أتوقع للدكتورة كوندوليزا رايس نجاحاً كبيراً في وزارة الخارجية الاميركية، فهي من ناحية مجتهدة وذكية، ومن ناحية اخرى تحظى بثقة الرئيس جورج بوش، وتبادله ولاء بولاء. ومع هذا وذاك فهي يمينية مستقلة، وليست من المحافظين الجدد الذين خطفوا السياسة الخارجية الاميركية وسخروها لخدمة اسرائيل على حساب المصالح الاميركية. الدكتورة رايس أبدت في مقابلة صحافية اسرائيلية يوماً اعجابها باسرائيل وبصلابة شعبها، الا انها ايضاً لا تتردد، وهي تنتقد مواقف ابو عمار، في انتقاد السياسة الاسرائيلية ازاء الفلسطينيين، وانتقاد الجدار الامني. وهي قالت في اول اجتماع لها مع موظفي وزارتها ان الامن للاسرائيليين والفلسطينيين لن يتحقق من دون قيام دولة فلسطينية. وفي جلسة تثبيت اختيارها وزيرة كانت صادقة مع نفسها فرفضت الالتزام بموعد لسحب القوات الاميركية من العراق، مكررة موقفاً أبداه الرئيس بوش في مقابلة مع"واشنطن بوست"قبلها بأسبوع، وكرره بعد الانتخابات العراقية، وفي خطابه عن حالة الاتحاد، ثم رفضت الالتزام بأكثر من وجود"فرصة مواتية للسلام"في الشرق الاوسط، مع وعد بأن تحاول جهدها. وأستطيع ان انتقد عبارات لها، الا ان العبرة بالتنفيذ. لا يعني ما سبق انني اتوقع ان تنهي الوزيرة النزاع الفلسطيني ? الاسرائيلي، وأنا اكتب وهي ستزور المنطقة بعد اوروبا، فأنتظر التفاصيل والمتابعة، وهناك وعد جورج بوش المستمر بقيام دولة فلسطين المستقلة جنباً الى جنب مع اسرائيل، ومهمة الدكتورة رايس ان تسعى في وزارتها لتنفيذ سياسة الرئيس، وأنا اتوقع ان تكون عادلة معتدلة، وان تحاول جهدها، فربما قربت الحل، ان لم تصل اليه، والحكم النهائي لن يكون على جهدها وحدها، بل على مدى مساعدة الفلسطينيين لها في تنفيذ المطلوب منهم، ومدى استعداد حكومة متطرفة في اسرائيل للمضي في طريق السلام، بدل وضع العراقيل، ومحاولة اغتيال السلام في كل فرصة ممكنة. اليوم اتحدث عن الدكتورة كوندوليزا رايس في بدء حلقات جديدة عن المحافظين الجدد، بعد تراكم مادة مهمة عنهم على طاولتي تزامنت مع حلقات لتلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية عنهم بعنوان"قوة الكوابيس"بثت للمرة الاولى في تشرين الاول اكتوبر، واستقبلت بحماسة من المتفرجين الذين ارسلوا الى التلفزيون اكثر من ألفي رسالة الكترونية تطالب باعادة البث، وكان أن استجابت هيئة الاذاعة البريطانية، وبثت الحلقات الثلاث مرة ثانية في 18 و19 و20 كانون الثاني يناير. سأعود الى الحلقات في هذه السلسلة وكنت اقول اليوم انه عندما اختار الرئيس بوش الدكتورة رايس وزيرة للخارجية خلفاًَ لكولن باول كتبت في هذه الزاوية مرحباً باختيارها، وتوقعت لها نجاحاً اكثر من سلفها، كما توقعت ان تبتعد عن المحافظين الجدد في وزارتها. وهي بالفعل لم تخيب املي، فقد استبعدت جون بولتون، وكيل الوزارة للحد من التسلح والامن الدولي، الذي رشحته العصابة نائباً لها. وقد اعتبرت بولتون الذي يشبه حيوان البحر و"الروس"بشنبه الهابط على فمه كشلال، وحجمه، من أسوأ المحافظين الجدد، فعداوته تتجاوز الفلسطينيين الى العرب والمسلمين، وهو اسرائيلي الهوى بالكامل. وكان مرة وصف كوريا الشمالية بأنها"كابوس جهنمي"وردت عليه بأنه"حثالة". ولم اتفق مع كوريا الشمالية او بولتون الا في وصفهما احدهما الآخر. الدكتورة رايس اختارت روبرت زوليك نائباً لها، ولعل من القراء من يذكر اسمه عندما عمل اربع سنوات ممثلاً تجارياً للولايات المتحدة، وهو عمل اكسبه بعداً دولياً وخبرة تضاف الى ما اكتسبت الوزيرة في عملها اربع سنوات مستشارة للأمن القومي. وفي حين قرأت ان تعيين زوليك ليس نصراً لجناح برنت سكوكروفت، مستشار الامن القومي السابق المعتدل، في الحزب الجمهوري، فإنه هزيمة للمحافظين الجدد مع تفضيل زوليك التحالفات والتفاوض، على استعمال القوة بانفراد كما يريد امثال بولتون. واختارت الدكتورة رايس نيكولاس بيرنز وكيل وزارة للشؤون السياسية، وهو ديبلوماسي محترف ومعتدل صاحب خبرة طيبة اكتسبها من عمله في اوروبا، كما اختارت روبرت جوزف ليخلف بولتون. وهذا ايضاً ديبلوماسي محترف قريب في تفكيره من زوليك وبيرنز. نيكولاس بيرنز غير وليام بيرنز، المبعوث الى الشرق الاوسط. يبدو ان الوزيرة قررت ان تبدأ عملها بمحاولة اصلاح العلاقة مع اوروبا، وهي ستلقي خطاباً سياسياً رئيسياً في باريس الثلثاء المقبل، كما ان الرئيس بوش سيزور المستشار الالماني غيرهارد شرودر، هذا الشهر بعد ان يتوقف في مقر حلف ناتو في بروكسيل، وربما زار الرئيس جاك شيراك او استقبله في البيت الابيض بعد ذلك. كوندوليزا رايس تتكلم الفرنسية، وقد حاولت يوماً ان تكون عازفة موسيقى كلاسيكية قبل ان تختار العلاقات الدولية، حيث خبرتها الاصلية في الاتحاد السوفياتي، وهي خبرة نبهت برنت سكوكروفت اليها، فعملت معه في مجلس الامن القومي عندما عيّنه جورج بوش الأب سنة 1989، قبل ان تعود الى جامعة ستانفورد بعد سنتين. رئيس الجامعة غيرهارد كاسبر اختارها عميدة للجامعة وعمرها 38 سنة، وبقيت في منصبها، وهو الثاني بعد الرئيس، ست سنوات، حتى 1999، وهي اشرفت على الموازنة والمناهج، فأدارت موازنة تبلغ 1.5 بليون دولار في السنة، مع 1400 موظف وأكاديمي و14 ألف طالب. وقد اثار صرفها موظفين وخفضها النفقات عداء لها وانتقادات، الا انها كانت بحاجة الى وقف عجز الموازنة. كوندوليزا رايس انتقلت من برمنغهام في الاباما الى الجامعة في دنفر، بولاية كولورادو، ومنها الى جامعة ستانفورد الكبرى، ثم مجلس الامن القومي، وعادت الى الجامعة، ثم انضمت الى فريق جورج بوش الابن ولا تزال. وهي نجحت بذكائها واجتهادها قبل أي شيء آخر. مهمتها الجديدة ليست ان تنقل البيت الابيض الى وزارة الخارجية بل ان تنقل الوزارة الى البيت الابيض، وهي لا بد من ان تحاول جهدها"تطويع"الوزارة لتنفيذ اجندة الرئيس. والصعوبة ليست فقط مع الديبلوماسيين المحترفين، فهي اقرب الى الرئيس من غيرها، وتستعمل ثقته في شكل جيد، الا انها تواجه ايضاً تحالف ديك تشيني ودونالد رامسفيلد، ومعهما المحافظون الجدد وأجندتهم الاسرائيلية. وكوندوليزا رايس اقوى من تشيني وحده او رامسفيلد وحده، الا انهما مجتمعين اقوى منها كما تبين في السنوات الاربع الاخيرة.