في أول مبادرة عربية ودولية مستقلة للمساهمة في إعادة إعمار العراق، شهدت عمان أخيراً مؤتمراً علمياً ودولياً كان الهدف الرئيسي منه تعبئة العلماء والباحثين العراقيين من داخل العراق وخارجه وإشراكهم لبلوغ هذا الهدف. وهي مبادرة جريئة وحميدة أطلقتها ورعتها المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا. والواقع أن هذه المبادرة المهمة تحمل دلالات كبيرة من نواح عدة، فهي تسجل أولاً توجهاً سليماً لحشد الطاقات العلمية العراقية بصورة طوعية ومستقلة عن الأطر الرسمية، يتيح الفرصة للمنافسة البناءة بين العلماء العراقيين لمواجهة تحديات الأوضاع الصعبة التي يعيشها العراق في المرحلة الراهنة، ما يؤشر إلى مستوى رفيع من الإحساس بالمسؤولية والالتزام من جانب النخبة العلمية المميزة إزاء مستقبل بلادهم. وتجسد المبادرة ثانياً معلماً بالغ الأهمية في السياق الراهن للمواقف العربية إزاء مصالح العراق ومستقبله، حيث تنبري مؤسسة عربية مرموقة للأخذ على عاتقها المشاركة في الجهود المبذولة لإنماء العراق من خلال الجمع بين الكفاءات العراقية والعربية والدولية. كما تمثل هذه المبادرة مؤشراً جدياً على نوعية المشاركين والمشاريع المقترحة والنابعة من دراسة جدية لأولويات عدد من القطاعات الاقتصادية المهمة، إذ شارك في المؤتمر نحو 170 شخصاً يمثلون القطاعات العلمية من داخل العراق وخارجه وكذلك من عدد من الأقطار العربية والأجنبية. واللافت أن عمل المؤتمر ومناقشاته قد جاءت تتويجاً لسلسلة من الجهود والمساهمات العلمية لأكثر من 115 باحثاً علمياً، والتي أثمرت باقتراح 30 مشروعاً. وهي تغطي خمسة قطاعات أساسية على النحو التالي: أربعة مشاريع في الزراعة، وعشرة في الصحة، وأربعة للبيئة، وستة لقطاع المياه، وستة لعلوم المواد. وتبلغ الكلفة المقدرة لهذه المشاريع نحو 18 مليون دولار. ومع أن هذا الرقم يبدو متواضعاً بمقياس الحاجات الراهنة، وبالقياس إلى الأرقام الفلكية للتعهدات الخارجية وغير المنفذة، إلا أن قيمتها الحقيقية هي أكبر بكثير من ذلك، كونها تمثل جهداً مشتركاً وطوعياً لأهل العلم في العراق لإنهاض بلدهم. كما أن هذا الجهد يؤسس لإطار جديد من العمل المشترك والرفيع المستوى على صعيد مراكز الأبحاث والعلماء. وقد يشمل مشاركات واعدة من مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني. إن اتجاهات المناقشة والتوصيات المتخذة من جانب المؤتمر عكست التزاماً ثابتاً للمشاركين فيه وللهيئات الدولية والعربية نحو متابعة الجهود وفق خطة عملية لإعادة إعمار العراق. فإلى جانب اليونسكو والألسكو، شاركت هيئات أمريكية مهمة كمنظمة سانديا للمختبرات العلمية، والأمم المتحدة ووكالات أخرى. والواقع أن الاهتمام بتوصيات المؤتمر ومتابعة تنفيذها مسألة مهمة للغاية، حيث من شأنها أن تحافظ على وتطور الزخم الإيجابي الذي أحدثته هذه المبادرة المستقلة ورعاية الروح التطوعية السخية التي ميزتها، وهذا ما انعكس في التوصل إلى تصريح مشترك بين المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا والمركز العراقي للتنمية والحوار الدولي لخلق شراكة تهدف لوضع خطة طويلة الأمد للتعاون بينهما ولتحريك وإسناد فعاليات العلم والتكنولوجيا العراقية لتسهم في إعادة بناء وتنمية العراق. لا شك أن هذا النوع من المبادرات سيفتح المجال لمشاركات جديدة على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي وبأشكال غير تقليدية وغير رسمية لإنقاذ العراق وإنهاضه من كبوته. فما أحوجنا للإفادة التامة من دروس هذه المبادرة ودلالاتها. رئيس المركز العراقي للتنمية والحوار الدولي، وزير التخطيط والتعاون الإنمائي سابقاًً.