تدخل فرخند صالون الحلاقة، تلقي ببصرها يميناً ويساراً، لا يوجد أحد غير حلاقين وجندي مارينز، يحلق ما تبقى من شعر رأسه..."لا بأس، لا يوجد أحد"تخاطب إيهاب كامل الحلاق الآتي من مدينة الزرقاء الأردنية، ليدير صالون حلاقة في أحد أفخر أحياء كابل، فالمباني المحيطة بمحله عبارة عن سفارات ومنازل كبار المسؤولين ومحال تجارية تبيع بضائع مستوردة فقط. حجزت فرخند موعداً لقص شعرها وصبغه في العاشرة مساءً، حينما تقل الحركة في شوارع كابول، فلا يرتاد أحد المحل. يفتح إيهاب شاشة الكومبيوتر المحمول، يستعرض صور حسناوات أوروبيات وأميركيات، تختار فرخند إحداها، فيثني حلاقها على اختيارها"للتو ظهر هذا الموديل، واليوم أنزلته من أحد مواقع الإنترنت المتخصصة". وإضافة إلى الإنترنت يحصل إيهاب على نماذج من مجلات يجلبها"أصدقاء عائدون من الخارج". غالبية زبائن المحل من الدبلوماسيين وعائلاتهم وهناك الجنود والصحافيون، إضافة إلى أفغان عادوا من المنافي، مثل فرخند، التي عادت من بون قبل خمسة أشهر، بعد أن قضت هناك نحو 20 عاماً. ويقول إيهاب:"الأفغان العائدون، وعددهم يربو على ثلاثة ملايين شخص، أدخلوا الكثير من الأشياء الغريبة على هذا الشعب". لا يبعد المطعم اللبناني عن محل إيهاب سوى نحو 500 متر، وهناك يستمتع عرب كابول وكثير من الأجانب الذين يعيشون في المدينة بأكل مناقيش اللحم والفتة وورق العنب والتبولة، مع أنغام فيروز أو نانسي عجرم، التي يتراقص معها رواد المطعم من الأوروبيين، وهم يدخنون المعسل أو التنباك العجمي. افتتح المطعم قبل عامين، ويقول مالكه اللبناني كامل:"جئت إلى هنا مغامراً، وراهن كثيرون على فشليّ، ولكنني نجحت، حتى أنني أعتذر عن عدم استقبال زبائن أحياناً، بسبب الازدحام". ويعمل في المطعم فريق أفغاني، لكن الطاهي لبناني، ويتقن إعداد الأكلات اللبنانية التي تجد رواجاً كبيراً في كابول، خصوصاً بين الأجانب والعائدين من الخارج، القادرين على دفع فاتورة عشاء تعادل راتب شهرين لموظف حكومي يحتل منصباً مرموقاً في إحدى الوزارات. وفي الحي الديبلوماسي عدد من المطاعم، التي تقدم أفخر الماكولات العالمية والمحلية، وإن كانت الأخيرة تظهر على المائدة باستحياء. وتتجول سيارات فخمة، غالبيتها ذات دفع رباعي، وهي مستوردة حديثاً، حتى إن بعضها ما زال يحمل لوحات دبي أو أبو ظبي، يقودها شبان، يمكن استنشاق أزكى العطور الباريسية من ياقاتهم. يترجلون لارتياد مقهى إنترنت. هناك يتواصلون مع العالم الخارجي، يدخلون كل المواقع على الشبكة، فلا توجد مواقع محجوبة في أفغانستان، فيما يفضل آخرون الدخول إلى مواقع المحادثة. أو تبادل رسائل"البلوتوث"، ونصف ساعة كفيلة باستقبال عشرات الأفلام القصيرة، التي تحوي مواد فاضحة. لا يمكن مقارنة رفاهية حي"أكبر وزير خان"ببقية أجزاء المدينة، خصوصاً الجنوبية منها، حيث أحزمة البؤس والفقر، ومبان دكتها صواريخ قلب الدين حكمتيار، أبان ما أصطلح عليه بپ"حرب المجاهدين"، فتحولت المنطقة إلى بقايا وأنقاض، ولم يسلم حتى قصر"دار الأمان"الذي كان يسكنه ملك أفغانستان السابق ظاهر شاه. هنا يمكن رؤية بيوت تساقطت أجزاء منها بفعل الصواريخ، وعلى رغم ذلك تسكنها آلاف العائلات الفقيرة.