أخيراً، أصابت الرمال المتحركة الحياة السياسية الاسرائيلية، ودفعت ارييل شارون نحو احداث"تسونامي"جديد، كما فعل من قبله ديفيد بن غوريون عندما ترك حزبه الأم"مباي"واتجه الى تأسيس حزب"الماباي". ويعتبر انسحاب شارون من حزب الليكود اليميني الصهيوني، وتأسيسه"حزب المسؤولية الوطنية"ومعه كتلة مؤثرة من ثلث أعضاء الليكود في الكنيست، بمثابة بداية النهاية لسقوط الحزب اليميني العلماني الأعرق في حياة الدولة العبرية، وتشظيه الى قوى يمينية علمانية وتوراتية هنا وهناك، بعدما عاث تخريباً سياسياً وسلوكاً دموياً في المنطقة منذ وصوله الى موقع القرار للمرة الأولى في تاريخ اسرائيل بقيادة مناحيم بيغن عام 1977 تحت اسم حزب"حيروت"الحرية. كما ان الانسحاب في اللحظة الراهنة يأتي محصلة منطقية لحال الحزب مع النيران التي بدأت تستعر داخله على خلفية التباين في شأن القضايا ذات المضمون النفعي وصراعات مراكز القوى والنفوذ والامتدادات الخارجية مع لوبي "ايباك"الصهيوني، ويتزامن مع الانتهاء الموقت للوظيفة التصعيدية التي برز فيها الحزب بقيادة شارون في مرحلة تطلبت ذلك من الوجهة الأميركية. ففي عهد شارون فقدت عملية التسوية لتوازنها، وترنحت مع الفلسطينيين بين الموت والانعاش المصطنع، وشهدت تطوراتها الدراماتيكية منذ دخول الأخير باحة المسجد الأقصى، الى اجتياحات السور الواقي، والافراط في عمليات الاغتيال التي طالت كوادر وقادة الشعب الفلسطيني السياسيين والعسكريين على حد سواء، وصولاً الى المآل الراهن، وسيطرة الجمود المطبق على مسار المفاوضات مع الطرف السوري. وعلى رغم أن منطق الأحداث في المنطقة وتطور منحاها العام في العراق، والهجمة الكبيرة على لبنان وسورية، خدم سياسات شارون الدموية ووفر له شكلاً من الغطاء الأميركي، الا ان الذهنية السياسية الاسرائيلية المناورة، المتلحفة بخطاب السلام، تراجعت في أدائها مع شارون، وحلت مكانها فجاجة سياسية أفرزت في المقابل عتاة التطرف على جانب القطب الآخر من الليكود وفي مقدمهم عوزي لانداو وبنيامين نتنياهو. ومع هذا، فالصفة اليمينية العلمانية لأحزاب اليمين العقائدي الصهيوني، ستبقى في يد الليكود وماركة مسجلة باسمه في مقابل الاحزاب اليمينية التوراتية وتيارات اليسار الصهيوني. وعليه ليس مستبعداً أن تقدم، ولو بعد حين، مجموعات اليمين العلماني المتناثرة لتشكيل حزب واحد كبير تمهيداً لانتخابات الكنيست السابعة عشرة، الأمر الذي يؤهلها للفوز بمقاعد مؤثرة لجهة العدد، وتالياً في صوغ القرار السياسي الاسرائيلي. أما شارون في ردائه الجديد وحزبه العتيد فلن يكون أيضاً سوى ماركة مسجلة أيضاً باسم الليكود، لأن الديناصور لن يصبح حمامة أو دجاجة تبيض سلاماً وأمناً. كاتب فلسطيني.پ