطلق للغرب والتي تصنف جهود بيل غيتس بأنها شر وخطأ يجب الابتعاد عنه، لافتتاً إلى أهمية التكنولوجيا في حياتنا العصرية، وضرورة التعرف إليها واستخدامها. غيتس وشركة "جنرال موتورز" في غمرة انبهار بيل غيتس المبالغ فيه بصناعته، اجرى مقارنة بين صناعة الكومبيوتر وصناعة السيارات. جاءت المقارنة خلال مشاركته، قبل بضع سنوات، في معرض للكمبيوتر. ومما قاله:"لو أن شركة"جنرال موتورز"للسيارات حرصت على مواكبة أحدث التقنيات بالشكل الذي واكبته صناعة الكومبيوتر، لقاد الناس سيارات بسعر 25 دولاراً، لتصرف غالوناً واحداً لكل الفيّ كيلومتر وأكثر". في اليوم التالي، أطلقت شركة جنرال موتورز نشرة صحافية رداً على ذلك التصريح. وورد في النشرة:"إذا طورت جنرال موتورز تقنياتها على خطى مايكروسوفت، لكنا رأينا الامور الآتية: أولاً: تتعطل السيارة مرتين على الأقل في اليوم، ومن دون سبب واضح. ثانياً: عندما يحدث العطل وأنت في منتصف طريق سريع، توقف على جانب الطريق، أغلق كل النوافذ، أعد تشغيل السيارة، ثم افتح كل النوافذ... والعجيب أنك ستتقبل هذه الطريقة بعد فترة من الوقت. ثالثاً: مؤشرات التنبيه داخل السيارة مثل قرب انتهاء البنزين أو خلل في المحرك أو ارتفاع في الحرارة، ستستبدل بها عبارة"لقد قامت السيارة بتنفيذ مهمة غير شرعية وسيتم إغلاقها". رابعاً: ستستأذنك الوسادة الهوائية الواقية من الحوادث قبل أن تفتح، من خلال ظهور عبارة: هل أنت متأكد؟ خامساً: في بعض الأحيان، ستغلق السيارة وأنت خارجها ولا تسمح لك بالدخول، إلا إذا قمت بعمل ثلاثة أمور في وقت واحد، كالإمساك بمقبض السيارة وإدخال المفتاح وتحريك اللاقط الخارجي الخاص بالراديو".