تحيي مدينة نورمبرغ جنوبألمانيا اليوم ذكرى بدء المحاكمات التاريخية للنازيين التي شهدتها قبل 60 عاماً والتي كانت الاولى لقادة دولة متهمين بجرائم حرب وضد الانسانية، وسمحت بتطوير القانون الدولي. وقال ارنو هامبرغر المسؤول في الطائفة اليهودية في نورمبرغ:"للمرة الاولى لم يعد قادة الدولة يستطيعون الاختباء وراء حصانتهم". وفي كانون الاول ديسمبر 1946، اي بعد عام واحد من المحاكمات التي بدأت في 20 تشرين الثاني نوفمبر 1945، اصبح القانون الذي طبق في نورمبرغ قانوناً دولياً تحت اسم"مبادئ نورمبرغ"التي استوحيت منها فكرة اقامة محكمة جنائية دولية. ومثل قادة النظام النازي امام المحكمة في غياب هتلر، بثلاث تهم هي ارتكاب"جرائم ضد الانسانية"و"جرائم حرب"و"جرائم ضد السلام". وبطلب من الولاياتالمتحدة التي كانت القوة المحتلةلجنوبألمانيا، اختار الحلفاء نورمبرغ التي شهدت اكبر تجمعات النازيين مكاناً للمحاكمة. وقال استاذ التاريخ المعاصر في نورمبرغ راينهارد دوريس:"لا يمكن ان ننسى انها كانت مدينة هتلر"، مؤكداً ان ما حصل فيها لا ينظر اليه سكانها الحاليون بارتياح. واوضح"انهم مثل كثيرين من الالمان الآخرين لا يحبون العودة الى الماضي". واصطدم اختيار نورمبرغ برفض ستالين الذي كان يرغب في ان تنظم في برلين محاكمات اقرب الى الدعاية وسريعة على الطريقة السوفياتية. ومن اجل انتزاع موافقة ستالين، اعلنت برلين المقر الرسمي والافتراضي للمحكمة. وفي افتتاح الجلسات في تشرين الثاني 1945، اتخذت اجراءات امنية استثنائية، وانتشرت الدبابات في الشوارع خشية هجمات من جانب مجموعات نازية صغيرة. وربطت المحكمة عبر نفق تحت الارض بالسجن الذي خضع المعتقلون فيه لمراقبة متواصلة، لكن ذلك لم يمنع الرجل الثاني في النظام النازي هرمان غورينغ من الانتحار بالسم في 15 تشرين الاول اكتوبر 1946 عشية تنفيذ الحكم بإعدامه. ومن دون بزاتهم العسكرية، اثار مجرمو الحرب النازيون الذين مثلوا امام المحكمة الشفقة، وذلك في جلسات اختير الحضور فيها بعناية، وبينهم نحو 350 صحافياً وكاتباً منهم الاميركيان جون شتاينبك وارنست همنغواي والالماني اريش كيستنر. كما حضرها ألمان آخرون بينهم ماركوس ولف الذي اشتهر بعد ذلك في قضية تجسس لحساب ألمانياالشرقية، وفيلي برانت الذي اصبح مستشاراً لألمانيا الاتحادية الغربية. ومنذ بداية المحاكمة التي شارك فيها نحو ألف شخص بإدارة القاضي الاميركي روبرت جاكسون، وترجمت كل جلساتها باللغات الالمانية والانكليزية والفرنسية والروسية، اكد المتهمون انهم"بريئون". لكن فيلماً صوره الحلفاء في احد معسكرات الاعتقال النازية كشف بسرعة ابعاد الجريمة. واثارت افلام اخرى استياء كبيراً بينها فيلم صوره السوفيات في معسكري الاعتقال في اوشفيتز ومايدانيك. وحده البرت شبير الذي كان مهندساً معمارياً يعمل لدى هتلر، اعترف بجزء من المسؤولية، لكنه اكد انه لم يكن على علم بخطط القتل التي وضعها النظام. وقد نجا من عقوبة الاعدام التي صدرت في حق 11 من المتهمين. ومحاكمات نورمبرغ لا سابق لها في كل المقاييس، اذ تضم محاضرها اربعة ملايين كلمة و7300 متر من الافلام، وقد جمعت في 22 مجلداً وتشمل 300 ألف شهادة تحت القسم و6613 من قطع الادلة و236 شاهداً خلال المحاكمة. وتستخدم"القاعة 600"التي أجريت فيها المحاكمات حالياً لمحاكمات في قضايا جنائية، ويزورها نحو مئتي ألف شخص سنوياً.