حينما يدخل المرء موقع"اتحاد كتاب المغرب"على الإنترنت يجد في الصفحة الرئيسة بلاغاً عن ندوة فكرية مهمة ينظّمها المكتب المركزي للاتحادپاحتفالاً بذكرى انطلاق الثورة الفلسطينية. طبعاً لسنا في شهر كانون الثاني يناير الآن، فهل ينوي الاتحاد إحياء هذه الذكرى قبل شهرين من الموعد؟ لا، الأمر ببساطة يتعلق بخبر قديم. فالنشاط الذي تدعو الصفحة الأولى والرئيسة لموقع الاتحاد إلى حضوره يعود تاريخه إلى كانون الثاني 2002. ولذا فإن التقرير في أسفل هذه الدعوة والذي يتحدث عن تجديد الثقة في الشاعر حسن نجمي رئيسا للاتحاد يتكلم عن المؤتمر الخامس عشر الذي كان عقد في تشرين الثاني نوفمبر 2001 في الرباط. هذا المدخل الإلكتروني قد يعطي فكرة وافية عن الدينامية التي يعرفها اتحاد كتاب المغرب في السنوات الأخيرة. فمجلة"آفاق"التي يصدرها الاتحاد لم يظهر لها أثر منذ مدة. عبدالحميد عقار الرئيس الجديد للاتحاد ومدير"آفاق"بحكم موقعه على رأس منظمة الأدباء ما زال يتحمل مسؤوليته كرئيس لتحرير مجلة"الثقافة المغربية"التابعة لوزارة الثقافة. بل إن العدد الأخير من مجلة الوزارة صدر فعلاً قبل أيامپوخصص ملفاً مهماً عن إدوارد سعيد شارك فيه عدد من الكتاب العرب والمغاربة. ولكن في الوقت الذي يواصل عقار مجهوده المتميز للرقي بمجلة وزارة الثقافة، تبقى مجلة"آفاق"مجرد عبء من الأعباء الأخرى التي لا يجد المكتب المركزي الجديد لا الجهد ولا الإمكانات الكافيةپللتفرغ لها أو التخلص منها. علماً أن وجود عقار على رأس مجلة الاتحاد ومجلة وزارة الثقافةپ في الوقت ذاته يعزّز ما يذهب إليه البعض في المغرب اليوم من أن الاتحاد صار تابعاً في شكل من الأشكال إلى وزارة الأشعري.وعلى رغم أن وزير الثقافة المغربي يؤكد أنه لا يفهم لماذا يحرص الكثيرون على ربط الاتحاد في صيغته الجديدة بمكاتب وزارته، يعلق قائلاً:"وما حاجتي أنا بالاتحاد؟ هل هو جيش؟ هل هو أسطول لأستنجد به وأحرص على بقائه إلى جانبي؟"إلا أن الكثر ممن حضروا المؤتمر الأخير للاتحاد وشهدوا الحضور القوي لموظفي وزارة صاحب"عينان بسعة الحلم"في أروقته وردهاته يجدون صعوبة في فك الارتباط بين الوزير الأشعري، الرئيس السابق للاتحاد، وعبدالحميد عقار، رئيسه الحالي المشدود بأكثر من حبل إلى وزارة الثقافة منذ تعيين الأشعري على رأسها.پولعل ما يؤكد هذا الارتباط هو أن المكتب المركزي الجديد الذي لم يصدر عنه أي كتاب لا في الأدب ولا في النقد حتى الآن- باستثناء كتابين أو ثلاثة ظهرت بدعم من معهد سيرفانتيس الأسباني- فاجأ الجميع بإصداره للأعمال الشعرية لمحمد الأشعري في طباعة أنيقة. إن شاعراً مغربياً مهماً بقيمة الأشعري يستحق بالتأكيد أن تصدر له أعماله، ولكن أن يحصل ذلك ضمن منشورات الاتحاد وخارج أية دينامية للنشر وفي الوقت الذي ينتظر عدد من الكتاب والأدباء المغاربة صدور أعمالهم الجديدة المركونة في الأدراج منذ سنوات، فإن ذلك يطرح بالتأكيد أكثر من سؤال. مشكلة اتحاد كتاب المغرب الأساسية اليوم هي أنه بقدر ما يتورط في شؤون وزارة الثقافة يفقد ارتباطه بالكتاب أنفسهم.پفالوزارات كيفما كان نوعها تفضل التعامل مع أشخاص من السهل التجاوب معهم. أشخاص"ناضجون مرنون يتحلون ببعد النظر". والأدباء ليسوا دائما من هذه العينة. فأحدهم وهو القاص أحمد بوزفور رفض قبل سنتين"جائزة المغرب للكتاب"فأحرج بذلك الجميع حتى أن رئيس الاتحاد حينها الشاعر حسن نجمي بادر إلى مهاجمته متخذا موقعه إلى جانب رفيقه في الحزب محمد الأشعري.پ أما اليومپفالكثير من الكتاب صاروا واضحين: إذا كانوا سيرسلون نصاً الى عقار فالأفضل أن يرسلوه الى عنوان الوزارة أي من أجل"الثقافة المغربية"، فهم هناك ينالون التعويض. صحيح أنپ الكاتب لا يحصل على المئة دولار مقابل النشر إلا بعد سنوات طويلةپوبعد إجراءات بيروقراطية مملة للغاية، لكن هذه الصيغة على بيروقراطيتها، تبقى أفضل من النشر"النضالي"المعمول به في مجلة الاتحاد. ولكن إذا كانت أسهم الاتحاد بدأت تسقط بالتدريج في الساحة الثقافية المغربية خصوصا مع مكتبه المركزي الجديد الذي تندر الجميع بصمت أعضائه في المؤتمر الأخير، حيث كانوا مثل المبشَّرين مترفعين عن المشاركة في النقاشات الثقافية الحامية التي كانت جلسات المؤتمر مسرحاً لها. وحتى بعد المؤتمر استسلم معظمهم للصمت التام فهم غير موجودين عملياً في الساحة الثقافية، ولا أحد يسمع لهم صوتاً ولا رأياً في موضوع أو خلافه. وباستثناء عقار الذي تحوّل ناطقاً رسمياً وحيداً باسم الاتحاد لن تجد من يُذكِّرك بلائحة أعضاء مكتبه المركزي بما في ذلك من صوتوا لهم بالأمس حينما تلقوا أسماءهم خلال المؤتمر السادس عشر ضمن لائحة نُسبت إلى وزارة الثقافة وأثارت انتقادات عنيفة فيپحينه. لكن أدباء كثيرين باتوا يرون أن اتحاد الكتاب كتجربة صار ينتمي اليوم إلى الماضي، وهم يعتزّون به مثلما يعتزّ الكاتب بماضيه الجميل. مشكلة الاتحاد هو أنه لم يعد أفقاًپللكثيرين من الأدباء المغاربة. ويُخشى أن يجد هذا الاتحاد، الذي شيّد في مؤتمره الأخير أكثر من حاجز في وجه الكتاب المغاربة الأحرار والمستقلين عن الأحزاب ووزارة الثقافة، صعوبة غداً في استدراج هؤلاء لحضور مؤتمراته المقبلة، بل لحضور ندوة له، هذا إذا نظم ندوات في المستقبل. ذلك ان من الصعب الحديث عن برنامج واضح للاتحاد، بل انه ما زال متشبثاً بأساليب العمل القديمة ما عدا محاولته ركوب بعض موجات الاتصال الحديثة كالإنترنت مثلاً الذيپانفتح عليه اتحاد كتاب المغرب في الآونة الأخيرة. ورجاء زوروا موقع الاتحاد على الإنترنت ولا تنسوا الندوة الفكرية عن فلسطين لمناسبة ذكرى انطلاق الثورة الفلسطينية، فالدعوة عامة.