واجهت منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك، ومنذ تأسيسها قبل 45 عاما، عدداً من التحديات الداخلية والخارجية. إلاّ أنها تخطت كل هذه العوائق التي أخذت شكل نزاعات مادية وتطورات جيوسياسية. وكان هناك تحول تدريجي للنمو الإقتصادي من الغرب إلى الشرق. وحتى الخلافات بين الدول الأعضاء لم تحِلْ دون تحقيق الأهداف التي وضعتها عند تأسيسها. ولم تتمكن المنظمة من البقاء في الساحة فقط بل ساهمت أيضاً في تطوير الاقتصاد العالمي من خلال العمل على استقرار أسعار النفط. وعلى رغم حدوث تحولات كبيرة في العالم، إلا أن الأهداف الرئيسة لأوبك بقيت كما هي. فالمنظمة تواصل جهودها في تأمين إمدادات النفط إلى الدول المستهلكة بطريقة فعالة ومستمرة وبأسعار منصفة، كما تضمن مستوى معقولاً من الإيرادات على رأس المال للمستثمرين في دولهم. تأسيس المنظمة في 1960 وقبل تأسيس منظمة أوبك، كانت الدول المنتجة للنفط تعتمد على شركات النفط الكبرى أو الأخوات السبع كما كانت معروفة في ذلك الوقت، وعلى رغم كونها دولاً غنية بالموارد الطبيعية، إلاّ أن الدول المنتجة لم تتمكن من استخدام إيراداتها من النفط لمصلحة بلدانها، وكانوا يحصلون فقط على نصف الأسعار المعلنة و 50 في المئة من التكلفة لإنتاج النفط، والتي كانت الشركات الكبرى تحددها. وفي شباط فبراير 1959 وآب أغسطس 1960 قررت الشركات الكبرى خفض أسعارها المعلنة، ما أدى إلى هبوط إيرادات الدول المنتجة للنفط بمعدل 15 في المئة. ورداً على هذا التطور اجتمعت وفود من أربع دول في الشرق الأوسط هي ايران والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى فنزويلا في 16 أيلول سبتمبر 1960 في بغداد، وأعلنوا عن تأسيس منظمة الدول المنتجة للنفط أوبك. وكان الهدف منها المحافظة على استقرار الأسعار وضمان مصالح الدول المنتجة والمستهلكة معاً. وقد أوضحت المنظمة أنها ستعمل على توحيد السياسة النفطية للدول الأعضاء لكي تتمكن من المحافظة على مصالحها بصورة مشتركة. ومر حدث تأسيس المنظمة في حينه من دون ضجة إعلامية. ولكن سرعان ما شعر العالم بتأثيرها حيث إن المنظمة الفتية منعت حدوث تخفيضات إضافية في الأسعار المعلنة على رغم المنافسة المحتدمة والتي كانت تزداد ضراوة يوماً بعد يوم. وفي عام 1970 تقلص حجم كمية النفط الخام التي تتحكم بها الشركات السبع إلى 45 في المئة فقط، بينما كانت 85 في المئة عام 1950. ويذكر أن من دون جهود أوبك، لشهدت الأسعار مزيداً من الهبوط حيث كانت روسيا تحاول تعزيز إمداداتها بتقديم حسومات كبيرة. ونظراً للظروف المحيطة بها، بدأت المنظمة في البحث عن إمكانية توسيع عضويتها، فالتحقت بها دولة قطر في عام 1961، بينما التحقت ليبيا وإندونيسيا في عام 1962، وبعد خمس سنوات فقط انضمت إليها دولة الإمارات العربية المتحدة ثم الجزائر في عام 1969 ونيجيريا عام 1971 والأكوادور في عام 1973 والغابون في عام 1975. ولكن انسحبت الأكوادور والجابون من المنظمة في ما بعد. ونقلت أوبك مقرها الرئيسي إلى فيينا في عام 1965 وانتقلت إلى مقر سكرتاريتها الحالي خلال هذا العام. وفي بداية مشوارها كانت جهود المنظمة تصب في تحقيق إيرادات إضافية حيث كانت الشركات الكبرى تتحكم بقسم كبير من احتياطات العالم. زيادة سعر النفط وكانت إيران الدولة الأولى التي طلبت حصة أكبر من إيرادات النفط. وسرعان ما انضم إليها الآخرون بالطلب نفسه. ولتحقيق هذا الهدف قامت المنظمة بفرض نظام ضرائب موحد كأول إجراء لضمان تحقيق إيرادات كافية، علماً أن بعض الشركات الكبيرة لم تكن تدفع أي ضرائب على حقوق الإنتاج. وقد اتخذت أوبك بعض الإجراءات التي ساهمت في عرقلة توسع حصة الشركات الكبرى وذلك بفرض نظام ضرائب مشترك بين أعضائها. وبرفع حصة شركات النفط في الضرائب بشكل تدريجي تمكن أعضاء أوبك من تعزيز أسعار النفط. ولكن في الوقت نفسه بذلت أوبك بعض الجهود لمساعدة شركات النفط الكبيرة بوضع قيود على توسع السوق الحرة. ونتيجة لذلك تمكنت هذه الشركات من منع الشركات الجديدة من أن تصبح شركات قوية ذات نفوذ مؤثر. وعلى رغم وجود خلافات في المصالح بين أوبك وشركات النفط خلال العقد الأول من عمر المنظمة، إلاّ أن العلاقات أصبحت عادية في السنوات الأخيرة حيث اعترفت شركات النفط بالحقوق المشروعة والسيادة للدول المنتجة على ثرواتها الطبيعية، وأصبحت أوبك وبطريقة تدريجية شريكاً معتمداً لشركات النفط في تحديد الأسعار. وفي عام 1970 تم توقيع اتفاق طهران حيث اتخذت أوبك وشركات النفط قراراً مشتركاً برفع الأسعار بمعدل 35 سنتاً وزيادة نسبة الضرائب من 50 في المئة إلى 55 في المئة. وفي عامي 1972 و1973 وُقّع اتفاقان لتعديل أسعار النفط بسبب ضعف الدولار. الدولار والنفط يشكل تقلب صرف العملات مصدر قلق دائم لأوبك ليس الآن فحسب، بل حتى في الماضي. وقد أدى توقيع اتفاقي جنيف - 1 وجنيف -2 إلى وضع الأسس لقاعدة أوبك لتعديل الأسعار مقابل تقلب لأسعار صرف الدولار. وتم اختيار بعض العملات لضبط حركة الدولار وهذه العملات هي الجنيه الإسترليني والفرنك الفرنسي والسويسري والبلجيكي والمارك الألماني والليرة الإيطالية والين الياباني. ولكن لم يكن تقلب صرف العملات المصدر الوحيد للاهتمام من قبل أوبك حاذ كانت دولتان عربيتان هما مصر وسورية على حرب مع إسرائيل اضافة الى ان أوبك كانت تبذل قصارى جهدها في محاولة لإقناع شركات النفط برفع الأسعار بسبب أوضاع السوق السائدة في ذلك الوقت. ولكن الشركات رفضت أي دعم للأسعار. وفي تشرين الأول أكتوبر 1973 قررت أوبك رفع الأسعار إلى 5.40 دولار للبرميل حيث إن حكومات الولاياتالمتحدة وهولندا قررتا الوقوف إلى جانب إسرائيل. وكان هناك شعور سائد في العالم العربي بأن استخدام النفط كسلاح سياسي سيجبر هذه الدول على تغيير مواقفها المنحازة. وعليه فإن الدول العربية المنتجة للنفط فرضت حظراً على هذه الدول وأوقفت إنتاج النفط، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار. كما أن بعض الدول الأعضاء في أوبك كانت تؤمن بقوة بضرورة رفع أسعار النفط التي يعتبرها البعض سلعة أساسية Noble Commodity يجب استخدامها بكل حذر وروية وذلك للمحافظة عليها ومنع نفادها بسرعة. وعلى رغم أن الأسعار كانت مرتفعة أصلاً بسبب الحظر المفروض، إلاّ أن إيران نجحت في إقناع الدول المنتجة بزيادة الأسعار إلى 10.84 دولار للبرميل، بدلاً من 5.40 دولار. وأصبحت هذه الخطوة بمثابة صدمة للعالم، وكان رد فعل الدول المستهلكة أن قلصت من احتياجاتها النفطية من طريق إصدار قوانين ومبادرات سياسية تدعو إلى تبني أساليب فعالة لحسن استغلال النفط والبحث عن أنواع أخرى من الطاقة البديلة. كما قامت الدول المستهلكة بالحد من سرعة السيارات وجعلت المنتجات البترولية غالية الثمن بسبب ارتفاع الضريبة عليها. وكان الطلب على النفط يزداد بشكلٍ موازٍ للنمو الاقتصادي العالمي قبل هذه الفترة، ولكن هنا أصبح معدل استهلاك النفط لا يتماشى مع نمو إجمالي الإنتاج القومي للمرة الأولى في تاريخه. وبينما كان العالم يتعافى من هذه الصدمة، جاءت الضربة الثانية وهي الثورة في إيران عام 1979 حيث إن الإضراب عن العمل في إيران أدى إلى وقف إنتاج النفط بمعدل 4 ملايين برميل يومياً، وارتفعت الأسعار إلى مستويات لم يشهدها العالم من قبل. وبما أن غالبية الدول الأعضاء في أوبك كانت تطالب برفع الأسعار، إلاّ أن دولاً أخرى مثل المملكة العربية السعودية كانت ضد أي زيادة للأسعار لأنها كانت قلقة من تأثيرها على الطلب. وفي نهاية المطاف أوجد نظام ثنائي الطبقات للتسعير مما أدى إلى تهدئة السوق إلى حد ما. نظام الحصص وبدأت أوبك تدير إنتاجها النفطي باستخدام الإدارة الدقيقة micromanaging للعمل على استقرار الأسعار، وذلك من طريق فرض نظام الحصص. ومن ثم أصبحت المنظمة مورداً ثانوياً على الرغم من إمكان بعض الدول الأعضاء من لعب دور المنتج المتحرك swing producer أو المستقل. وهذا يعني أن حصص المنظمة أصبحت معتمدة على الطلب الإجمالي وإنتاج الدول المنتجة خارج أوبك. وتبنت المنظمة نظام الحصص عام 1983 الذي ما زال سارياً حتى اليوم. وقد تم اختيار الخام العربي الخفيف Arab Light في بداية الأمر لمتابعة أسعار النفط، ولكن اعتمدت في ما بعد سلة خامات أعضاء المنظمة ومنتجين آخرين. وكانت المملكة العربية السعودية أكثر الدول تضرراً من تأثير تضاؤل الطلب العالمي للنفط والزيادة المستمرة لإنتاج الدول غير المنتمية لأوبك. وعلى سبيل المثال فإن إنتاج المملكة خفض إلى 2.5 مليون برميل في اليوم في عام 1985 ما شكل ربع قدرتها الإنتاجية. وواجهت أوبك عدداً من التحديات في هذا الوقت، اذ إن نظام الحصص أحدث هبوطاً حاداً لحصتها في السوق خصوصاً أن الإنتاج النفطي من بحر الشمال شهد ارتفاعاً حاداً. إضافة إلى ذلك، كانت هناك حادثتان مفاجئتان شجعتا الحكومات على تطبيق إجراءات خاصة لخفض زيادة الطلب. وكانت إحدى هذه الإجراءات التي أصبحت تتمتع بشعبية كبيرة في أوروبا، زيادة الضرائب على المنتجات النفطية. وفي الوقت نفسه تم إدخال مواصفات جديدة للوقود، ما جعل المنتجات النفطية باهظة الثمن حيث اضطرت مصانع التكرير إلى استثمار بلايين الدولارات لتحديث منشآتها. وقد أدى هذا الوضع إلى زيادة وتيرة تقلب الأسعار. وقد ألقت بعض الدول المستهلكة مسؤولية ارتفاع الأسعار على أوبك على رغم أنه كان من البديهي أن يوجه اللوم إلى الأسباب المذكورة. ولكن بينما تبنت بعض الدول الصناعية في آسيا وغالبية الدول في أوروبا معاهدة كيوتو، رفضت الولاياتالمتحدة توقيعها كما بقيت الضرائب على الطاقة خفيضة فيها. وعليه فإن زيادة الطلب على النفط بقيت قوية هناك حتى بعد هاتين المفاجأتين. الأزمة الآسيوية وانهيار الأسعار لكن الأسعار لم تبق مرتفعة المدة الكافية التي تسمح بتشجيع الاستثمار في قطاع الاستكشاف والإنتاج، حيث انه إثر الأزمة الاقتصادية في آسيا في عام 1997 بدأت الأسعار تتهاوى في شكل حاد، وخفضت سلة خامات أوبك إلى 9.50 دولار للبرميل في كانون الأول ديسمبر 1998. وقد تنبأ بعض المحللين أن يصل سعر نفط برنت لبحر الشمال إلى أقل من 5 دولارات للبرميل. وفي النهاية اتفقت دول أوبك مع بعض الدول المنتجة الأخرى على تعديل الإنتاج بهدف إعادة التوازن الى السوق. وبعد سحب 5 ملايين برميل من الخام يومياً تحسن سعر سلة أوبك وصعد إلى مستوى يقارب 25 دولاراً للبرميل في نهاية 1999، وقامت المنظمة برفع الإنتاج في آذار مارس 2000 بناءً على التزاماتها الرامية إلى المحافظة على استقرار السوق. وتبنت في الوقت نفسه أي في آذار 2000 نطاقاً للأسعار يتراوح بين 22 و28 دولاراً للبرميل، وذلك لتفادي حدوث تقلبات حادة في الأسعار. كما قررت خفض الإنتاج بمعدل 500000 برميل في اليوم إذا بقيت الأسعار تحت النطاق المتفق عليه لأكثر من 10 أيام متتالية. وفي إجراء مواز لذلك قررت أن تقوم برفع الإنتاج بالكمية نفسها إذا بقيت الأسعار فوق النطاق المتفق عليه بما يزيد على 20 يوماً متتاليةً. عمل هذا النظام بشكل جيد حيث إنه خلال السنوات الثلاث التي نفذت فيها هذه الاجراءات 2001-2003 كان معدل أسعار خامات أوبك قد وصل الى 25.20 دولار للبرميل، أي ما يقارب معدل نطاق السعر المتفق عليه. ولكن بعد ارتفاع الطلب العالمي على النفط الذي بدأ في النصف الثاني من عام 2003، اضطرت المنظمة الى إيقاف العمل في نظام الأسعار في مطلع عام 2005. زيادة الطلب العالمي فوجئ جميع المحللبن بالزيادة الكبيرة على طلب النفط في آسيا في عام 2004. وقامت أوبك برفع إنتاجها من 27 مليون برميل في اليوم إلى 30 مليوناً عام 2004. ولكن سرعان ما اتضحت الصورة في أن السبب الرئيس لارتفاع الأسعار كان نتيجة لتدني القدرة الإنتاجية لمصانع التكرير، وأن إمكانية أوبك لا يمكن أن تتعدى إمداد العالم بالنفط الخام. وعليه فإنه لا يمكن تلبية طلب العالم من النفط من دون وجود طاقة تكريرية كافية. وأصبحت هذه الحقيقة جلية حينما ضربت الأعاصير سواحل الولاياتالمتحدة وأوقفت إنتاج 5 ملايين برميل من النفط المكرر في اليوم. إن أوبك مستعدة أن تزود السوق بمزيد من النفط. وبما أن 3 ملايين برميل في اليوم من النفط المكرر لم تعد بعد الى السوق حتى وقت كتابة هذا المقال، فإن وجود كمية كبيرة من النفط الخام في السوق وحدها لن يحسن الوضع. إن الموقف الاستباقي والجهود المتواصلة لأوبك، كانت العوامل المحركة للمحافظة على استقرار السوق. ولكن ما زالت هناك تحديات في المستقبل وعلى المنظمة أن تحدد بوضوح مستويات الأسعار التي يمكن أن تؤثر سلباً على الطلب، حيث ان الأسعار المرتفعة قد تشجع في الإسراع بتطوير التقنيات الضرورية للحصول على طاقة بديلة. كما أن صنع سيارات تعمل ببطارية خلايا الوقود ستؤثر بطريقة سلبية على أسعار النفط. وعلى المنظمة أيضاً أن تراقب بعناية التحديات البيئية، بما في ذلك العواقب الناتجة عن تغير المناخ على إيرادات أوبك، إضافة إلى تأثير القوانين البيئية الصارمة على طلب النفط. التحديات المستقبلية ومع إمكان وصول إنتاج أوبك إلى مرحلة تتسم بالاستقرار النسبي خلال السنوات العشر أو العشرين القادمة، فإن على المنظمة أن تتحمل مزيداً من المسؤوليات وإلالتزامات حيث يجب أن تكون مسألة التخطيط وحجم الاستثمار في قطاع الاستكشاف والإنتاج في قمة أولويات المنظمة. وعلى رغم ضرورة ضمان وجود طاقة احتياط، الإّ أنه من الواجب أن تتجنب الإفراط في عملية التوسيع. ومن البديهي أنها لا تستطيع أن تحقق أهدافها بجهودها الذاتية فقط، وخصوصاً المحافظة على استقرار السوق - وهو الهدف المنشود لكل أعضاء المنظمة- بل بالتعاون مع قطاع التكرير والتسويق في الدول المستهلكة. * رئيس قسم البحوث والتحاليل التسويقية دائرة التسويق والتكرير،"أدنوك"، والمقال نشر في مجلة أخبار أدنوك.