موضوع العون الإنمائي والفقر والفقراء من المواضيع القديمة المتجددة التي ستظل تحظى بحيز مهم في مناقشات المحافل الدولية، حتى تتمكن البشرية من القضاء على الفقر في العالم. ففي بداية عام 1961 أعلنت الأممالمتحدة أن عقد الستينات هو عقد التنمية. وجاء ذلك الإعلان بالتوازي مع ما أعلنه الرئيس الأميركي جون كندي في خطاب تنصيبه:"إلى هؤلاء الناس في اكواخ وقرى نصف العالم الذين يجاهدون في كسر أطواق البؤس والفقر، نعدهم ببذل أحسن الجهود في مساعدتهم ليساعدوا أنفسهم". وفي ستينات القرن العشرين تكونت لجنة المساعدات الإنمائية التي تضم حالياً 22 دولة ثرية، في مقدمها الولاياتالمتحدة الأميركية، إضافة إلى أعضاء الاتحاد الأوروبي ال 15 قبل توسيعه، والنمسا وسويسرا وكندا واليابان وأستراليا ونيوزيلندا. وفي إيلول سبتمبر 2000 تبنت الأممالمتحدة إعلان الألفية الثالثة بشأن التنمية، والمتمثلة في ثمانية أهداف رئيسة هي: القضاء على الفقر المدقع والجوع، وتعميم التعليم الابتدائي، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتخفيض معدل وفيات الأطفال، وتحسين الصحة النفسية، ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية الايدز والسل وغيرهما من الأمراض، وضمان البيئة المستدامة، وإقامة شراكة دولية من أجل التنمية. وفي اجتماع قمة الثماني أميركا وكندا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا واليابان وروسيا في 7 تموز يوليو 2005 في مدينة جلنيجلز في إسكوتلندا، التزم المجتمعون زيادة العون الإنمائي إلى البلدان النامية في شكل عام وإلى البلدان الافريقية الأفقر خصوصاً. فوضعت كل دولة تاريخا محددا للوصول بحجم معونتها الإنمائية إلى 0.7 في المئة من دخلها القومي ومضاعفة مساعداتها إلى البلدان الإفريقية التي تلتزم تحرير الاقتصاد وتنمية القطاع الخاص وتخصيص المشاريع العامة. ونذكر في هذا السياق أن مصادر العون الإنمائي لم تقتصر على البلدان المتقدمة الثرية، بل كان وما زال لبعض البلدان العربية دور مهم وبارز في تقديم قروض ميسرة إلى بلدان عربية أخرى. ثم توسعت دائرة البلدان المستفيدة من العون العربي إلى بلدان العالم الثالث قاطبة. وكانت دولة الكويت سباقة في هذا المجال، إذ أسست الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية عام 1961 لتقديم قروض ميسرة إلى البلدان العربية الأخرى وإلى البلدان النامية بعد عام 1974، وأنشات إمارة أبو ظبي صندوق ابوظبي للتنمية في عام 1971، كما أنشات المملكة العربية السعودية صندوق التنمية السعودي عام 1974 لتقديم قروض ميسرة إلى البلدان العربية وبلدان العالم الثالث الأخرى. وإضافة إلى هذه المؤسسات المالية الإنمائية الثلاث، أنشات البلدان العربية وساهمت في مؤسسات إقليمية تقدم العون الإنمائي إلى البلدان العربية، مثل الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وصندوق النقد العربي، وصندوق أوبك للتنمية وغيرها. وخلال الفترة 1970 - 2003 بلغ المجموع التراكمي للعون الإنمائي العربي نحو 122 بليون دولار، قدمت السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة 91.5 في المئة منه والباقي قدمته العراق وقطر وليبيا والجزائر وعمان. وقدمت الدول الأعضاء في لجنة المساعدات الإنمائية بلايين الدولارات إلى البلدان النامية. ففي عام 2004 فقط بلغ صافي المساعدات الإنمائية الرسمية التي قدمتها إلى البلدان النامية نحو 78.6 بليون دولار، 24.2 في المئة منها من الولاياتالمتحدة تلتها مساعدات من اليابان بنسبة 11.3 في المئة. السؤال المطروح هو: هل أسهمت المساعدات الإنمائية في تسريع النمو الاقتصادي وتقليص الفقر؟ الاقتصادي الأميركي جفري ساكس، مدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا في نيويورك، الذي برز إسمه في دوائر ومنتديات التصحيح وإعادة الهيكلة الاقتصادية بعد نجاحاته بمساعدة بوليفيا وبولندا وروسيا في تخطي معوقات النمو خلال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، ألّف كتاباً بعنوان"نهاية الفقر: كيف نستطيع أن نحققها أثناء حياتنا"صدر منذ أشهر قليلة، وقدم للكتاب النجم الغنائي بونو. خلاصة القول هو أن هناك إمكاناً للقضاء على الفقر المدقع في العالم بحلول عام 2025، وذلك بتعاون ومساعدات من البلدان المتقدمة، وإصلاحات سياسية واقتصادية في البلدان الفقيرة تشمل في حدها الأدنى: الشفافية والحكم الصالح والمساءلة ومشاركة الفقراء في تحديد الأولويات الإنمائية التي يرغبون بها، وتقديم مساعدات تقنية وفنية وفتح الأسواق أمام صادرات البلدان الفقيرة، وإلغاء الديون الثنائية الرسمية عليها لكي تتخلص من أعبائها وتوفر الموارد لاستثمارها في التعليم والصحة. في مقابل تفاؤل جفري ساكس بإمكان القضاء على الفقر والدور المهم للعون الإنمائي في ذلك، شكك اقتصاديان من صندوق النقد الدولي راجورام راجان وأرفند سوبرامانيان في أثر العون الإنمائي على النمو في البلدان المتلقية له في ورقة عمل نشرت في شهر حزيران يونيو 2005 عنوانها:"العون والنمو: ما هي الحقيقة من تجارب البلدان المختلفة"؟ وخلاصة التحليل في الورقة هو انه لا يوجد علاقة إيجابية أو سلبية بين تدفق المساعدات إلى بلد ما ونموه الاقتصادي، كما أنه لا يوجد ما يدل على أن المساعدات تؤثر في شكل افضل في بيئات تتسم بسياسات او مناطق جغرافية أفضل، أو أن اشكالاً من المساعدات لها افضلية على غيرها. وبطبيعة الحال نظر الاقتصاديان في البيانات المتاحة عن الفترة الماضية، لذلك هما لا يقولان ان المساعدات لن تكون مفيدة في المستقبل. ولكي تكون لها فاعلية يقترحان إعادة النظر في إطارها بحيث ينظر في السؤال: ما هي سمات المساعدات الإنمائية التي تلغي ما هو معروف عن أن تحويل الموارد يعزز النمو الاقتصادي؟ وهذا التساؤل يدعم الجهود المبذولة على المستويات الوطنية والدولية لفهم أو تحسين فاعلية العون الإنمائي. في العدد الأخير من مجلة الشؤون الخارجية، تموز/ آب أغسطس 2005 نشر داني رودرك، بروفسور الاقتصاد السياسي الدولي في جامعة هارفرد، ونانسي بيردسال، رئيسة مركز التنمية العالمية في واشنطن العاصمة، وأرفند سوبرامانيان، اقتصادي في صندوق النقد الدولي، ورقة بعنوان:"كيف تساعد البلدان الفقيرة"، تبين أن زيادة المساعدات وفتح الأسواق أمام البلدان الفقيرة لهما مبرراتهما ولكنها لا يحققان الكثير. لذا فإنهم يرون أن على البلدان الثرية أن تتبنى إجراءات أخرى قد يكون لها عائد أكبر مثل إعطاء الفقراء فرصة السيطرة على السياسة الاقتصادية وتمويل تكنولوجيات إنمائية مناسبة وفتح اسواق العمل في البلدان الثرية. فالدروس من تجارب البلدان المختلفة خلال العقود الأربعة الماضية والتاريخ الاقتصادي في شكل عام تؤكد أن التنمية شيء تحدده البلدان الفقيرة نفسها، وان الغرباء يلعبون دوراً محدوداً فقط. وهذه النتيجة تؤكدها البلدان النامية نفسها ولكنها منسية في البلدان الثرية. نعود للسؤال: هل للعون الإنمائي دور في تعزيز النمو في البلدان الفقيرة؟ في مقال سابق الحياة 29 تموز 2005 ذكرنا أن الأصول المالية الأجنبية هي مكون من مكونات الثروة الوطنية، والثروة الوطنية المادية والبشرية هي مصدر الدخل ونموه. لذا فإن دور العون الإنمائي في النمو يتأثر بكيفية استعمال العون وشروط تقديمه: للاستهلاك أو للاستثمار وفي أية مجالات، وما هي الشروط المصاحبة للعون التي تضعها البلدان المانحة. * مستشار اقتصادي.