تسلطت الأضواء في تشيلي مجدداً على الديكتاتور السابق أوغوستو بينوشيه الذي يواجه دعاوى عدة، سياسية ومالية، عكرت عليه الاحتفال بعيد ميلاده التسعين. ويأتي ذلك قبل ثلاثة أسابيع من الدورة الأولى لانتخابات الرئاسة التشيلية، وفي وقت انحسرت إلى حدّ ما الضجة حول تسليم سانتياغو رئيس البيرو السابق البرتو فوجيموري الى بلاده في انتظار ان يبت القضاء التشيلي في ذلك. وكانت محاكمة بينوشيه توقفت عام 2002، بعدما قررت لجنة طبية أنه مصاب ب"هذيان يحيل دون الدفاع المتماسك عن نفسه"في قضية"قافلة الموت"التي ذهب ضحيتها عشرات من المعارضين على أثر الانقلاب العسكري الذي أوصله الى سدّة الرئاسة عام 1973. وفي عام 2003، أفرج مجلس الشيوخ الأميركي عن وثائق مهدت لملاحقة بينوشيه في قضايا مالية تتراوح بين التهرب الضريبي وانتحال صفة، في قضية اكتشاف نحو مئة حساب مصرفي فتحها الديكتاتور السابق في الخارج، بأسماء مستعارة. وفي تشرين الثاني نوفمبر الماضي، رفع مجلس القضاء الأعلى الحصانة التي يتمتع بها بينوشيه بصفته رئيساً سابقاً، في قضية جرائم سياسية اسمها"عملية كولومبو"، المتعلقة بمقتل 116 يسارياً تشيلياً وجدت جثثهم في البرازيل والأرجنتين عام 1975. وفي بداية الشهر الجاري، عادت لجنة طبية وقررت أن بينوشيه قادر صحيّاً على الدفاع عن نفسه في هذه القضية. والأسبوع الماضي، أجرى القاضي مواجهة بين بينوشيه ورئيس الاستخبارات في حينه، لتحديد مصدر الأوامر في تلك الجرائم. عيد غير سعيد وعلى الاثر، قرر القاضي المسؤول عن الملف المالي لبينوشيه اصدار قرار باعتقال الاخير الأربعاء الماضي، فارضاً على الديكتاتور السابق الإقامة الجبرية في منزله. لكن في اليوم التالي، استطاع محاموه رفع قرار الاعتقال في مقابل دفع كفالة مالية ل"عدم تشكيل موكلهم خطراً على المجتمع"... وغايتهم المعلنة أن يحتفل العجوز بعيده التسعين في أحسن ظروف. وبدا صباح الخميس، أنهم قد يحصلون على مبتغاهم، فزاره قائد الجيش في منزله لمشاركته في أفراح العيد، مصرحاً لدى خروجه بأن زيارته"موقف إنساني ولا تتحمل أي تفسير آخر"، ما أثار اعتراض رئيس الحزب الشيوعي. في الوقت ذاته، كان مرشح اليمين للرئاسة لافين، الذي يعتبر أقرب المرشحين من بينوشيه والذي يخوض انتخابات صعبة للوصول إلى الدورة الثانية، يأخذ مسافة من موضوع الرجل الذي حكم تشيلي بقبضة من حديد في السبعينات، وقال:"بينوشيه وجه من التاريخ ومن الماضي... وما يهمني هو السنوات الأربع المقبلة". وسرعان ما قرر قاضي"قضية كولومبو"، اعتقال بينوشيه وأعاد فرض قرار الإقامة الجبرية في منزله. وقررت رئيسة لجنة أهل المفقودين يوم الجمعة الماضي، إعادة تحريك قضية"قافلة الموت"بعدما"زالت الأسباب التي جمدتها في ضوء قرار اللجنة الطبية الجديد". وهذه المرة الثالثة التي يعلن قاض اعتقال الجنرال بينوشيه: المرة الأولى كانت عام 1998 عندما قرر القاضي الإسباني بالتسار غارثون إيقافه وبقي وقتها بينوشيه أكثر من خمسمئة يوم في لندن منتظراً قرار المحكمة في موضوع تسليمه الى إسبانيا، لكن القرار سمح له بالعودة إلى تشيلي. والمرة الثانية كانت عام 2002 في قضية"قافلة الموت"، ونجح محاموه في إصدار القرار الطبي الذي كفّ الملاحقات. هذه المرة، إلا إذا قررت قوانين الحياة والموت عكس ذلك، يبدو أن الرجل القوي السابق لن ينجو من حكم قضائي مبرم يعتبره الكثير من التشيليين جزاء، ولو رمزياً، لجرائمه الكثيرة.