الوجع الذي يضرب أحد شقي الرأس يطلق عليه اسم الصداع النصفي أو الشقيقة، وهذا الصداع بعكس ما يتهيأ للبعض منتشر جداً، ففي فرنسا مثلاً يقدر عدد المصابين به بنحو عشرة ملايين وفي بلاد العم سام وصل هذا الرقم الى ما يقارب الثلاثين مليوناً. انه مرض عالمي يضرب كل الأجناس والأعراق، الا ان الجنس اللطيف يصاب به أكثر من الجنس الخشن وحتى صغار السن لا يسلمون من شرِّه وتشخيصه عندهم ليس بالأمر الهيّن وعلى الأطباء والآباء أن يأخذوه في الاعتبار عند معاناة الطفل تبدلات سلوكية أو صعوبات دراسية. والصداع النصفي مرض قديم قدم الحضارة وقد ورد ذكره على لوحة مصرية يعود تاريخها الى عام 1200 قبل الميلاد، وكلمة الصداع النصفي جاءت من الكلمة الاغريقية Hemicania التي تعني نصف الرأس ثم تحولت بعد ذلك الى Migraine وهي الكلمة المتداولة حالياً. يداهم الصداع النصفي صاحبه على شكل نوبات تدوم الواحدة منها ما بين ساعات الى بضعة أيام وما بين كل نوبة وأخرى هناك فترة هدوء يغيب فيها وجع الرأس. ونوبة الصداع النصفي قد تأتي على حين غرة الى درجة ان المريض لا يعرف أين يضع رأسه وهناك من يكون الوجع عنده شديداً لا يحتمل بحيث لا يجد وسيلة أفضل للخلاص منه سوى التفكير بنطح جمجمته بأقرب حائط. ولكن هناك من المرضى من يشعر ببوادر تنبه أصحابها الى ان نوبة الصداع النصفي في طريقها الى الحصول ومن هذه البوادر نذكر التثاؤب والتعب المبهم والتشوش الذهني والكآبة والانفعال والرغبة العارمة بتناول بعض أنواع الطعام. بعد ذلك وقبل أن يخبط الوجع على رأس المصاب يعاني هذا الأخير اضطرابات عصبية أو سمعية أو بصرية مثل الخدر وحس البرودة في الوجه والذراع الى جانب سماع أصوات غريبة كالهمس والوشوشة ورؤية أضواء مبهرة ساطعة وحدوث اضطرابات بصرية وتلازم هذه العوارض صاحبها من 20 الى 30 دقيقة لتتلاشى بعدها مخلفة وراءها ألماً يضرب شقاً واحداً للرأس ولكنه في بعض الأحيان قد يضرب شقي الرأس معاً. ومن مميزات ألم الشقيقة انه يحدث في شكل تصاعدي نابض يصاب الشخص خلاله بالغثيان والتقيؤ وينزعج أشد الانزعاج من الأصوات والضوضاء والروائح المزعجة. ان مدة النوبة تختلف من فرد الى آخر وخير ما يمكن فعله للتعجيل في انقشاعها هو التزام الفراش في غرفة بعيدة عن الضوء والضوضاء. هناك عوامل مشهورة بإثارتها لنوبة الصداع النصفي وهذه أيضاً تتباين من مريض الى آخر ومن بين هذا العوامل: الجوع والصيام. الضغوط النفسية. حدوث تقلبات في عادات النوم. الأضواء المبهرة. الضوضاء. حدوث تقلبات في ضغط الجو. ممارسة الرياضة العنيفة. العطور ورائحة التبغ والروائح الغريبة. الوراثة. بعض العقاقير. حبوب منع الحمل أو تناول معالجة هورمونية بديلة. الهاتف المحمول. هذه هي العوامل الشخصية والبيئية المحرضة على وقوع نوبات الصداع النصفي ولكن هناك عوامل مؤهبة غذائية المنشأ متهمة من قبل حوالى العشرين في المئة من مرضى الصداع النصفي ومنها: - المشروبات الروحية نبيذ أحمر، بيرة... الخ. - الشوكولاته. - الأجبان المعتقة. - الأغذية المخمّرة. - بعض منتوجات البحر. - مادة الفلوتامات. - سكر الاسبارتام المحلي. - المشروبات الحاوية على الكافيين أو على العكس الحرمان من الكافيين. - الأطعمة الغنية بمادة النيترات. ان الصداع النصفي ما زال حتى الآن لغزاً محيراً في الوسط الطبي والنقاط الغامضة فيه كثيرة لم تتكشف هويتها بعد وخصوصاً في ما يتعلق بآليات حدوث الوجع في الرأس والبوادر المنذرة التي تسبق وقوعه وكذلك ما هو الشيء أو الأشياء التي تسهم في وضع حد لزوبعة الصداع النصفي. هناك نظريات كثيرة قيلت حوله ولكن أياً منها لم يشف غليل الباحثين لفهم سره كاملاً، والأشياء الواضحة حتى الآن هي أنه، وخلال نوبة الصداع النصفي، تحدث تغيرات وعائية، عصبية، هورمونية، كيماوية... بكلام آخر هناك مركبات متنوعة في الدماغ تلعب دورها في اشعال الصداع النصفي منها: مادة السيروتونين ومادة الهستامين ومادة الدوبامين وغاز أول أوكسيد الأزوت ناهيك عن مركبات أخرى كالأحماض الأمينية المثيرة للأعصاب والبروتينات العصبية الفاعلة على الأوعية الدموية... الخ. وطبعاً لا بد من أن نعرف أن للوراثة ضلعاً في الاصابة بالصداع النصفي، وحتى الآن تمكن العلماء من التعرف على هوية اثنين من الجينات المورثات أحدهما تقبع على الكروموزوم الرقم 19 من الخريطة الوراثية أما الآخر فتقطن الكروموزوم الرقم واحد. كيف يعالج الصداع النصفي؟ - قبل ان نخوض في غمار الاجابة عن هذا السؤال، لا بد من أن نذكّر بأن لا علاج يشفي من الصداع النصفي وكل العلاجات المعروفة من قريب أو بعيد هدفها التخفيف من معاناة المريض بحيث لا يتحول المرض لديه الى كابوس مرعب قد يقلب أحياناً حياته الى جحيم لا يطاق سواء من الناحية الحياتية أو الاجتماعية أو الوظيفية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية علينا ان نعلم أنه لا توجد معالجة نموذجية واحدة يمكن تطبيقها على كل المصابين. فالعلاج يحتاج الى تقويم مفصل وكامل بناء على معلومات يجمعها الطبيب من مريضه، وبعد محاولات علاجية متكررة مداً وجزراً غايتها الوصول الى العلاج الأنسب والأفضل للمصاب. هناك ترسانة علاجية عريضة واسعة ضد نوبة الصداع النصفي ولكن فليبدأ المريض بادئ ذي بدء بتفادي العوامل التي من شأنها أن تثير النوبة لتفويت الفرصة على وقوعها. أما اذا حلت النوبة فعندها قد يستفيد المصاب من الضغط بالإصبع على الصدغ ناحية الطرف الذي وقع فيه الصداع، أو بوضع كمادة ثلجية أو ساخنة عليه، أو احتساء قليل من القهوة، أو لبس نظارات ملونة، أو بكل بساطة الاعتكاف في غرفة مظلمة في منأى عن الضوء والضوضاء، أما اذا استمرت نوبة الصداع على عنادها فاللجوء الى العقاقير يصبح أمراً لا مهرب منه. ان الخيار الأول في علاج الصداع النصفي يجب ان يقع على المسكنات العادية البسيطة ومضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، فإذا تم قمع الوجع بها كان خيراً، واذا لم يحصل فعندها يمكن الاستعانة بأدوية"تريبتان"الحديثة. ولكن من عيوب هذه الأدوية انها تسبب تأثيرات جانبية قوية كالغثيان والتقيؤ والدوخة والضعف العضلي. هناك مصابون يعانون نوبات قوية وعنيفة للصداع وفي هذه الحال يمكن الاستنجاد بأدوية واقية تمنع وقوع النوبة ومن هذه الأدوية هناك"مثبطات ? بيتا"ومضادات الكآبة اضافة الى الفيتامين ب12. وفي الآونة الأخيرة أشيع عن استعمال سم البوتوكس المشهور في علاج الصداع النصفي، والدراسة قائمة على قدم وساق لتقويم أفعاله وفائدته في هذا المنوال ونحن الآن في الانتظار لما ستسفر عنه الأبحاث في هذا المجال!