في ظل تجاهل إعلامي لافت، قدمت الفرق المسرحية المستقلة في مصر مهرجانها الثامن الذي جاء ليؤكد حضور الفرق الحرة، على رغم محاولات تهميشها. والأهم أن العروض المسرحية على مسرح الهناجر وفي ساحة الأوبرا المصرية قدمت صيغة مسرحية جديدة عبرت عن نفسها فى أكثر العروض. ويمكن تمييز هذه الصيغة في مجموعة من التقنيات أبرزها تقنية الحكي أو السرد. ففي عرض"حالة طوارئ"الذي قدمته فرقة"أتيليه المسرح"تحكي ثلاث شخصيات جزءاً من تجربتها الشخصية مع أشكال مختلفة من قهر السلطة اكتست بالجدة والخيال والإبداع، على رغم أنها - بحسب تأكيد الدراماتورغ رشا عبدالمنعم والمخرج محمد عبدالخالق- حكايات الممثلين الذاتية. وفى عرض"حكاية بنت بنوت"ل"فرقة الغجر"، يعتمد أداء الشخصية الرئيسة على حكايات تحكيها لبرنامج إذاعي أو ذكريات تستدعيها الشخصية إلى الخشبة من وجهة نظرها وقد انشغل المسرح بهذه الحكايات في نصف المسرحية الأول. وكان الحكي والسرد هما ما ميز تجربة الكتابة السابقة لرشا عبدالمنعم في حكايات الحرملك، ما يعطي الأمل في مشاهدة قريبة لملامح صيغة مسرحية تعتمد على السرد والحكي، متجاوزة أخطاء تجارب الحكواتي والاحتفالية. أما التقنية الثانية اللافتة فهي"النمر المسرحية"التي قدمت بمفهوم أقرب إلى النمر الشعبية: ففي كثير من العروض استعراض مهارات للممثل أو المخرج قد تجد لها علاقة ما بالموضوع بعد أن تجهد نفسك اذا كنت ممن يصرون على ارتباط كل شيء بموضوع ما أو بمقولة ما تتمحور حولها المسرحية. ولكن هذه الصيغة المسرحية الجديدة التى نحاول أن نؤطرها لنفيد منها جميعاً، لا تعترف بال"مغزى"الواضح المنتج سلفاً وإنما هي تقدم شكلاً يوازي عالم الفوضى والضياع الذي يعيشه هذا الجيل، والذي يحاول الفنانون منه الإمساك بهذا العالم لا لفهمه ولكن لقتله! ويمكن تلخيص هذه النمر في فن السخرية: مسخرة الواقع والشخصيات الرسمية ونماذج الاعلام المطروحة فى مسرحية"انا دلوقت ميت"فرقة الساعة. ولذا أحيط عالم الشخصيات والممثلين بكل أنواع الميديا. السخرية من كل شيء هي طابع"النمر المسرحية"المقدمة في هذه العروض الى حد السخرية من الأجواء التي أحاطت بالتفاعلات السياسية والاجتماعية في مصر في أعقاب تعديلات المادة 76 من الدستور المصري كما في مسرحية"76". ويلفت كذلك تعاطي هذه الفرق الذكي مع الجمهور. فمعظمها لا يقدم نهاية واضحة في العروض، إذ إن بعضها يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية. وفي السياق نفسه يمكن الاشارة الى الرهان على ما تتيحه تقنية الارتجال. ففي عرض"حالة طوارئ"قدر ما من الارتجال أكثر من بقية العروض ولكنه لم يتطور في شكل ملحوظ ربما لعدم التدريب عليه جيداً نقص التدريب سلبية عامة في غالبية العروض... صيغة جديدة تتولد وتقوم على المزج بين المزاج المصري الشعبي والمفاهيم المعاصرة عن"العرض"الذي لا يعتمد على الدراما بالضرورة. كما أنها تفيد ولو في شكل غير واع من عروض ومفاهيم ما بعد الحداثة التي لا تهتم بالنقطة الغائية للعرض. كما تعطي الجمهور حضوراً أقوى وتعطي التقنية المسرحية فرصة التعبير عن نفسها دونما أن تكون مرتبطة بدراما ما أو هدف محدد. ويحدث هذا كله بينما يتم الإعلاء من قيمة اللامنطق على حساب المنطق الزائف في العروض الحداثية، ويتكثف هذا الاحساس من خلال نبذ الادعاء بأن الفن سيغير العالم لأن الحقيقة ان الفن لم يغير الواقع بالقدر الذى ادعاه اصحاب الحداثة. ومن ثم يصبح الفن مساحة من اللعب الحر التي قد يكون المتلقي في حاجة اليها، وخلق مساحة للتفاعل معه عبر الإعلاء من قيمة الثقافة الشعبية التى أهملتها الحداثة ووضعتها فى مرتبة أدنى.