فوجئ المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب والأديب عبدالحميد عقار منسق الندوة العربية للرواية التي تنظمها وزارة الثقافة بتنسيق مع الاتحاد في إطار فاعليات "الرباط عاصمة الثقافة العربية" أيام 25، 26، 27 أيلول سبتمبر الجاري، برسالة وجهها الأدباء المصريون: إبراهيم أصلان ومحمود أمين العالم وصنع الله إبراهيم. المفاجأة لم تكن فقط بسبب مضمون الرسالة الذي يُبرِّرُ المقاطعة بموقف مُوقِّعيها من التطبيع مع إسرائيل الذي "انخرط" فيه المغرب بعد استقباله أخيراً سيلفان شالوم وزير خارجية الكيان الصهيوني، ولكن لأن اثنين من الأسماء الموقعة على الرسالة ليسا مدعومين. فإبراهيم أصلان مثلاً سبق له أن اعتذر عن حضور الندوة في أول اتصال معه لاستفادته حالياً من منحة تفرغ في ألمانيا، ثم عاد وأكد مشاركته بعد أن ثبت لديه أن مدة التفرغ ستنقضي قبل موعد اللقاء الروائي في الرباط. وعاد مرة أخرى، في رسالة بالفاكس، ليجدد اعتذاره عن الحضور بعدما تمّ تمديد فترة تفرغه. كل هذا جرى قبل زيارة وزير الخارجية الاسرائيلي للمغرب. وبالتالي، فإن موقفه الجديد بمقاطعة ندوة اعتذر عن حضورها سابقاً يبدو غاية في الطرافة. هذا فيما سبق للكاتب محمود أمين العالم أن بعث بدوره باعتذار مكتوب الى اللجنة التحضيرية لندوة الرواية طرح فيه أنه يُفضل المشاركة في الندوة الفكرية التي ستحتضنها الرباط في كانون الأول ديسمبر المقبل في موضوع "حوار الثقافات" على اعتبار أن هذا الموضوع يهمه أكثر، خصوصاً أنه لم يعد يشتغل على الرواية كما في السابق. أما في ما يخص الأديب جمال الغيطاني الذي ورد في بعض الصحف أن اعتذاره الهاتفي جاء في السياق نفسه الذي بُعثت فيه الرسالة، فأكد المشرفون على الندوة ل"الحياة" أن اعتذاره كان هاتفياً طبعاً ولكن قبل ستة أشهر، أي في أول اتصال لهم معه، وذلك بسبب ظروفه الصحية. إذاً، كيف عادت هذه الاعتذارات القديمة لأدباء لم يعد ينتظرهم أحد هنا في الرباط لتصنع الحدث بهذه الطريقة الاستعراضية التي صيغت بها الرسالة وبعثت بها إلى الصحافة أولاً لتصنع ضجيجاً سياسياً وإعلامياً مفتعلاً لا يعكس أي قلق ثقافي وسياسي مسؤول. هذا فيما يؤكد المغاربة أنهم يجهلون تماماً مَنْ هم الأطراف المستفيدون من هذه الضجة. طبعاً لا أحد هنا سيصدق حكاية فلسطين والغيرة على مصالح الشعب الفلسطيني. ويبدو أن المثقفين مُصرُّون هم أيضاً، إسوة بالسياسيين، على التلاعب بها والزّج بها في سجالات لا تفيد هذه القضية. وهناك أيضاً شبه إجماع في أوساط المثقفين في المغرب على أنَّ رسالة الأدباء المصريين لا تنتصر لأية قضية بقدر ما تُزايد على الجميع. وإلا فإن من يرفض المشاركة في ندوة أدبية في عاصمة مرّ بها يوماً وزير خارجية الكيان الصهيوني، وهي الزيارة التي قوبلت باستياء شعبي كبير هنا في المغرب، عليه أن يتوقف عن إحراج الآخرين بدعوتهم إلى ندواته ومؤتمراته، خصوصاً أن وزير خارجية إسرائيل مُقيم عملياً في شكل دائم في القاهرة، من خلال سفارة بلده هناك. لكنّ الأدباء العرب، والمغاربة من بينهم، يتفهمون الحَرَج الذي يشعر به المثقف المصري التقدمي النظيف إزاء الاختيارات السياسية لحُكامه، لذا فهم لا يحاسبونه عليها. وكان الأجدر بمُوقِّعي الرسالة أن يتضامنوا مع المثقف المغربي الرافض مبدئياً أي تطبيع مع إسرائيل بدلاً من معاقبته في هذا الشكل الذي سيجعله ضحية مرتين: مرة لأن حُكامه وَرَّطوه في مأزق مُشين فعلاً باستضافتهم وزيراً صهيونياً في عزّ الهجمة الشرسة التي يقودها شارون على الشعب الفلسطيني، ومرة أخرى لأن أدباء مصر المحروسة الذين كان يفترض بهم أن يكونوا في طليعة المتضامنين معه عاقبوه على جرم لم يرتكبه. وكان بالأحرى، كما أكد حسن نجمي رئيس اتحاد كتاب المغرب ل"الحياة": "لو أن إخواننا المصريين ساندونا في هذه اللحظة بالذات بدلاً من أن يزايدوا علينا". وأضاف نجمي قائلاً: "إننا صراحة مصدومون في اتحاد الكتاب من هذا الموقف الغريب الذي يستهدف في العمق نسْفَ لقاء نقدي وفكري عربي نابع من سيرورة ثقافية وجمالية في الأساس، ويشرف على تنظيمه إطار ثقافي عربي ذو توجهات تقدمية معروفة، واستقلالية يشهد بها الجميع. كما أنّ له ميثاق شرف ظل يربطه بأفق النضال العربي الفلسطيني ضد كل التوجهات والمخططات الصهيونية المقيتة. وله في هذا الإطار مُنازلات وإسهامات فعلية لمواجهة مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني. وبالتالي فإن اتحاد كتاب المغرب لا يقبل مزايدة أحد، خصوصاً في ما يتعلق بموقفه من إسرائيل". ولكن في الوقت ذاته أكد نجمي أن الاتحاد "يأمل أن يحضر جميع ضيوفنا من الأشقاء العرب وضمنهم الإخوة المصريون للتداول في ما يهُمُّ مشروعنا الإبداعي والأدبي وتجديد أسئلته واجتهاداته. وإذا كان لهم من موقف تجاه إسرائيل ككيان صهيوني فاشي توسعي، أو تجاه أي شكل من أشكال التطبيع مع هذا الكيان الدموي، أو حتى من زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى المغرب، فلنتخذه جميعاً كأدباء هنا في الرباط على أرض المغرب ليتأكدوا بالملموس من أنَّ اتحاد كتاب المغرب ما زال إطاراً حُراً مستقلاً لا يمكن أيّ جهة أن تضعه في جيبها". وعبْرَ "الحياة" جدّد نجمي دعوته لأدباء مصر قائلاً: "تعالوا إلى الرباط إذاً لنختبر أنفُسنا جميعاً على مستوى الموقف وعلى مستوى الاجتهاد الفكري والأدبي". ولعل ندوة الرباط حول "الرواية العربية في نهاية القرن" التي صاغ برنامجها اتحاد كتاب المغرب تُعتبر استئنافاً لندوة "آفاق الرواية العربية الحديثة" التي سبق أن نظمها الاتحاد في فاس سنة 1979، واعتُبِرَت في حينه ندوة مرجعية ذات أهمية بالغة. ويأمل المنظمون لندوتهم الجديدة النجاح الذي حققته سابقتها، وهو نجاح مُتوقع بسبب جدية الأسئلة النقدية التي تطرحها وأيضاً لقيمة الأسماء المشاركة.