تفاقمت الأزمة السياسية في لبنان امس، وازداد الفرز السياسي داخل السلطة، اذ رفض رئيس الجمهورية اميل لحود ترؤس جلسة مجلس الوزراء العادية الخميس المقبل اذا تغيب عنها الوزراء الشيعة الخمسة الذين كانوا قرروا تعليق مشاركتهم في الجلسات نتيجة خلاف حركة"أمل"و"حزب الله"مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والاكثرية على التصويت على قرار طلب من مجلس الامن إقرار انشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة المتهمين في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وتوسع التحقيق الدولي في جرائم الاغتيال منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة حتى اغتيال النائب جبران تويني. راجع ص 6 و7 وعلقت مصادر قريبة الى الغالبية النيابية على موقف لحود بالقول"انها ليست المرة الاولى التي يتخذ فيها موقفا يضرب فيه مقومات الرئاسة، وهو بخطوته يثبت انه يفضل ان يكون طرفا بدل ان يكون حكما". ومن جهة اخرى، قالت المصادر ان"امل"و"حزب الله"اشترطا للعودة عن مقاطعة مجلس الوزراء وجوب فتح حوار مع سورية، معربين عن الاستعداد للعب دور في هذا المجال. وجاء التصعيد السياسي من كل الجهات امس، ففي ذكرى مرور اسبوع على اغتيال تويني باشرت قوى الغالبية النيابية والحكومية المنضوية في لقاء 14 آذار مارس خطوات ميدانية، فأعادت اعتصام المنظمات الشبابية التابعة لها في ساحة الشهداء التي انطلقت منها"انتفاضة الاستقلال"ضد الوجود السوري العام الماضي، فنصب هؤلاء"خيمة الحرية"في الساحة، فيما اصدر لقاء 14 آذار بعد اجتماع موسع له في فندق بريستول حيث اتخذت تدابير أمنية استثنائية، بياناً هاجم النظام السوري وطرح مطالب أبرزها انهاء وضع الرئيس لحود. وأكد البيان ان اللبنانيين هم في حال دفاع عن النفس بعد تجدد حرب النظام السوري عليهم وتصعيدها. واتهم الاخير بأنه مصمم على تفجير الاوضاع في لبنان في مواجهة تقدم التحقيق في اغتيال الحريري. ودعت قوى 14 آذار الى إخراج بقايا النظام الامني من المواقع التي يصادرونها وتحديد موقع رئاسة الجمهورية لمواجهة حرب النظام السوري والى انهاء وضع الرئيس اميل لحود. وشكرت مجلس الامن لتجاوبه مع مطالب اللبنانيين عبر القرار 1644. كما دعا بيان قوى 14 آذار الى تطبيق المساعدة الفنية من لجنة التحقيق الدولية في كل الجرائم الارهابية وكذلك بالنسبة الى المحكمة ذات الطابع الدولي واجراء تشكيلات امنية وابعاد الضباط الذين عملوا في خدمة النظام الامني وكذلك القضاة. كما طالب بفتح ملف"بنك المدينة"لصلته باغتيال الحريري وتمويل النشاطات الارهابية وملف عقود النفط العراقي غير الشرعية وملف المقابر الجماعية والإسراع في التحقيق الذي طلبه وزير الاتصالات حول مراكز التنصت في القصر الجمهوري. وأطلقت قوى 14 آذار دعوة الى الحوار مع"التيار الوطني الحر" بزعامة العماد ميشال عون للتوصل الى رؤية مشتركة حول دور النظام السوري ومع"حزب الله"وحركة"أمل"على قاعدة التزام اتفاق الطائف. وكان الاعلاميون اللبنانيون والعاملون في جريدة"النهار"نفذوا اعتصاماً صامتاً قبل الظهر استمر ساعة امام مبنى"النهار"حداداً على تويني. وحمل هؤلاء صوره. يذكر ان اتفاقاً جرى بين السنيورة ولحود على ان تعقد جلسات مجلس الوزراء مداورة برئاسة كل منهما مرة في القصر الجمهوري ومرة في السرايا الكبيرة تفادياً لعقدها في المركز الخاص بمجلس الوزراء، حيث ينص الدستور على ان يترأس لحود الجلسة اذا حضر. وكان مبرر هذا الاتفاق الاسباب الامنية. وقالت مصادر الرئاسة ان السنيورة أحيط علماً بقرار لحود، لكن أي رد فعل لم يصدر عن رئيس الحكومة حياله، فيما رجحت مصادر وزارية ان تعقد الجلسة في السرايا الحكومية برئاسته اذا لم يقرر ان يؤجلها من اجل مزيد من الاتصالات، وتردد ان وزير البيئة القريب من لحود يعقوب الصراف لن يحضر الجلسة. وفيما رأت مصادر مراقبة في موقف لحود التضامن مع الوزراء الشيعة تصعيداً مقابلاً للتصعيد الذي قررته الغالبية ضد سورية وطرح مسألة بقائه في سدة الرئاسة الاولى بعد اغتيال تويني، رجحت مصادر رسمية قريبة من الغالبية ان يكون تصعيد لحود موقفه رداً على بيان قوى 14 آذار من جهة وفي سياق خطوات منسّقة لشل حكومة السنيورة من جانب حلفاء سورية. وربطت هذه المصادر بين استمرار الخلاف مع"أمل"و"حزب الله"واشتراطهما التوافق في قرارات مجلس الوزراء وان يبعث الاخير برسالة الى مجلس الامن يعتبر فيها القرار الرقم 1559 منفذاً وان ما تبقى منه مطروح للحوار بين اللبنانيين، وبين مواقف صدرت ضد الحكومة من رئيس الحكومة السابق عمر كرامي الذي دعا الى الحوار رافضاً المزايدات في موضوع رئاسة الجمهورية. وأعلن النائب ميشال عون ان"تكتل الاصلاح والتغيير"النيابي الذي يتزعمه سيدعو الى"استقالة الحكومة إن لم تدع الى الحوار خلال اسبوع"، معتبراً ان"الهيجان على الارض آتٍ من لسان الاقطاب". وشدد عون رداً على اسئلة الصحافيين بعد اجتماع كتلته في الرابية امس، على ان"مجلس النواب هو المكان المناسب للحوار". وانتقد عون وزير الداخلية حسن السبع، الذي"لا يتحدث عن الوضع الامني، نحن نريد ان نتعامل مع اشخاص يجيبون عندما نسألهم". وأوضح انه"لا يجوز أن نوجه الاتهام"، وقال:"لنفترض أن سورية عدوة وليست شقيقة، وتريد أن تقتلنا واحداً تلو الآخر، فما هي التدابير التي اتخذتها الدولة لتمنع القتل". وعلق رئيس الهيئة التنفيذية في"القوات اللبنانية"سمير جعجع على شروط"حزب الله"لعودة الوزراء الشيعة الى الحكومة قائلاً:"ان شرط عدم التصويت داخل الحكومة يتعارض مع الدستور ومخالف له". اما في ما يتعلق بالقرار الدولي 1559 وطلب الحزب اعتبار الحكومة اللبنانية أنه نفذ، قال جعجع:"ليس من الحكمة بشيء وضع مثل هذا الشرط المسبق خصوصاً ان كل الفرقاء اتفقوا على ان يتم الحوار في شأنه داخل مجلس الوزراء". وأيد عون في رأيه بأن اسقاط رئيس الجمهورية يجب الا يتم في الشارع. دمشق ولجنة التحقيق وفي دمشق، قالت مصادر مطلعة ل"الحياة"امس ان القاضي الالماني ديتليف ميليس ابلغ دمشق ان اللجنة الدولية ستستأنف عملها في 6 كانون الثاني يناير المقبل، وان عملية تسلم واستلام ستحصل مع خليفه القاضي البلجيكي سيرج براميرتس في مقر"مونتي فيردي"شمال بيروت. وقالت المصادر ان 25 محاميا اجنبيا يشاركون في الدفاع عن المسؤولين السوريين وتقديم دراسات قانونية في شأن القرارين 1636 و1644، وان شركة"بيرنز"البريطانية قدمت مسودة بروتوكول تعاون بين سورية واللجنة الدولية. وبين المحامين الدوليين البريكاني ايان بروانلي والنروجي بيرون ايده والبريطانية اليزابيث وليمندويلث. واتفق عدد من الدراسات الدولية على وصف القرارين الدوليين انهما"مجحفان بحق سورية، لكن هناك مخاطر كبيرة بعدم الالتزام". وقالت المصادر :"ان حقوق الافراد في القانون الدولي اوضح بكثير من حقوق الدولة". واظهرت دراسة سياسية وقانونية اجراها خبراء رسميون سوريون ان القرار 1644 لم يتضمن أي اشارة الى"حقوق السوريين المشتبه بهم او الشهود خلال تعرضهم الى الاستجواب"وان الهدف الاساسي من اصدار القرار بالاجماع فرض"تعاون فوري وكامل"على دمشق. وقالت مصادر مطلعة ل"الحياة"امس ان الحكومة السورية تنتظر الخطوة المقبلة التي ستقوم بها اللجنة الدولية، وتوقعت اتصالات سياسية مع روسيا والصين والجزائر ودول عربية اخرى في شأن المرحلة المقبلة. وعلمت"الحياة"امس ان النقاشات الرسمية السورية طاولت مدى توافر"المهنية والموضوعية في تقرير ميليس الثاني". وفيما تتمسك جهات بالتعاون الكامل مع اللجنة الدولية والتزام قرارات مجلس الامن الملزمة، تشير اوساط اخرى الى ان"التحقيقات لم تكن منصفة لسورية". ولاحظت المصادر ان القرار"لا يتضمن تصعيداً ضد سورية، بل تأكيداً كبيراً على القرار 1636 والزاماً بأقصى درجات التعاون". ورأت ان القرار 1644 اكتفى بايراد الفصل السابع في الفقرات التمهيدية من دون طرح العقوبات في الفقرات التنفيذية.