تركي آل الشيخ يعلن عن شراكة استراتيجية مع "BOXXER"    مروان الصحفي يكتب التاريخ في الكرة البلجيكية    النصر ينجو من الشباب    هل يسير «إخوان» الأردن على خطى حماس ؟    بوتين: السعودية المكان المناسب لعقد قمة السلام    شرطة الرياض تباشر ادعاء طفل تعرضه للاعتداء    ضبط 6 إثيوبيين في عسير لتهريبهم (120) كجم "قات"    2522 دار نشر في معرض الشارقة للكتاب    الجمعية الجغرافية الملكية تقيم معرض "نهضة الجزيرة العربية"    الرياض تستضيف «معركة العمالقة».. غداً    الهلال «العالمي» يكتسح الفيحاء بسهولة ويبتعد بالصدارة بالعلامة الكاملة    في انتقاد نادر... ميقاتي يندّد بتدخل إيراني "فاضح" في شؤون لبنان    رئيس الوزراء البريطاني: مقتل السنوار «فرصة» لوقف إطلاق النار    محمية الملك سلمان... ملاذ آمن وبيئة خصبة لتكاثر غزال الريم    مفتي موريتانيا: مسابقة خادم الحرمين لحفظ القرآن لها أهمية بالغة    2,603 طلاب وطالبات من تعليم جازان يؤدون اختبار موهوب1    يتقاسمان الولايات المتأرجحة.. الفارق يضيق بين هاريس وترمب    فريق أنوار التطوعي يفعِّل اليوم العالمي لسرطان الثدي بمستشفى بيش العام    "خويد": أول جمعية متخصصة للفنون الأدائية والمسرح في المملكة    المعرض الأول لسفرجل بالعارضة بجازان    اللجنة الدولية للتحقيق تدعو إلى إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية    «الزكاة والضريبة والجمارك» تحبط تهريب 1.2 مليون حبة كبتاجون بمنفذ «حالة عمّار»    خطيب المسجد النبوي: القلب ملكُ الجوارح وسلطانه فبصلاحه يصلُحون وفسادهم بفساده    خطيب المسجد الحرام: يتعجل المرء في الحكم بين المتنازعين قبل التبين    الأحمدي يكتب.. الهلال وتحديات المستقبل!    السياحة السعودية تعزز حضورها الدولي وتستهدف الصين    ارتفاع سعر الروبل مقابل العملات الرئيسية    ارتفاع أسعار النفط إلى 74.45 دولار للبرميل    فريد الأطرش .. موسيقار الأزمان    «صرخات مؤلمة».. تكشف مقتل الطفلة سارة    «إندبندنت»: النساء بريئات من العقم.. الرجال السبب!    لصوص الأراضي.. القانون أمامكم    الدفاع المدني ينبه من استمرار هطول الأمطار الرعدية على بعض مناطق المملكة    «تحجّم».. بحذر!    اللثة.. «داعمة الأسنان» كيف نحميها؟    ذاكرة الهلال لن تنساني    الابتعاث للدراسة الأكاديمية للباراسيكولوجي    مفهوم القوة عند الغرب    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً عن هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية    «وقاء نجران» يشارك في مهرجان مزاد الإبل بأعمال الفحص والتقصي    المساقي عليها تضحك العثّري    أبسط الخدمات    التسويق الوردي!    تركي بن طلال.. العاشق المحترف    عبدالرحمن يحصد ذهبية الاسكواش بالألعاب السعودية    الدولار يدخل معركة الرئاسة الأمريكية    الحضور السعودي «أوروبياً» .. لردم هوة العثرات العالمية    محمية الشمال للصيد.. رؤية الحاضر بعبق الماضي    إنفاذًا لتوجيهات القيادة .. تمديد فترة تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة على مرتكبيها    برقية شكر للشريف على تهنئته باليوم الوطني ال94    تجمع الرياض الصحي الأول يطلق فعاليات توعوية بمناسبة "اليوم العالمي للإبصار"    متوفاة دماغيًا تنقذ ثلاثة مرضى في الأحساء    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الخامسة لمساعدة الشعب اللبناني    نباح من على منابر الشيطان    السعودية إنسانية تتجلى    نائب أمير تبوك يستقبل أعضاء جمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليا    أمين الطائف يقف على المشاريع التطويرية بالمويه وظلم    26 من الطيور المهددة بالانقراض تعتني بها محمية الملك سلمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تنجح قمة الجزائر في ما عجزت عنه قمة تونس ؟ تقادم الجامعة العربية ومحاولات الإصلاح المتعثرة
نشر في الحياة يوم 28 - 02 - 2005

القرارات الهزيلة التي تمخضت عن اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد اخيراً في القاهرة وأبرزها انشاء برلمان عربي موحد في اطار ما يطرح في شأن اصلاح الجامعة العربية، تؤكد من جديد اخفاق الدول العربية في تبني اجراءات حقيقية على هذا الصعيد، ومن باب اولى ما يخص عملية الاصلاح الداخلي في هذه الدول نفسها.
وما يعزز الاعتقاد بعدم جدية الدول العربية في تعاطيها مع قضية اصلاح الجامعة، اخفاق الوزراء في الاتفاق على قضايا شكلية اخرى اكثر تعقيداً بعض الشيء مثل اعادة هيكلة الجامعة ونظام التصويت فيها مما يوحي بأن قمة الجزائر في آذار مارس المقبل لن تحمل نتائج افضل مما صدر عن قمة تونس الماضية، وسيلجأ القادة العرب من جديد الى اسلوب التأجيل والتسويف في التعاطي مع استحقاقات الاصلاح.
وعلى رغم ان معظم المنظمات الاقليمية في العالم الثالث اخفقت في التعامل بنجاح وفاعلية سواء مع الازمات الطارئة ام التحديات الرئيسة المستديمة على المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن جامعة الدول العربية ربما كانت اكثر منظمة تعرضت للنقد من جانب ابناء جلدتها طوال نصف القرن المنصرم خصوصاً كلما واجه العرب ازمات وتحديات كبيرة.
ولعل هذا الميل الى جلد الذات هو سمة عربية معاصرة بامتياز نتيجة الاخفاقات المتواصلة التي يمنى بها النظام العربي على المستويات كافة. وشكلت الجامعة العربية دريئة رئيسة لتنفيس الاحتقانات الناتجة عن هذه الاخفاقات، في وقت يعكس حال هذه الجامعة بدوره الأداء المتدني للنظام السياسي العربي الذي لم يراكم طوال عقود مديدة أي انجازات يمكن البناء عليها حاضراً ومستقبلاً.
وتشير المعطيات الى انه من اصل من اكثر من 70 نزاعاً بين الدول العربية لم تنجح الجامعة العربية في المساعدة على حل سوى ستة او سبعة نزاعات. والملاحظ ان غالبية التدخلات الناجحة نسبياً للجامعة في النزاعات العربية كانت خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي أي في ذروة المد القومي الذي بدأ يتقلص بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل، ثم ما لبث ان تلقى ضربات شبه قاتلة مع حروب العراق المتوالية اعتباراً من مطلع الثمانينات. وكانت اولى التدخلات الناجحة عام 1950 عندما اعترض الوفد الفلسطيني لدى الجامعة على ضم الحكومة الاردنية الضفة الغربية بعد اعلان الملك عبدالله اقامة دولة هاشمية موحدة تحت زعامته. ونجحت الوساطة العربية التي قادها آنذاك العراق ولبنان في احتواء الخلاف ولو موقتاً كما نجحت جهود الجامعة في احتواء الموقف بين العراق والكويت عقب استقلال الاخيرة عام 1961 حيث لاحت ملامح غزو عسكري عراقي للكويت بعد اعتبار بغداد الكويت جزءاً من العراق.
وساهمت الجامعة ايضاً في تخفيف التوتر بين سورية ومصر عام 1961 بعد فشل مشروع الوحدة بينهما وحدوث الانفصال. وكان لجهود الجامعة اثر ايجابي في تطويق الحرب الاهلية في اليمن في الستينات من القرن الماضي وفي المساعدة على ارسال "قوات ردع عربية" الى لبنان لوقف الحرب الاهلية التي اندلعت في هذا البلد في منتصف سبعينات القرن الماضي، وان كانت هذه القوات تحولت سريعاً الى قوات سورية خالصة.
ويمكن الاشارة ايضاً الى ان الجامعة نجحت في عزل مصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد عام 1978. وفي المقابل كانت للجامعة العربية اخفاقات كثيرة على الصعيد السياسي لعل ابرزها موقفها الضعيف وغير المؤثر في الازمة بين العراق والكويت مما فتح الباب على مصراعيه لتدخل القوى الخارجية الامر الذي انتهى الى احتلال بلد عربي رئيس من جانب القوات الاميركية والبريطانية. وعلى رغم ان النصوص الاساسية للجامعة تنص على السعي الى تحقيق وتطوير التعاون العربي في جميع المجالات الا ان الجوانب السياسية كانت هي الطاغية على انشطة الجامعة العربية طوال هذه الفترة، وكل القمم العربية التي عقدت في ظل الجامعة العربية وبلغت حتى الآن 28 قمة كانت مخصصة لبحث قضايا سياسية غالباً ما تكون لها صفة الاستعجال بدليل ان 20 من هذه القمم كانت استثنائية وثمانية فقط عادية.
وفي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، نجد ان الاخفاقات اكثر وضوحاً اذ لم يتحقق شيء يذكر في هذه المجالات على رغم انشاء عشرات المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية صدرت عنها مئات القرارات لكنها ظلت حبراً على ورق.
وصدر اول قرارات التعاون الاقتصادي عن الجامعة العربية عام 1950 أي قبل قيام الاتحاد الاوروبي بسبع سنوات، لكن لم تتحقق خطوات فعلية خلال نصف القرن المنصرم ولم تنجز حتى الآن منطقة التجارة العربية الحرة في حين تقترب دول الاتحاد الاوروبي من تحقيق الاندماج الاقتصادي الكامل. واتضح حتى الآن ان اسلوب الازالة التدريجية للعوائق التجارية بين البلدان العربية لم يكن مجدياً بالنظر الى التشابه الشديد في بنية الاقتصادات العربية.
كما ان غياب القطاع الخاص عن تجربة التكامل الاقتصادي ترك المسألة بيد المبادرات الحكومية التي تعمل وفق وتيرة متذبذبة ومرتبطة غالباً بالمتغيرات السياسية.
ولعل النقطة المضيئة الوحيدة او التي كانت مضيئة حتى سنوات قليلة خلت في العمل العربي المشترك هي مقاطعة اسرائيل التي نجحت كما تشير معطيات عدة تكبيد الدولة العبرية خسائر كبيرة تفوق 40 بليون دولار.
إصلاح الجامعة
هذه الاخفاقات دفعت على الدوام السياسيين والمفكرين العرب الى محاولة البحث عن العلة في عدم فاعليات العمل العربي المشترك سواء في النصوص او في التطبيق. وتنطلق المقاربات المطروحة في شأن اصلاح الجامعة العربية من ثلاثة بدائل يدعو الاول الى تحقيق اصلاح ثوري وإعادة بناء النظام الاقليمي العربي جذرياً بما يفضي الى قيام سوق عربية واحدة ومنظومة أمنية وسياسية مشتركة مستلهماً التجربة الاوروبية في قيام اتحاد عربي حقيقي.
غير ان هذه الدعوات وعلى رغم استنادها الى احلام مشروعة في تحقيق الوحدة العربية، الا انها غير متوافقة مع المعطيات العربية الراهنة التي تجعلها تبدو كضرب من الخيال الجميل.
والخيار الثاني يركز على اجراء اصلاحات محدودة لنظم ومؤسسات الجامعة العربية في الجوانب الادارية والتنظيمية والمالية.
أما الخيار الثالث الذي يشكل مضمون المبادرة الرئيسة المطروحة المصرية ? السعودية ? السورية فإنه يدعو الى اصلاح واقعي متدرج ولكن بايقاعات ووتائر متباينة تركز على التكامل الاقتصادي والشراكة التقنية والتنسيق الثقافي والتربوي تجنباً للاشكالات السياسية والأيديولوجية التي غالباً ما تقسم ولا توحد.
وبوجه عام تتضمن معظم المبادرات والافكار المطروحة في شأن اصلاح الجامعة العربية مجموعة من الافكار والأسس المتصلة بقضايا سياسية وتنظيمية وقانونية وادارية. ولعل من ابرز هذه القضايا.
ميثاق الجامعة: خلال ستين عاماً من عمر الجامعة لم يطرأ أي تغيير على ميثاقها الاساس على رغم تغير الظروف الاقليمية والدولية في شكل هائل في حين نجد ان منظمة حيوية مثل الاتحاد الاوروبي خضعت خلال عمرها وهو اقل من عمر الجامعة العربية الى تغييرات متوالية في دستورها وقوانينها الداخلية كي تتوافق دوماً مع المتغيرات والتطورات الحاصلة.
وتمحورت المبادرات والافكار الكثيرة حول تطوير الجامعة والارتقاء بمؤسساتها حول ثلاثة بدائل رئيسة هي: إما إلغاء الميثاق الحالي للجامعة وصوغ ميثاق جديد تماماً بدلاً عنه او إدخال تعديلات جزئية عليه، او الابقاء على الميثاق كما هو مع اضافة ملحق او ملاحق، على غرار ما حدث بالنسبة الى مسألة دورية القمة العربية.
نظام التصويت: لعل النقطة الابرز التي لا تكاد تخلو مبادرة اصلاحية من ذكرها هي نظام التصويت الذي يعتمد على الاجماع وليس الغالبية ويعطي الحق للدول المعترضة في عدم التقيد بما يتخذ من قرارات. وهذا النظام ساهم في شل ارادة المنظمة لأنه منح القدرة لدولة واحدة او لدول قليلة على خرق الاجماع العربي وتعطيل ما يتخذ من قرارات تخص قضايا مصيرية.
وتدعو معظم المبادرات الاصلاحية الى البحث عن أساليب جديدة للتصويت تقيم توازناً مرناً بين اعتبارات سيادة الدول الاعضاء وموجبات العمل العربي المشترك. وتطرح المبادرة المصرية لاصلاح الجامعة العربية في هذا الشأن بعض الافكار البديلة مثل الاجتماعات التشاورية والتصويت بنظام توافق الآراء او بالغالبية الموصوفة او البسيطة، وامكان اعادة التصويت اكثر من مرة في شأن المقترح ذاته، في حدود اطر وضوابط معينة، "وصولاً الى ما يؤدي الى تجاوز الصعوبات التي ترتبت على النظام القائم، وبما يفتح المجال امام نظام جديد يتسم بالتوازن والمرونة".
آلية احتواء النزاعات: تركز معظم المبادرات المطروحة على مسألة ايجاد آلية لاحتواء النزاعات العربية وحلها قبل استفحالها ان أمكن الديبلوماسية الوقائية اضافة الى ايجاد نظام مكمل لمعالجة النزاعات القائمة او التي لم تنجح الديبلوماسية الوقائية في حلها وذلك عبر انشاء محكمة عدل عربية على غرار محكمة العدل الدولية.
وتم الاتفاق بالفعل خلال قمة القاهرة عام 1996 على انشاء آلية للوقاية من النزاعات وادارتها وتسويتها وأحيل هذا القرار الى مجلس الجامعة العربية الذي وضع تفصيلاته الكاملة. وأقر المشروع من جانب وزراء الخارجية العرب عام 2000 إلا انه لم ير النور حتى الآن.
السيادة الوطنية: ثمة تشديد في نصوص ميثاق الجامعة على مسألة الاستقلال والسيادة الوطنية للدول الاعضاء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى وغير ذلك من المفاهيم التي تكرس القطرية الشديدة في حين يستدعي نجاح العمل الجماعي بين تكتل من الدول ان تتنازل كل منها عن جزء من سيادتها الوطنية لمصلحة السيادة الجماعية او القومية وعن جزء من مصالحها الضيقة لصالح المصلحة العليا المشتركة لهذه الدول. وحتى الآن فإن معظم الدول العربية تتجه في مواجهتها لهذه التحديات الى تعميق علاقاتها مع القوى الكبرى المهيمنة خصوصاً الولايات المتحدة مفترضة ان المزيد من العلاقات الخاصة مع هذه الدولة سيشكل ضمانة لأمنها وسيادتها مما يقلص من فرص الخيار الآخر وهو تفعيل التعاون العربي وتطويره الى المستوى الذي يجعل من العرب قوة اقليمية لها وزنها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وقادرة على حماية نفسها والدفاع عن حقوقها.
ولا شك في ان هناك مخاطر عدة لربط معظم الدول العربية قضية استقرارها وتطورها بل وحتى وجودها للعلاقة مع الولايات المتحدة واستعدادها لتقديم تنازلات كثيرة من "سيادتها الوطنية" لمصلحة هذه العلاقة.
ولعل التطور الجديد هو اعلان واشنطن عدم استعدادها لمواصلة حماية أي انظمة مهما كانت حليفة اذا لم تجر "اصلاحات" وتغييرات داخلية عميقة طبقاً للمقاييس الاميركية بدءاً من تغيير مناهج التعليم لتتوافق مع "السلام" وتنبذ "الارهاب" الى قضايا حقوق الانسان والمرأة اضافة الى "تطهير" وسائل الاعلام من التعصب والكراهية والتحريض.
برلمان عربي موحد: وهي فكرة يركز عليها الامين العام للجامعة عمرو موسى ليضم هذا البرلمان ممثلين عن كل الدول العربية تبعاً لعدد سكانها، ولو ان الوزراء العرب اتفقوا في اجتماعهم الاخير على ان تمثل كل دولة بأربعة مندوبين يختارهم البرلمان المحلي في كل دولة عربية او ما يشابهه ويكون مقر هذا البرلمان في دمشق على ان يعقد دورتين في العام.
والواقع ان هذه الفكرة تتضمن قدراً عالياً من المثالية وربما الخيال او الترف الفكري باعتبار ان العديد من الدول العربية نفسها ليس لديها برلمان في بلادها. وحتى البرلمانات الموجودة تقوم على الاغلب بدور شكلي في الحياة الداخلية وليس لها دور حقيقي من الناحيتين التشريعية والرقابية لأنها خاضعة في شكل او بآخر للحكومات سواء بطريقة انتخابها أم بأدائها لعملها. ويرى المنتقدون للفكرة ان اقامة برلمان عربي لن يكون على الارجح سوى اضافة مؤسسة بيروقراطية اخرى لمؤسسات الجامعة العربية بلا أي عائدية حقيقية فضلاً عما تستهلكه من مصاريف اضافية في وقت تشكو الجامعة من قلة الموارد ومن عدم تسديد الدول الاعضاء التزاماتها المالية.
مجلس أمن عربي: ومن الافكار المطروحة ايضاً انشاء "مجلس أمن عربي" على غرار مجلس الامن الدولي يتكون ايضاً من خمس دول عربية رئيسة تمثل المناطق الجغرافية المختلفة. والارجح ان هذه المحاولة للتشبه بمجلس الامن الدولي قد لا يكتب لها النجاح ايضاً على الصعيد العربي ذلك ان الدول العربية الرئيسة، اذا افترضنا اتفاقها حيال قضية ما فإنها لا تملك عناصر الاغراء او الإكراه الكافية لإلزام بقية الاعضاء بما تتفق عليه خصوصاً في ظل ارتباط غالبية الدول الاعضاء بعلاقات خاصة مع الدول الكبرى مما سيجعلها تلجأ الى تلك العلاقات في حال تعرضت لمحاولة عزل او اكراه للسير في اتجاه محدد لا يناسبها او لا يناسب القوى الكبرى التي تحميها فضلاً عن ان الدول العربية الرئيسة التي يفترض ان تشكل مجلس الامن المستهدف ليس هي نفسها بمنأى عن الضغوط والاختراقات الخارجية.
ويميل البعض الى الاعتقاد بأن المقاربة الاكثر واقعية هي التشبة بالاتحاد الاوروبي وليس مجلس الامن اذ عملت دول الاتحاد على تحقيق خطوات واسعة في مجال التكامل الاقتصادي مما مهد لبروز مؤسسات سياسية وأمنية مستندة الى ما تحقق من انجازات في الجانب الاقتصادي وليست سابقة لها.
غير ان ذلك لا ينفي اهمية وجود زعامة ثلاثية او خماسية تقود الدول العربية على غرار الاتحاد الاوروبي فرنسا ? بريطانيا ? ألمانيا. وفي الساحة العربية تحاول مصر والسعودية وسورية التصدي لمثل هذا الدور القيادي من اجل تحديد المسار الرئيس للتحرك العربي وايجاد قوة دفع لبقية الاعضاء.
عوامل داخلية وخارجية: وعلى رغم ان الحديث عن اصلاح الجامعة العربية قديم وبرز اكثر مع تسلم الأمين العام الحالي منصبه عام 2000، الا انه لا يمكن تجاهل الترابط بين تزايد وتيرة هذا الحديث وكثرة المبادرات المطروحة لاصلاح الجامعة، وبين ما تطرحه القوى الكبرى والولايات المتحدة في شكل رئيس من مشاريع وأفكار تغييرية واصلاحية خاصة بالمنطقة بالترافق مع احتلال العراق الذي قيل انه سيمثل "بصيغته النهائية" النموذج الاميركي للديموقراطية في الشرق الاوسط. ويجسد مشروع "الشرق الاوسط الكبير" التفكير الاميركي الجديد حيال العالم الخارجي والذي يكاد يتمحور برمته حول فكرة "مكافحة الارهاب"، أي ان خطط الاصلاح الاميركية المرتبطة بحرب الولايات المتحدة على الارهاب حفزت بدورها العرب على طرح مبادرات اصلاحية سواء على المستوى الداخلي ام في ما يخص الجامعة العربية مما يثير مخاوف من ان تكون المبادرات العربية مرتبطة بمستوى الضغوط الاميركية بحيث تتصاعد او تفتر وفقاً لحجم هذه الضغوط من دون امتلاك الرؤية او الارادة الكافية لانجاز عملية اصلاحية حقيقية.
والواقع ان ثمة الكثير من الشكوك ازاء المحاولات الاصلاحية العربية بما في ذلك اصلاح الجامعة العربية وهي شكوك تستند فضلاً عن الإرث غير المشجع عن مدى التزام العرب بما يتخذونه من قرارات او ما يتعهدون به من التزامات، الى البنى السياسية والاقتصادية الهشة للمجتمعات العربية حيث لا تزال تسود انماط متدنية من العلاقات السياسية تنتمي لحقب ما قبل الدولة الحديثة لجهة النفوذ القوي للقوى العشائرية والدينية والمذهبية والعائلية بينما تهيمن على الحكم وعلى الثروة نخب عائلية او عشائرية مدعومة من الجيش ومن القوى التقليدية المهيمنة في المجتمع.
وعلى هذا فإن الكثير من المراقبين يرون ان محاولات اصلاح الجامعة العربية قبل اصلاح الاوضاع الداخلية في الدول العربية سياسياً واقتصادياً، ربما تكون كمن يضع العربة امام الحصان بحيث تكون الشكوك مشروعة عن مدى قدرة انظمة متخلفة سياسياً واقتصادياً على الائتلاف في منظومة واحدة تتجاوز في تطورها المستوى الذي تقف عنده هذه الانظمة.
يضاف الى ذلك الظروف الخارجية غير المواتية في الاجمال خصوصاً لجهة التعقيدات التي يفرزها الصراع العربي - الاسرائيلي والتي تعوق ولا شك جهود الكثير من الدول العربية للالتفات الى قضاياها الداخلية، فضلاً عن الضغوط الاميركية على معظم هذه الدول للسير وفق أجندات معدة مسبقاً وتتعارض في الكثير من جوانبها مع المصالح العربية مما قد يدفع الحكومات الى القيام ب"إصلاحات" على مقاس المطالب الاميركية وليس تلبية لحاجات داخلية حقيقية.
كاتب وصحافي سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.