من كل عين بكتك، ومنذ غادرتنا، لا تنام، وحسبنا أنك راقد في احضان ملائكة الله بسلام. لك التحية والخشوع. فأمام ضريحك، من منا وهو حامل شمعته بذكرك لا يبوح، وأريج عطرك من الورد حوالينا يفوح. يا من اعتبر لهجعة تشرين، ورقّة آذار، وصراحة تموز، وقسوة كانون، وغدر شباط، الى من اعتبر، فسبّح باسم ربه الباقي للأبد. أغمضت عينيك وأنت تحضننا تحت جفونك، معانقاً بيروتك. وأبيت ان تفارقنا من دون ان تصافحنا وداعاً، ملوحاً بتلك اليد التي أنزلت من رحمها كلمة"عطاء"، تلك الكلمة التي بقيت أسيرة القواميس حتى جئت الى العالم لتطلق سراحها. لك التحية والسلام، يا زارع الاحلام! يا من برحيلك أبكيت قلوبنا، وبكى معنا حتى الحجر. اليك يا من في رحيلك مشى البشر، وسار نخيل السعودية وأرز الشجر، وبيروت نطقت لله تعتذر، وأغمضت عينيها كي لا تصدق ما رأت. فأين انت، ونحن مَنْ غيرك ننتظر؟ ونهتف:"عيد بأية حال عدت يا عيد، لحالٍ مضى أم لأمر فيك تجديد". حتى يوم المعلم حذف هذا العام من الروزنامة، وغيّر إقامته، ولكن يقال بأنه مندسّ بين الجموع، انه يتلو الفاتحة على روحك، وبيده شمعة الحقيقة. فلكم حاولت تدمير الجدران التي يرفعها الناس فيما بينهم، داعياً الى بناء جسور جديدة تجمعهم. فيما كنت تعلمنا ان الحياة هي أسمى ما قد نجرأ على ان نعيشه، وبمواجهة كل الحقائق، وبأقصى قوة موجودة فينا، وبأقل ذعر ممكن، لأن الانسان وجد ليكون متحدياً. وفي السكون، يبدأ الانهيار. ولكم بدا الوطن معتزاً، وبكامل أناقته وهو بين يديك، فيما كنت المجاهد الدائم للعطاء، حاملاً غصنك الدائم الاخضرار، الباحث عن الحقيقة. ما من جرح الا وذقت ألمه. ما من فقير إلا وتشردت معه، غامساً لقمتك في وعائه الفارغ، ونمت معه جائعاً. وما من معوق إلا وتعاطفت معه. وكم من الاجيال علمت! اشتقنا لك، يا ذا الوجه الأنيق القسمات! حاملاً بملامحه كل انسان، مطلاً علينا من كل مكان بصور لو عادت الاعجوبة الى الحياة لكانت نطقت. وسننتظرك، وكما ينتظر الصيف الطائر، والارض المطر والفقير منقوشة الزعتر، وعلّ الاعجوبة تتحقق! الكلمات عاجزة، لكن حسبنا اننا لم نعد وحدنا في العالم لأنك علمت كل واحد منا كيف يبحث عن الحقيقة... ورد هايل هاني [email protected]