يلاحظ الداخل الى مطار دبي أن ثمة ميزة تكنولوجية يتفرد بها ذلك المطار عن سواه من موانئ العرب الجوية، هي"بصمة العين"Eye Print. وبعد الانتهاء من اجراءات الفيزا العادية، يُطلب من القادم الى تلك الامارة ان يذهب الى القسم المُخصص للحصول على بصمة عينه. ولدى الاقتراب من ذلك القسم، تظهر شاشة عليها صورة كبيرة للعين، بالابيض والاسود في الغالب. ويُسمع صدى صوت الكتروني، يُرشد المسافر الى الوضعية الصحيحة لتثبيت العين على آلة متخصصة، يدعمها الكومبيوتر. ويشكر الصوت المسافر على تعاونه عند الانتهاء من ذلك الاجراء. انه جزء مما تغيّر في مطارات العالم، بعد ضربات الارهاب في 11/9/2001، فهل تكون بصمة العين في دبي أول الغيث في تبن عربي واسع لتقنيات مُشابهة؟ وتُعطي"بصمة العين"نموذجاً من مجموعة واسعة من التقنيات، تندرج تحت مُسمى"القياسات البيولوجية"، أي التي تعتمد على الرصد الالكتروني لمواصفات مُعيّنة في الجسد البشري. وأيضاً، يشير مصطلح"بيومتريكس" BioMetrics الى تلك التقنيات عينها. ويتكوّن المُصطلح من دمج كلمتي بيولوجيا Biology، وترجمتها علم الحياة، ومتريكس Metrix وتعني القياسات المأخوذة من علم الرياضيات. اذاً، يمكن ترجمة"بيومتريكس"بمصطلح"القياسات الحيوية"أيضاً. وبالاختصار، يمكن القول ان"بيومتريكس"هي البيانات التي يتعرف بواسطتها الكومبيوتر، وما يُشبهه من آلات رقمية ذكية، الى هوية الجسد الانسان. بين عالمي المال و...الارهاب دخلت تقنيات"البيومتريكس"في مسار من التحسَّن المستمر، وخصوصاً في العقدين الماضيين. فخلال تسعينات القرن الماضي، تركّز الاهتمام على"البيومتريكس"في عالم المال، وخصوصاً الخدمات المصرفية الذاتية. وحينها، ثار سؤال:"أيّ تكنولوجيا تبدو ملائمة للتعرف المؤتمت الى هوية الزبون"؟ وهدفت مجموعة من المشاريع الاولية، حينها، إلى اختبار التكنولوجيا وقدرتها الفنيّة على تقديم النتائج المرجوّة، اضافة الى رصد مدى تقبّل الناس لها. وهكذا، جرى تطبيق علوم"بيومتريكس"في عالم التطبيقات المتعلّقة بأنظمة الخدمة الذاتية المالية financial self-service systems ? FSSS، التي تعطي آلات سحب النقود الصرّاف الالي"ايه تي ام"ATM نموذجاً عنها. وقبل شرح التفاصيل التقنية، يجب لفت انتباه القارئ الى ان"البيومتريكس"تُستخدم راهناً لتحديد ما يندرج في باب"التأكد من صحة الهوية"Authentification التي تختلف عن"تحديد الهوية"Identification. وقد يكون الفرق بين الكلمتين ضئيلاً لفظياً، لكن التفريق بينهما في مجال التقنيات الحيوية مهمّ للغاية. يشير"تحديد الهويّة"إلى اكتشاف الهوية القانونية لشخص ما، من دون ان يكون المستخدم قد ادعى أي هوّية. وتجيب هذه العملية على سؤال"مَن أنت"؟ ويشار إلى هذا الأمر أحياناً بعمليّة"1 مقابل ن"1-to-n أو"واحد مقابل كثير"one-to-many. واذا استخدمت تقنيات"البيومتريكس"للإجابة على هذا السؤال، يقتضي الامر التفتيش في سجلات البيانات الحيوية التي تحتوي معلومات عن الجمهور، ثم التوصّل الى سجل القياسات الحيوية الذي يطابق مواصفات المستخدم. وتعتبر هذه المهمّة هائلة، وتتضمن الكثير من الصعوبات التقنية، لذا يصعب التوسع في استخدامها في اشياء شائعة مثل أجهزة الصرّاف الالي. أمّا"التأكد من صحة الهوية"، فهو اكتشاف ان الهوية القانونية التي يدعيها شخص ما هي فعلاً هويته. ولهذا السبب، يطلق على هذا المفهوم أحياناً اسم عملية"1 مقابل 1"1-to-1. لنفترض ان احدهم وقف في أحد المطارات ليزعم انه أسامة بن لادن. يجب التأكد فوراً من صحة الادعاء. عندها، يفتش الكومبيوتر في قواعد البيانات المتوافرة عن أسامة بن لادن، لنقل بصمة عينه مثلاً. ثم تؤخذ بصمة عين الشخص الماثل فعلياً في المطار، والذي يزعم تلك الهوية. ويُفترض ان تؤدي المقارنة الى الإجابة عن السؤال التالي:"هل أنت فعلياً الشخص الذي تدّعي هويّته؟". وتعتبر هذه العمليّة أكثر ملاءمة للاستخدام في أنظمة الخدمة الذاتية المالية الشائعة. وتُستخدم تلك التقنية، مثلاً، في الكثير من آلات الصرّاف الالي، بالاعتماد على صورة الوجه. فعند ادخال بطاقة الاعتماد المالي الى جهاز سحب النقود، تقوم كاميرا بتصوير وجهه اوتوماتيكياً، ثم تقارنها مع صورة الاسم الموجود على البطاقة من"تحديد الهوية". ويُركّز باقي المقال على التقنيات البيومترية المستخدمة في مجال"التأكد من صحة الهوية". الوجه واليد و...الاصبع! تعتبر تقنيات"البيومتريكس"ملائمة وموثوقة في مسألة التعرّف الالكتروني الى بصمات الأصابع. وقد استخدمت بنجاح في عدد كبير من الدول. وأعطت نسبة عالية من النتائج الصحيحة، مع الحد الادنى من الخطأ في التثبت من صحة الهويات. كما أن أجهزة القراءة الالكترونية لبصمات الأصابع متوافرة أكثر من أي تكنولوجيا بيومترية أخرى، وبأحجام صغيرة، لذا فإن كلفتها منخفضة نسبياً. يتطلّب استخدام التعرّف إلى البصمة لمس إصبع المستخدمين الآلة لذا يجب نزع القفّازات. وقد تتأثر دقّة الجهاز بعوامل مثل الرطوبة والجليد، والغبار والأوساخ وتراكم السخام جرّاء الاستعمال المتكرر وغيرها. وربما تأثرت أيضاً بأحوال البشرة مثل التشوه والجروح والحروق والقروح وغيرها. والحال ان بصمات الأصابع البشريّة تبقى مستقرّة نسبياً مع تقدم العمر. كما تتأثر دقة الجهاز بطريقة تفاعل المستخدم مع الجهاز القارئ للبصمات، مثل التقلب في الضغط او استخدام اصبع غير صحيح او تحريكه بطريقة غير ملائمة وغيرها. وتُمثّل بصمات الأصابع قياساً حيوياً مألوفاً. ومن وجهة نظر مدى قبول المستخدم. وتشكّل هذه الشهرة نقطة قوّة وضعف على حدّ سواء. فمن ناحية، لا يشعر الناس بالخشية من الاصابة بالاذى منها، وبالتالي من المرجّح أن يكونوا على استعداد كبير لاستعمالها. بيد أنّ يمكن هذه التكنولوجيا أن تكون نقطة ضعف بسبب الاعتقاد السائد أنّ لبصمات الأصابع علاقة وثيقة مع الجريمة والمجرمين والعدالة وغيرها. ويبدي بعض الناس ترداداً نفسياً حيال لمس الآلات بانواعها كافة. وتحتاج بصمة الاصبع الالكترونية لما يتراوح بين 50 و1000 بايت، بحسب نوع الجهاز، ما يزيد في سهولة استعمالها وانتشارها. وفي المقابل، نالت تكنولوجيا التعرّف إلى الوجه Face Recognition انتباهاً بسبب أسلوبها السهل. ولا تتطلب تماساً مباشراً مع الآلة. وتعتمد القياسات البيومترية للوجه على قياسات مادية لميزات الوجه البشري، مثل عرض العين وارتفاع الحاجب وزاوية عظام الفكين وبروز الوجنتين وطول ارنبة الأنف وغيرها. وتُجمع تلك المعلومات بواسطة كاميرا رقمية عن بعد. ولذا، تتأثر في شكل غير مؤاتٍ بعوامل معيّنة مثل وضعيّة المستخدم والإضاءة وشعر الوجه والنظّارات والقبّعات و العمر وعمليات التجميل وغيرها من الاشياء التي يمكنها التأثير في الصورة الرقمية للوجه وقياساتها. بالمقارنة بغيرها من تقنيات"البيومتريكس"، تتمتع تكنولوجيا التعرّف إلى الحدقة Iris Recognition بالنوعية الأعلى راهناً، وبأقل نسبة من احتمالات الفشل. وترتكز الى القياسات الدقيقة للحدقة البشرية، أي تلك الدائرة الملوّنة التي تحيط ببؤبؤ العين، مع ملاحظة أن لا علاقة للون الحدقة بهذا النوع من القياسات الحيوية. وتتمتع الحدقة بمزايا فريدة فلا تتشابه بين البشر، وبطريقة أشد دقة من بصمة الاصابع العادية. كما لا تتأثر كثيراً بالنظّارات أوالعدسات اللاصقة، على رغم أنّه يُنصح بأن تلتقط القياسات من دون تلك الاشياء. وتتطلّب أن تكون العين على بعد نحو 25 سنتيمتراً من الكاميرا، شرط ان تكون واضحة ومضاءة بنور قريب من الأشعة ما تحت الحمراء. ويخلط البعض بين مسح الحدقة ومسح شبكية العين، فيما الاخير هو اجراء طبي يهدف الى التعرف الى صحة الشبكية ورصد أمراضها.