اعتاد الصديقان مؤيد وعلي أن يلتقيا في أحد المجمعات التجارية، لممارسة طقوسهما"البلوتوثية". وما إأن يلتقيا حتى يبدأ مؤيد ممارسة طقوسه المرتبطة بالمجمع المزدحم، ففي إمكانه أن يتصل بكل من حوله من دون أن يعرفوه أو يعرفهم، فكل ما عليه فعله هو أن ينشط خاصية"البلوتوث"في جواله. ويستبدل مؤيد لقبه برقم هاتفه الجوال، إذا اشتبه في انتماء أي من المحيطين إلى الجنس الناعم، بينما يكتفي علي بتشغيل الخاصية، في وضع غير مرئي، ليعرف من حوله. ويمثل الصديقان الشابان علي ومؤيد نموذجاً لعدد كبير من الشبان السعوديين، الذين يستهويهم الخروج إلى الأسواق والمجمعات التجارية، بهدف التعرف إلى آخرين أو تبادل ملفات الفيديو والصورة والصوت معهم. وتشهد فضاءات هذه الأسواق سباقاً محموماً على تبادل الرسائل، خصوصاً بعد قرار مجلس الوزراء السعودي السماح بتداول جوال الكاميرا. ولا يخرج أي من"البلوتوثيين"خاسراً، فهو حتماً سيحصل على مناظر طبيعية جميلة، أو مقاطع فيديو كوميدية، أو أغان صاخبة، أو ربما صور إباحية. و"تنعكس شخصية المستخدم وأفكاره على جواله، فإذا كان متديناً، يزخر جواله بمقاطع صوتية لخطب ومحاضرات دينية أو أناشيد إسلامية، أما إذا كان من فئة أخرى، فليس غريباً أن يمتلئ جواله بمقاطع مخلة بالآداب"، يقول علي. لكنه يعتقد أن السبب في"الصرعة البلوتوثية"التي يشهدها المجتمع، هو الحظر الذي فرض على"جوال الكاميرا". ويقول:"كل ممنوع مرغوب، ولو لم يمنع الجوال من البداية، لما تدافع الناس لاقتنائه، فخاصية"البلوتوث"كانت موجودة في طرازات سابقة على المنع، ولم نشهد ما يحدث الآن". وهو يلقي بمسؤولية الاستخدام الخاطئ على عاتق أصحاب الهواتف. "المقاطع الجنسية هي الأكثر تداولاً بين الشبان عبر البلوتوث"، بحسب مؤيد الذي"يقدس"جهازه. ويقول:"أعتقد أن الكبت هو السبب الرئيس في اهتمام الشبان بالصور والمقاطع المخلة، إضافة إلى أنهم يتحدون بعضهم بعضاً في جلب هذه المقاطع". ويضيف:"غالباً ما يتراسل الشبان مشاهد رقص أو مقاطع صوتية لحديث مثير أو لقطات تفحيط". وهو يرى أن"عدم معرفة المرسل تجعل الأمر أكثر إثارة، إذ لا يوجد ما يمنع شخصاً من طلب مقطع إباحي من دون خجل أو خوف، فالمستقبل لا ولن يعرف شخصية المرسل". وفي المقابل، يرفض آخرون الاستغلال السيئ لهذه التقنية الحديثة. ويقول علي ممتعضاً:"أستفيد من البلوتوث في تسجيل محاضراتي الجامعية وتصوير المهم منها". ويضيف:"لا أنكر هوس بعض الشبان بتداول مقاطع الفيديو المخلة عبر البلوتوث". وإذا كانت شبكة الإنترنت هي المصدر الرئيس لهذه المقاطع، فإنها تمد المستخدمين بما هو أكثر خطورة، مثل برامج التجسس التي تستقطب شباناً كثراً يستمتعون باقتحام جوالات الآخرين... وخصوصياتهم. ومن أبرز هذه البرامج"الجاسوس"الذي ينقل الصور والمقاطع من جوال إلى آخر، من دون أن يعلم الضحية، وأيضاً برنامج"التخفي"الذي يحمي الملفات بكلمة سر، لئلا يتمكن أحد من مشاهدتها غير صاحب الجهاز، إضافة إلى برنامج يبحث عن الأجهزة ويرسل لها تلقائياً. ويتنافس الشبان في شراء كروت الذاكرة التي قد تصل سعتها إلى"غيغا بايت". "التعطش الكبير لهذه التقنيات، هو محاولة لسد فجوة علمية كبيرة بين مجتمعاتنا والمجتمعات المصدرة للتكنولوجيا، في حقل العلوم التطبيقية، خصوصاً الرياضيات والفيزياء والكيمياء، ما يشعر معه بعض الشبان العرب بالصدمة إزاء هذه المبتكرات، فيندفعون إلى اقتنائها"، يقول الاختصاصي الاجتماعي الدكتور أحمد اللويمي. ويضيف:"لا يرى الشبان الغربيون هذه التقنية ضرباً من السحر أو أمراً خارقاً للمألوف، فيتعاملون معها بالمنطق". ويعتقد أن"استغلال هذه التقنية في شكل سيئ، مرده إلى أسباب عدة، بينها ضعف التربية في إطار الحرية المسؤولة التي تنمي في الشاب ملكات اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية، ما يدفع بعضهم إلى الدخول في حال من الفوضى والاستهتار، في غياب رقابة الأسرة الصارمة التي اعتادها". ويعزو اللويمي هذه الحال أيضاً إلى غياب التربية الجنسية القيمية التي تعلم مفاهيم الجنس في إطار العفة والقيم، كمطلب أساس في حياة الإنسان،"فالمشكلة أننا صنعنا"تابو"وخلقنا من الجنس عالماً محرماً، يحظر الاقتراب منه أو السؤال عنه، ما صنع ثقافة سوداء يريد الشاب أن يكتشفها، فلا يجدها سوى في المجلات الإباحية والقنوات الفضائية ومواقع الانترنت. ومطاردة الشبان للفتيات وهي تعبير عن كسر طوق الرقابة الصارمة".