حزب الله، حزب لبناني نشأ على العمل المقاوم، واستأثر بالجزء الأكبر من النضال العسكري ضدّ الإحتلال الصهيوني لجنوب لبنان حيث كان له الفضل الأكبر في دحر العدوّ من الجنوب. قدّم الكثير من الخدمات الإجتماعيّة والإنسانيّة والتنمويّة والثقافيّة والتعليميّة والتربويّة عبر المؤسّسات المدنيّة التابعة له، على الأخصّ في منطقة الجنوب التي عانت الكثير، ودخل بنجاح المعترك الإعلامي ليدخل بعدها المعترك السياسي كواحد من أكثر الأحزاب تنظيماً وانضباطاً وأفضلها هيكليّة. وعلى رغم النجاح الباهر الذي حقّقه حزب الله في لبنان، إلاّ أنّه لا يحقّ له وضع وتحديد أطر أو خطوط حمر للنهج السياسي في لبنان، مهما بلغت قناعته بصوابيّة وبسلامة تلك الخطوط الحمر، أكان ذلك يتعلّق بلبنانيّة مزارع شبعا أم بالقرار 1559، أم بسلاح المقاومة ما بعد التحرير وعودة المعتقلين، أم بوضع المخيّمات وخطر توطين الفلسطينيّين، أم بالعلاقة السوريّة - اللبنانيّة، أم بالعلاقات الأميركيّة - اللبنانيّة، أم بترسيم الحدود، أم بالتوقيت المناسب لمشروع ما، أم بأيّ أمر آخر، فحزب الله هو في النهاية حزب لبناني له قاعدة شعبيّة وله تمثيل سياسي يستطيع من خلاله طرح رؤياه والعمل على تحقيقها ضمن اللعبة الديموقراطيّة وفقط ضمن اللعبة الديموقراطيّة، ولكن يجب ألا يكون هناك إلزام لأحد أبداً بتبنّي تلك الرؤيا خارج إطار القناعة الذاتيّة الصادقة، أي أنّه لا يتوجّب على أحد تقديم أيّ تبريرات لحزب الله في شأن مواقف معيّنة له كان الحزب قد شكّك فيها أو أن يحاول من دون قناعة إيجاد وفبركة تفسير لتلك الموقف بما يرضي الحزب، كما أنّه ليس منطقيّاً ولا مقبولاً أن يشعر بالذّنب كلّ من اتّخذ مواقف معارضة لطروحات حزب الله حتّى ليشعر وكأنّه ارتكب إثماً يتوجّب عليه الرجوع عنه وطلب المغفرة. ليس خائناً كلّ من طلب ترسيم الحدود اللبنانية - السوريّة وبالتحديد للمنطقة المحيطة بمزارع شبعا. ليس عميلاً كلّ من فضّل النضال السياسي على النضال العسكري في الصراع مع إسرائيل. ليس متصهيناً كلّ من رأى أن القرار 1559 هو مطابق لمقرّرات مؤتمر الطائف. ليس"متآمر توطين"كلّ من طرح موضوع السلاح في المخيّمات الفلسطينيّة. وليس إمبرياليّاً كلّ من سعى وراء علاقات أفضل مع أميركا. يحقّ لحزب الله أن يسوّق رؤياه شعبيّاً وسياسيّاً كيفما يشاء ضمن أصول الممارسات السياسيّة الديموقراطيّة، كما يحقّ للآخرين أحزاباً وأفراداً أن يطرحوا رؤياهم، حتّى وإن كانت مغايرة تماماً لرؤيا حزب الله، شريطة أن يكون الأداء العام ضمن المسلّمات التي أرست دعائم السلم الأهلي وهي: الولاء للوطن، ومصلحة الوطن فوق مصلحة الجميع، والسير نحو التحرير والسيادة والاستقلال والعروبة واللاطائفيّة، ومنع التوطين واعتبار إسرائيل كما منذ نشأتها عدوّاً إلى أن تستعاد الأراضي المغتصبة ويعود اللاجئون الفلسطينيّون إلى وطنهم فلسطين الحرّة المستقلّة، فحزب الله ليس المرجعيّة في تحديد المسلّمات، بل أحد المرجعيّات في تقديم رؤيا وطروحات عن مناهج قد تساهم في تحقيق المسلّمات بأسلوب مناسب. إذن الحوار والنقاش والمفاوضات الديموقراطيّة والتحالفات السياسيّة واللجوء إلى مجلس النوّاب والإنتخابات النيابيّة وغيرها من الممارسات المشروعة اللاطائفيّة والعقلانيّة، هي العوامل التي يفترض أن تكون محور آليّة العمل السياسي، لأنّ هذا من شأنه أن يعزّز الوحدة الوطنيّة ويرفع درجة ثقة المواطن اللبناني بوطنه وبمؤسّسات بلاده، فالوحدة الوطنيّة والتماسك الشعبي"الواقعي"وليس"الإفتراضي"هما سلاح لبنان الأساسي في مواجهة أيّة تحدّيات مهما بلغت درجة خطورتها، وبالتأكيد لن تكون هناك قيمة لا لسلاح المقاومة ولا لمشروع دحر مؤامرة ما ولا لمخطّط دفاعي وقائي ولا لرفض التوطين ولا لبناء علاقات سوريّة - لبنانيّة مميّزة ولا لأيّ عمل سياسي أو عسكري على مستوى الوطن، إذا لم يتمّ ذلك تحت مظلّة الوحدة الوطنيّة. أيمن شحادة - بريد إلكتروني