غوارديولا مُستاء من ازدحام جدول الدوري الإنجليزي    الهلال يضرب الأخدود برباعية في دوري روشن للمحترفين    المملكة تفعّل قواعد «التسويات المالية» لمواجهة الفساد    رسمياً .. النصر يضم الكولومبي "جون دوران"    ولي العهد يقود مسيرة تعزيز الانتماء.. إلزام الطلاب بالزي السعودي كرمز للهوية الوطنية    إحباط تهريب 198 كجم «قات» بمنطقتي عسير وجازان    نائب رئيس مجلس الوزراء وزير داخلية الإمارات يغادر الرياض    وزير الخارجية ونظيره الأمريكي يبحثان العلاقات الثنائية بين البلدين    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    الأمم المتحدة: الاحتياجات الإنسانية في قطاع غزة «هائلة»    المملكة تضيء معرض القاهرة بالثقافة والترجمة    الفتح يتعاقد مع حارس النصر "العقيدي" على سبيل الإعارة    مسؤولة بالاحتياطي الفدرالي تدعو لمواصلة خفض أسعار الفائدة لحين تراجع التضخم    تعادل سلبي بين الفيحاء والتعاون في دوري روشن    «سيوف» السعودية تخطف التوقيت الأفضل في ال«جذاع»    موسكو: «البريكس» لا تخطط لإصدار عملة موحدة    مخيم "مشراق 2″يختتم فعالياته التوعوية تحت شعار "شتاؤنا غير مع تواصل"    التوعية ودعم الشباب.. أبرز توصيات ورشة "إعمار الأرض" بالأحساء    تدريب 15 طالبة جامعية على نظم المعلومات الجغرافية بالشرقية    تعليم شرق الدمام" يكرم الفائزين بمسابقة تحدي القراءة العربي    تعرف على تفاصيل «المصافحة الذهبية» للجهات الخاضع موظفوها لسلالم الخدمة المدنية    «صفقة السبت».. إطلاق 3 أسرى إسرائيليين مقابل 90 فلسطينيا    الأستاذ يحيى الأمير.. "وجدت نفسي تلميذًا بين يدي الطبيعة ومواسم الحصاد كانت تأسرني"    حرس الحدود بالمنطقة الشرقية ينقذ امرأة من الغرق أثناء ممارسة السباحة    خطيب المسجد النبوي: ثقوا بربكم الرزاق الشافي الغني عن الخلق فهو المدبر لأموركم    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 55 لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة    "هيئة العقار" تُعلن تمديد فترة استقبال طلبات الانضمام للبيئة التنظيمية التجريبية للشركات التقنية العقارية    دور برنامج خادم الحرمين الشريفين في إثراء تجربة المستضافين في ندوة بمكة اليوم    رحيل الموسيقار ناصر الصالح    تقييم جديد لشاغلي الوظائف التعليمية بالمملكة من 5 درجات    رياح نشطة مثيرة للأتربة والغبار على تبوك والمدينة ومكة    ارتفاع اسعار النفط    الخليج يعزز هجومه بالنمساوي «مورغ»    «سلمان للإغاثة»: تدشين مشروع أمان لرعاية الأيتام في حلب    هل سمعت يوماً عن شاي الكمبوتشا؟    دهون خفيّة تهدد بالموت.. احذرها!    للبدء في سبتمبر.. روسيا تطلق لقاحاً مضاداً للسرطان يُصنع فردياً    رابطة العالم الإسلامي تعزي في ضحايا حادثة اصطدام الطائرتين في واشنطن    القاتل الثرثار!    وفاة ناصر الصالح    العنزي يحصل على درجة الدكتوراة    هل تنجح قرارات ترمب الحالية رغم المعارضات    برقية ولي العهد إلى الرئيس السوري الجديد.. خطوة إستراتيجية نحو استقرار المنطقة    التراث الذي يحكمنا    نيابة عن أمير قطر.. محمد آل ثاني يقدم العزاء في وفاة محمد بن فهد    لماذا صعد اليمين المتطرف بكل العالم..!    مصحف «تبيان للصم» وسامي المغلوث يفوزان بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    تجمع القصيم الصحي يفوز بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية السعودي 2025    "مفوض الإفتاء بمنطقة حائل":يلقي عدة محاضرات ولقاءات لمنسوبي وزارة الدفاع    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم مبادرة " تمكين المرض"    الديوان الملكي: وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    المفتي للطلاب: احذروا الخوض في منصات التواصل وتسلحوا بالعلم    تعزيز العلاقات البرلمانية مع اليابان    عشر سنبلات خضر زاهيات    أهم الوجهات الاستكشافية    خطورة الاستهانة بالقليل    حسام بن سعود يستعرض مشروعات المندق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الإرهابي 20" للكاتب السعودي عبد الله ثابت . الشاب الذي نجا من فخ الظلاميين فضح ثقافتهم
نشر في الحياة يوم 12 - 11 - 2006

لا تمكن قراءة رواية "الإرهابي20" للشاعر والقاص السعودي عبدالله ثابت، والتي صدرت حديثاً عن دار المدى دمشق - 2006 بمعزل عن الأجواء التي تسود البلاد العربية والإسلامية والعالم عموماً، والمتمثلة في العنف الديني. ووفقاً لهذا التصور فإن الرواية تحقق غرضين، أولهما فني - جمالي، ذلك أنها تعد إضافة مهمة للأدب الروائي السعودي الذي اثبت حضوراً لافتاً في المشهد الروائي العربي في السنوات الأخيرة، وثانيهما يتجسد في الدور التنويري الديني المعتدل الذي تحققه الرواية وسط هذا الغلو والتطرف.
رواية "الإرهابي 20 ، هي باكورة الأعمال الروائية لثابت، وتتناول تجربة إنسانية شديدة الخصوصية والثراء، وهي تتمتع بصدقية نادرة إذ تبتعد، على رغم حساسية الموضوع، عن الترميز، والمواربة، لتروي بضمير المتكلم، وعبر سرد شديد الالتصاق بالواقع، حكاية شاب سعودي كاد أن يكون الإرهابي رقم 20 في إشارة إلى التسعة عشر شاباً الذين دمروا برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11/9/2001، فبطل الرواية نجا من براثن جماعة إرهابية حاولت التغرير به، ودفعه نحو ارتكاب جرائم بحق الإنسانية، غير أن إيمانه، وقيمه، ووعيه شكلت خلاصاً له، ونأت به عن تلك الجماعة، وقادته إلى تطبيق مبادئ الدين الإسلامي بعيداً من الإكراه والقسر، وعلمته محبة الحياة والبشر والطبيعة والوطن.
الرواية، في شكلها الفني، مكتوبة على شكل يوميات يرويها البطل والراوي في الوقت نفسه: زاهي الجبالي. ويختار من العقود الثلاثة التي بلغها، المحطات الجوهرية والحاسمة التي ساهمت في تكوينه الفكري والنفسي، وهي تتطور وفق سرد تقليدي يبدأ من مرحلة الطفولة، مروراً بمراحل الصبا، وصولاً إلى المرحلة الراهنة حيث يطرح البطل على نفسه أسئلة مثل: "من أنا؟ ماذا أريد؟ وأي الأوقات والأمكنة حملتني وسافرت بي حتى هذه اللحظة، التي أشرع فيها في حفر ملامحي بإزميل من صدق على هذه الأوراق؟".
هذه الأسئلة تستحث ذاكرة الراوي المتدفقة، والخصبة، وتقوده الى أن يستحضر ماضيه البعيد، وطفولته الغضة في منطقة العسير حيث تقع قريته ومدينته أبها على "قمم شاهقة، تقتسمان مساحة ملونة بالخضرة والمياه، مزدانة بالغيم والضباب والمطر". وفي وصفه المكان تبرز النزعة الذاتية الوجدانية عبر حديث عن ناسه وطبائعه وتقاليده، فالكاتب هنا أشبه بباحث انثروبولوجي يرصد عادات منطقة العسير وقيمها وتقاليدها".
على هذه الأرض، القاسية والحانية، وفي تلك الأنحاء المعتادة على الطيبة والزهو، يولد زاهي الجبالي ذات شتاء، مطلع السبعينات، قبيل الفجر بلحظات في ليلة ماطرة وعصيبة تنبئ بقدر مختلف ينتظر هذا الوليد الآتي مع صباح مضطرب. كان طفلاً هادئاً صامتاً عاش السنتين الأوليين في القرية في بيت طيني صغير، ثم انتقل مع أسرته المؤلفة من أحد عشر فرداً، إلى مدينة أبها، ويتحدث عن المعاناة التي عاشتها أسرته، وينقل جانباً من الثقافة الشعبية السائدة في المنطقة عبر استحضار بعض الأمثلة، والأغاني، والحداءات العذبة التي ترافق العسيريين في الزراعة، والرعي، والمهن المختلفة، وفي الأفراح والأحزان، كما يستفيض في الحديث عن شكل المناسبات، والطقوس، وطبيعة الناس، ومعتقداتهم، وآمالهم.
العودة إلى الحياة
هنا يكشف الكاتب عن هدف روايته، أي العودة إلى حياة "شفافة وفطرية"، فيستعيد، بنبرة ملؤها الحنين، عوالم طفل يعانق، ألغاز الحياة وأسرارها، بالقلق والحيرة والخوف. يفتش في دفاتر زاهي الجبالي، الطفل الذي وجد نفسه في مواجهة الحياة، دونما قدرة على استيعاب معانيها التي تفوق سنوات عمره القليلة. يلتحق زاهي بالمدرسة الثانوية ويصبح محط أنظار جماعة دينية، فيتأثر فيها ويتمرد على أهله وينخرط في أنشطة هذه الجماعة، فيرى مشاهد سكرات الموت، ويصغي إلى حكم تتجاوز مداركه: "اخشوشنوا فان النعم لا تدوم"، ويسمع شريط "هادم اللذات"، ويتنكر لأبسط القيم التي نشأ عليها "كم كرهت عائلتي وبيتي الذي يعج بالموبقات والمعاصي، والفساد من تلفاز وصور وأصوات أغاني...". يترك هذا البيت ويلتحق بالجماعة ويحضر لقاءات، واجتماعات، وهي ليست مجرد حلقات ذكر - كما يوضح - بل "عمل سري منظم يهدف إلى إقامة كيان جديد على هذه الأرض.
خلال ذلك قرأ كتباً كثيرة تتمحور حول تفاسير القرآن الكريم، وبعض كتب السيرة والعقيدة، وبعض الكتب التي تتناول التيارات الدينية والفكرية والمذهبية، وكتب التكفير. ويقول في هذا السياق: "ومما كنا نكلف به على الدوام، متابعة الحركة الحداثية داخل السعودية، وما يكتبه رموزها، وقصّه وجمعه ومناقشته، وإثبات كفر هؤلاء الحداثيين، وعلى رأسهم عبدالله الغذامي، وسعد البازعي، وسعيد السريحي، ومعجب الزهراني، ومحمد زايد الألمعي، وعلي الدميني، وعبد الله الصيخان، ومحمد الثبيتي، ومحمد جبر الحربي...والقائمة تطول لتصل إلى نزار قباني "الكافر والمنحل" - بحسب رأي الجماعة - وعبدالله البردوني "القومي الملحد".
لم يصل زاهي الجبالي إلى مرحلة "غسيل الدماغ"، ولم تسعفه خصاله السمحة في التمادي كثيراً في حق أهله وأبناء بلده، كما كانت تطالب الجماعة، وعلى رغم أن الاجتماعات والقراءات والخطب كادت تقذفه إلى دائرة النار في أفغانستان بحجة "الجهاد" بحسب تحريض الجماعة، غير أن نداء سرياً غامضاً جعله يحجم عن الذهاب. ولأنه ينتمي إلى قوم يأبى الظلم والضيم، استطاع أن يدرك مقاصد هذه الجماعة التي تحاول سجن الإنسان في بوتقة الكراهية، وجعله يحقد على شعبه ووطنه. ولئن تورط الكثير من الشباب بدافع من العاطفة العمياء، وبسبب الجهل، والخوف في ارتكاب أعمال إرهابية يتسامى القلم عن تدوينها، فان زاهي الجبالي نجا، بوعيه، من هذه المصيدة المميتة، وتوصل إلى قناعة تقول: "حين تصبح الأفكار سلطة، فإنها لن تكون أفكاراً، ستكون سياطاً وعصياً".
مع "عودة الوعي" هذه، يبدأ الفتى في قراءة المنفلوطي والرافعي والعقاد، وطه حسين وارنست همنغواي وفيكتور هيغو وكازنتزاكيس وماركيز وسواهم ليكتشف مع هؤلاء عوالم جميلة، تفيض بالخير والحق، على خلاف ما كانت تقوله الجماعة التي خيّرته بينها وبين هذه الميول، فاختار الجبالي طريق الشعر والموسيقى والحياة الجميلة والدين الحقيقي، ولئن دفع ثمناً باهظاً لخياره هذا إذ تعرض للضرب والشتم والإهانة من على يد الجماعة الجهلة، لكنه ربح حياته وأهله وبلده.
لعل ما يميز الرواية الجرأة التي يتحلى بها كاتبها عبد الله ثابت الذي يجهر بما هو مسكوت عنه، إذ يشير بوضوح إلى العيوب والأمراض التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية، وهو لا يتخفى خلف أي قناع بل يدون نصه بشفافية، ووضوح مشيراً إلى مواضع الخلل، ومنتقداً، بلا إبطاء، تلك العقليات والذهنيات التي تجيّر الدين خدمة لمصالحها وتحقيقاً لأهدافها التي لا تخدم، بأي حال، تطلعات الإنسان نحو حياة هانئة وآمنة. ولا شك في أن التصدي لهذه الآفة، آفة الإرهاب، بهذا الوعي النقدي اللافت، سيوفر له خصوماً كثراً، ذلك أن ثابت أراد أن يقول كلمة حق، وشاء أن يدلي باعترافات جريئة في وقت تكثر فيه "طيور الظلام".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.