سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
امساك "الحرس" بمفاصل السياسة الايرانية ... وتصعيد ضد اسرائيل وتقاطع مصالح مع روسيا لدعم البرنامج النووي . رئاسة أحمدي نجاد واستعادة الخطاب الثوري ... براغماتياً
اذا كان المجتمع الدولي توافق على اعتبار الالفية الثالثة نهاية عهد الثورات أو الحركات غير المنضبطة، خصوصاً بعد التحول الذي احدثه 11 ايلول سبتمبر 2001، فإن الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد أعاد الخطاب الثوري الى الواجهة السياسية عام 2005، عندما وصف فوزه بالرئاسة بأنه يمثل ثورة ثالثة في سياق الثورات التي شهدتها ايران خلال العقود الثلاثة الاخيرة من القرن الماضي. وفي تحديده أبعاد الثورة الثالثة التي جاءت به، اعتبر أحمدي نجاد ان الثورة الاولى تمثلت بالتحرك الشعبي والديني الذي قاده الإمام الخميني منذ ستينات القرن الماضي وأطاح نظام الشاهنشاه العام 1979. اما الثورة الثانية فتمثلت بالتحرك الذي قام به طلاب الجامعات الايرانية وانتهى باحتلال السفارة الاميركية في طهران طوال 444 يوماً، العمل الذي يعتبره احمدي نجاد"ضربة قاسية"للطموحات الاميركية في العودة الى ايران، على رغم معارضته آنذاك هذا التحرك ودعوته الى احتلال السفارة السوفياتية بدل الاميركية، انطلاقاً من خلفية ايديولوجية وثورية اسلامية. ولم يخرج احمدي في توصيفه للثورة الثالثة عن الاطار الذي وضعه الإمام الخميني، معتبراً وصوله الى الرئاسة انقاذاً للبلاد من توجهات ليبرالية اصلاحية"كانت تسعى الى تسليم الثورة للادارة الاميركية على حساب المصالح الوطنية". واعتبر الرئيس الايراني ان المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات الرئاسية بدورتيها 60 مليون صوت، تعطيه الحق في القول انه ليس مديناً في وصوله الى الحكم لأي من الاحزاب السياسية أو التيارات والقوى الفاعلة في ايران، بمن في ذلك حلفاؤه في التيار المحافظ، وذلك تمهيداً لإطلاق يده في عملية اصلاح سياسي وإداري واسعة بعيداً من التأثيرات والضغوط، الا من موقع مرشد الثورة علي خامنئي الذي لم يتوان عن دعمه عندما طاولته اتهامات بعدم كفايته الادارية والسياسية. والمواجهة الاولى التي خاضها احمدي نجاد في اطار صراعه مع التيار المحافظ ومحاولات الاستقلال عنه، كانت في التشكيلة الحكومية التي قدمها الى البرلمان اوائل آب اغسطس 2005، وجاءت خالية من وجوه محافظة بارزة، فرد المحافظون في البرلمان بإسقاط اربعة من مرشحيه لحقائب وزارية. وتصاعد الخلاف عندما رفض البرلمان للمرة الثانية مرشح احمدي نجاد لحقيبة النفط، وهو علي سعدي لو، احد اقرب معاونيه ومساعديه في بلدية طهران. ولم يكن رفض المرشح الثاني للمنصب صادق محصولي، سوى احساس بالخطر من البرلمان لما يمثله الاخير من نفوذ وسيطرة للحرس الثوري الذي ينتمي اليه. ولم يحسم الصراع الذي ادى الى رفض المرشح الثالث للمنصب محسن تسلطي، الا بعدما قدم احمدي نجاد مرشحاً رابعاً يعتبر همزة وصل بين ماضي الوزارة التي يتهمها الرئيس بأنها تشكل مرتعاً لمافيات الفساد والنفط، ومستقبل العلاقة بينه وبين القوى المحافظة الاخرى التي لم تسمح سابقاً للرئيس خاتمي بالسيطرة على هذه الوزارة الحيوية. الحرس والفصل بين السياسي والاجتماعي واجه مشروع احمدي نجاد الاقتصادي انتكاسة منذ بدايته، خصوصاً انه اعتمد شعار"التوزيع العادل لعائدات الثروة النفطية على موائد الشعب"، الا انه سارع بعد اكتمال عقد حكومته الى خطوة مفاجئة اذهلت الاصلاحيين والمحافظين على حد سواء، بتعيين نائب قائد الحرس الثوري اللواء محمد ذو القدر نائباً لوزير الداخلية الشيخ مصطفى بورمحمدي الآتي ايضاً من هذه المؤسسة العسكرية. وبدأ ذو القدر ترجمة أبعاد مشروعه المشترك مع احمدي نجاد، بإطلاقه ورشة واسعة من التعيينات الجديدة لحكام المناطق والاقاليم وحتى المدن الصغيرة، اقتصرت على شخصيات من"الحرس"، ما كشف عن نية هذه المؤسسة في الانقلاب على الاصلاحات التي اطلقها الرئيس محمد خاتمي لدى توليه الحكم قبل ثماني سنوات. وعلى الصعيد الاجتماعي، بدا احمدي نجاد ملتزماً شعار الحريات الاجتماعية والفردية، الامر الذي ترجم على الارض مزيداً من الانفتاح في المظهر والمضمون بين طبقات الشعب المختلفة، وهو انفتاح مشروط بالابتعاد من الشأن السياسي. رئاسة احمدي نجاد للجمهورية الاسلامية، انتجت على الساحة الداخلية الايرانية فصلاً بين التعاطي في السياسة والحياة الاجتماعية، انطلاقاً من نظرة ايديولوجية - دينية تحاول ترسيخ مفهوم الفصل بين المؤسسة الدينية السياسية ودور الجمهور في القرارات، وهو مفهوم يشكل آية الله مصباح يزدي احد اهم منظّريه والداعين اليه داخل المؤسسة الدينية. السياسة الخارجية..."النووية" على صعيد السياسة الخارجية، بدا ان احمدي نجاد يسعى الى تطبيق خطة دقيقة وخطرة، تقوم على تصعيد الخطاب مع المجتمع الدولي، اولاً في الاصرار على حق ايران في امتلاك التكنولوجيا النووية، وثانياً في استعادة الخطاب الايديولوجي بدايات الثورة"ضد اسرائيل"وتوظيف هذا الخطاب لتخفيف الضغوط على الملف النووي من دون ان يتعدى الامر ذلك. والمحيطون بأحمدي نجاد يرون ان خطابه المعادي لإسرائيل، ساهم في اعادة تظهير صورة الرجل لدى المجتمعات العربية والاسلامية وبعث رسائل تطمين الى ان ايران التي ترفع شعار"الدفاع عن مصالح الامة الاسلامية"، لا يمكن ان تعمل ضد الدول والشعوب في المنطقة، بل ان ايران القوية والمتقدمة ستكون سنداً ودعماً لمصالح الامة الاسلامية وأمنها واستقرارها. وينطلق التصعيد الايراني مع المجتمع الدولي، وبالتحديد اوروبا وأميركا، من قراءة ايرانية خطرة اذا لم تحسن طهران توظيف كامل معطياتها بدقة، خصوصاً باعتمادها على ارباك المشروع الاميركي في المنطقة من البوابة العراقية، وعدم قدرة اميركا على الدخول في مواجهة عسكرية مكشوفة مع ايران، حتى عبر حليفتها اسرائيل، باعتبار ان ذلك يزيد في تعقيد الامور، بإشعال المنطقة من العراق وصولاً الى لبنان مروراً بفلسطين في مواجهة الاميركي، على رغم ما تحمله المواجهة المفترضة من خسائر لإيران قد تكون قاسية وتعيدها بالتالي عشرات السنين الى الوراء في مجال التنمية الاقتصادية التي قامت بها بعد انتهاء الحرب العراقية - الايرانية عام 1988. الحديقة الخلفية للكرملين وترى ادارة احمدي نجاد ان المعادلات الدولية والاقليمية تقف الى جانبها، خصوصاً في البعد الروسي الباحث عن دور جديد على الساحتين الدولية والاقليمية، في مواجهة السعي الاميركي لتسليم حلف شمال الاطلسي الناتو مهمة قيادة أمن المنطقة والسيطرة على مصادر الطاقة فيها، وما في ذلك من استبعاد لموسكو عن الشراكة في هذا الدور. وتعتقد طهران انها باتت تشكل"الحديقة الخلفية للكرملين"و"ضرورة"لموسكو للحفاظ على دورها في الشرق الاوسط والوصول الى المياه الدافئة، وكذلك في استعادة السيطرة على المجال الحيوي لروسيا في آسيا الوسطى، الامر الذي دفع روسيا للوقوف الى جانب ايران ومساندتها في المواجهة النووية مع المجتمع الدولي. ولم تقلل الحاجة المتبادلة بين طهرانوموسكو من حدة الحذر المتبادل بين الطرفين. فالايراني حذر من ان يضع كل اوراقه في السلة الروسية مخافة ان تعمد موسكو الى تقديمها بالجملة الى واشنطن في مقابل ثمن ما، لذلك فهي تصر على ابقاء التواصل مع الدول الاوروبية حول الملف النووي والاحتفاظ بروسيا الى جانبها منفصلة. كذلك، فإن موسكو حذرة من ان تكون طهران تعمل على توظيف الموقف الروسي لمواجهة واشنطن، لذلك تسعى موسكو لربط البرنامج النووي بها من خلال اقتراح نقل عمليات تخصيب اليورانيوم الى اراضيها كمخرج لأزمة ايران مع المجتمع الدولي، وبالتالي ضمان عدم تخلي او ابتعاد ايران منها في حال استطاعت تحقيق تقدم في تخفيف التوتر على خط علاقاتها مع الولاياتالمتحدة.