قد لا يبدو غريباً تصاعد التوتر في العلاقات الايرانية - الغربية، خصوصاً الأميركية، الذي شهد ذروته في الأشهر الماضية على خلفية الملف النووي الايراني. فالتوتر في العلاقات سابق على هذا التاريخ بسنوات، ويعود الى قيام الجمهورية الاسلامية في 1979. وحافظت هذه العلاقات على وتيرة واحدة تقريباً من التوتر على رغم بعض الصعود والهبوط فيها تبعاً للمحطات التي وجد الطرفان نفسيهما في خضمها إما تقارباً أو تباعداً، كما في الحرب الايرانية - العراقية 1980 - 1988 وحرب تحرير الكويت 1991 وحرب افغانستان 2001 وغزو العراق 2003. وعلى رغم ان التوتر في العلاقات بين ايرانوالولاياتالمتحدة تصاعد كثيراً منذ نهاية العام الماضي على خلفية الملف النووي الايراني، الا انه وصل الى ذروته اثر انتخاب محمود احمدي نجاد رئيساً. واللافت في هذه العلاقة المتوترة إعلان طهران استعدادها للتحاور مع الولاياتالمتحدة حول كل الملفات العالقة بينهما"على قاعدة الاحترام المتبادل"، واشارتها الى وجود فرص كبيرة للاتفاق مع الولاياتالمتحدة"نظراً الى وجود مصالح مشتركة بين الطرفين في عدة مواضيع، كالعراق وأفغانستان"كما أبلغ"الحياة"مصدر ايراني رفيع، داعياً واشنطن الى"استغلال هذه الفرصة السانحة التي قد لا تتكرر". وقال المصدر ل"الحياة"ان أسباب الخلاف بين البلدين" تتعدى الملف النووي الى عدم اعتراف الولايات الاعتراف بايران قوة أساسية في المنطقة ورفض طهران مجمل السياسات الأميركية". وأبدى المصدر، المطلع على مفاوضات ايران مع الوكالة الدولية والترويكا الاوروبية، استعداد طهران للتفاوض مع الولاياتالمتحدة على كل المسائل العالقة"ما عدا حق ايران في الحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية". وانتقد تصريحات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي بأن صبر المجتمع الدولي"بدأ ينفد"، لافتاً الى"عدم وجود أرضية قانونية لاحالة الملف النووي الايراني الى مجلس الأمن". وحذر من أن"اشتداد الضغوط على ايران، كاحالة الملف النووي الى مجلس الأمن، سيغيّر كل قواعد اللعبة". وذكر بأن"ايران أكدت مراراً عدم نيتها انتاج سلاح نووي لكنها تصر على الحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية". وتساءل:"اذا كان تخصيب اليورانيوم يمكن ان يؤدي الى امكان انتاج سلاح نووي فهل تجبر ايران على التخلي عن حقها في تخصيب اليورانيوم للاستخدامات السلمية أم يتم البحث عن ضمانات، كما تسعى ايران، لعدم انتاج سلاح نووي؟". وتابع:"يبدو واضحاً ان الحديث عن انعدام الثقة لا علاقة له بالحرص على السلم والأمن في المنطقة نتيجة الخشية من تطوير أسلحة نووية، والدليل ان المجتمع الدولي والبرادعي يصمتان عن التهديد الفعلي للأسلحة النووية التي تمتلكها اسرائيل ... أما الحديث عن قلق دولي من نيات ايران وانعدام الثقة، فلدى طهران أيضاً قلق مشروع. اذ انها لا تثق كثيراً في نيات الولاياتالمتحدة خصوصاً ان واشنطن لا تخفي رغبتها في تغيير النظام الايراني وخصصت لذلك موازنة مالية وتتعاون مع ما تسميه المعارضة الايرانية مجاهدين خلق التي اعتبرها الكونغرس الأميركي منظمة ارهابية". ولفت المصدر الى ان"بناء الثقة يجب ان يكون من الطرفين"مشيراً الى ان"ايران اتخذت ثلاث مبادرات لاثبات حسن النية وبناء الثقة، فوافقت على مراقبة نشاطاتها النووية والبروتوكول الاضافي للتفتيش المفاجئ وتعليق تخصيب اليورانيوم بشكل طوعي من طرف واحد. وهذه الخطوات لم تقابلها اوروبا أو الولاياتالمتحدة بأي خطوة مقابلة. وبدلاً من ذلك، ماطل الاتحاد الاوروبي كثيراً وانتظرت طهران طويلاً تنفيذ وعوده بتقديم صفقة متكاملة من الاتفاقات في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، لكن النتائج جاءت هزيلة ومخيبة". وأضاف:"الآن جاء دور اوروبا والولاياتالمتحدة لتقديم مبادرات حسن نية". وحذر من ان"طهران لن تنتظر طويلاً والى ما لا نهاية"، مشيراً الى ان"ايران باتت الآن في موقع أقوى داخلياً واقليمياً، فيما يزداد موقع الولاياتالمتحدة ضعفاً يوماً بعد يوم". ولفت الى"عدم وجود أي أسباب موضوعية لدى الاوروبيين والأميركيين لتحويل الملف النووي الايراني الى مجلس الأمن اذ ان طهران بعزمها على تخصيب اليورانيوم لانتاج تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية لم تخالف قوانين الوكالة الدولية، كما أعربت عن استعدادها لتقديم كل الضمانات التي تطلبها الوكالة". ونفى المصدر وجود"قلق"لدى طهران من احالة ملفها الى مجلس الأمن، لكنه أقر بأن بلاده"ستواجه صعوبات"مشيراً الى ان"تخلي أي دولة عن حقوقها بمجرد ان تواجه صعوبات، مهما كانت كبيرة، يؤدي الى استضعافها وابتزازها باستمرار". وحذر من أن"اشتداد الضغوط على ايران، كاحالة الملف النووي الى مجلس الأمن، سيغيّر قواعد اللعبة". ولفت الى ان"العقوبات أو التهديد بها لن يجدي نفعاً. فلدينا خبرة طويلة في مواجهة العقوبات والكثير منها ما زال مفروضاً على ايران منذ أكثر من 25 سنة ... أما التهديد بهجوم عسكري، أميركي أو اسرائيلي، فيعني الغاء كل الخطوط الحمر. صحيح انه يمكن للولايات المتحدة أو اسرائيل بدء الهجوم لكنهما لن تستطيعا التحكم بالحرب ومداها أو وقفها أو التكهن بنتائجها". واعتبر ان"الموافقة على الشروط الأميركية في الملف النووي سيعطي اشارة الى واشنطن بأن الضغوط التي تمارسها تعطي نتائجها، فتلجأ الى رفع سلسلة من المطالب لن تنتهي، بدءاً من موقفنا من العملية السلمية والقضية الفلسطينية والملف العراقي وحقوق الانسان وغيرها". ولفت الى ان بريطانيا تلعب"دوراً متقدماً"في التحريض ضد ايران، مشيراً الى لندن اتهمت طهران ضمناً بدعم الهجمات ضد قواتها في جنوبالعراق وزعمت ان احد التفجيرات ضد القوات البريطانية في البصرة يحمل بصمات مشابهة لتلك التي كان يستخدمها"حزب الله"في جنوبلبنان ضد القوات الاسرائيلية، واعتبر ان"هذا الزعم، الذي تزامن مع اعتقال القوات العراقية بريطانيين في البصرة بصورة مشبوهة، يعني أحد أمرين: إما ان البريطانيين كانوا يتبادلون مع الاسرائيليين المعلومات الأمنية في جنوبلبنان أو أن هناك وجوداً اسرائيلياً في جنوبالعراق". وخلص الى القول ان"تلك المزاعم كانت محاولة فاشلة لممارسة ضغوط على طهران في مفاوضات فيينا". الى ذلك، أوضح المصدر خلفية قرار واشنطن الاتصال المباشر عبر سفيرها في بغداد زلماي خليل زاد مع مسؤولين ايرانيين في شأن الملف العراقي قائلاً ان"هذا الطلب يثبت حدة المأزق الذي وقعت فيه الولاياتالمتحدة من جهة، وادراكها قدرة طهران ودورها ونفوذها ليس فقط في العراق بل في عموم المنطقة، بعدما أصبحت لاعباً أساسياً في المعادلات الاقليمية، فبادرت الى طلب العون من ايران". وعزا رفض ايران التعاون مع الولاياتالمتحدة في قضية العراق الى ان"الأزمة في العراق أميركية، ولسنا معنيين بمساعدة واشنطن على الخروج منها. فنحن لنا قضايا ومشاكل مختلفة ونريد معالجتها. وواشنطن تهدف من وراء هذه الدعوة الى اصابة عدة عصافير بحجر واحد، فهي تريد الخروج من الأزمة العراقية التي تتعمق يومياً أو التخفيف من خسائر قواتها عن طريق تحييد المجموعات العراقية المسلحة. وتعتقد بأن هذا التحييد لا يمكن ان يتم إلا برضا الأطراف الشيعية الرئيسة في العراق التي تحتفظ طهران بعلاقات وثيقة معها". وأضاف ان"واشنطن تسعى من جهة ثانية الى الايحاء للسنة بأنها تعمل على حماية مصالحهم في وجه الشيعة، وتأتي في هذا الاطار الاشارات المتوالية عن ضرورة مشاركة كل أطياف الشعب العراقي في العملية السياسية وعدم اقصاء أي طرف وضرورة مشاركة كل الأطراف في الحكومة المقبلة وصولاً الى تنديد الرئيس جورج بوش بتعذيب المعتقلين السنة في السجون العراقية". وأضاف"اذا كانت الولاياتالمتحدة تعتقد ان لها مصالح في العراق فنحن نعتقد ان لنا مصالح في هذا البلد، ويمكن ان تكون لنا مصالح مشتركة، كالحرص على استقرار العراق ودعمنا العملية السياسية فيه. إلا اننا لن ندعم الاحتلال أو نسعى الى تخفيف خسائره، بل على العكس نرى ضرورة ان يدفع الاحتلال ثمناً باهظاً كي لا تكرر واشنطن مثل هذه المغامرة". لكنه أكد ان ايران"مستعدة للتفاوض مع الغرب، خصوصاً الولاياتالمتحدة في شأن كل الملفات العالقة على قاعدة احترام استقلال ايران وعدم التدخل في شؤوننا الداخلية"، مشيراً الى"وجود مصالح مشتركة بين ايرانوالولاياتالمتحدة في مواضيع عدة، كالعراق وأفغانستان"لافتاً الى وجود"فرصة كبيرة لدى ايران لاتخاذ قرارات وخطوات كبرى نظراً الى تجانس كل أعمدة النظام محافظون"، ودعا واشنطن الى"استغلال هذه الفرصة السانحة التي قد لا تتكرر". ولفت المصدر الى ان"الولاياتالمتحدة ساهمت كثيراً في صعود المحافظين البرلمان والمحافظين الجدد الرئيس محمود احمدي نجاد الى السلطة بسياساتها المتعنتة، بعدما ضيّعت 8 سنوات من حكم الرئيس المعتدل الاصلاحي محمد خاتمي، لم تقدم خلالها أي مبادرة ايجابية تجاه طهران. والأمل ان تكون واشنطن استفادت من هذه التجربة وتترجم ذلك عملياً"وحذر في الوقت نفسه من ان"مواصلة الضغوط وصولاً الى فرض عقوبات سيعطي نتائج عكسية تماماً: فهي وإن كانت ستسبب صعوبات لايران، لكنها لن تفيد الولاياتالمتحدة بشيء بل ستعزز العقوبات دور المتشددين في النظام الايراني الذين سيصورون الصراع على انه صراع بين الاسلام والغرب، خصوصاً ان هناك في ايران من يقول بعدم الحاجة الى علاقات مع الغرب و يدعو الى اقامة خلافة اسلامية ...الخ". هل يشهد العام المقبل نتائج هذا التصعيد في العلاقات الأميركية ? الايرانية بانفجارات كبرى أم سيشهد بداية انحسار التوتر وصولاً الى اتفاقات؟ يجيب المصدر :"الاحتمالات هي خمسون الى خمسين في المئة. فالطرفان ايرانوالولاياتالمتحدة متعادلان حتى الآن"