وأخيراً فقد ترجل القائد الملهم الباني والفارس اللبناني الأغر عن صهوة جواده، وهو في أوج عطائه وقمة نجاحه، حين امتدت يد الغدر والعدوان، بعد ظهر يوم الاثنين، الخامس من شهر محرم 1426ه الموافق 14 شباط فبراير لتنال من حياة الرئيس المغفور له والمرحوم باذن الله تعالى الشيخ الشهيد رفيق بهاء الدين الحريري أبو بهاء، رجل البر والخير، والاقتصادي العربي الكبير، ورجل الاعمال المتميز، ليسقط شهيداً وهو في الستين من عمره اثناء تأديته واجبه الوطني على ارض لبنان، ويوارى الثرى في باحة المسجد الذي شيده اخيراً باسم"محمد الأمين"، تكريماً للنبي محمد العربي الهاشمي صلى الله عليه وسلم في حضن بيروت التي عشقها وأحبها، وأنقذ كبوتها، وضمد جراحها البليغة، ولم شتاتها بعد فرقة ونزاع مريرين. وسقط من أجلها، ومعه كوكبة خيرة من المرافقين، وانني إذ أسجل بالغ تأثري بهذا المصاب الجلل، واستنكاري الشديد لهذه الجريمة النكراء، فإنني أتقدم بهذه القصيدة بصادق عزائي ومواساتي الحارة الى كافة ابناء الفقيد وكريمته وعقيلته وربيبته وشقيقه وعموم عائلة الحريري الكرام، وجميع اصدقائه والملايين من محبيه الكثر، والى الشعب اللبناني بكل طوائفه، والى الأمتين العربية والاسلامية والعالم اجمع، وأدعو الله ان يرحمه، ويغفر له، ويدخله فسيح جناته، انه سميع مجيب. من تعدى بنسف ركب الحريري / دون حس أو وازع من ضمير سوء فعل جنته آثام غدر / كي تطير الاشلاء بعد المسير ودماء الشهيد تنساب عطراً / ضوْعُ مسكٍ يفوحُ مثل العبير لستُ أنفي لدور باغٍ عميلٍ / والبيانُ البليغُ بينَ السطور لستُ أدري بأي شرع أباحوا / أن يجيزَ الجبانُ فتوى النكير أيُّ إثمٍ مدبّر في خفاءٍ / محضُ شرٍّ يُحاك من مستطير حين روحُ الفقيد بالورد تُرمى / لُطّختْ بالدماء أيدي الكفور إن قتل الأباة جرمٌ فظيعٌ / مِنْ حسود أو حاقدٍ كالبعير إن دينَ الإسلام منهم براء / حيثُ سفك الدماء فعلُ الحقير والرسولُ الكريمُ بالسّلم نادى / هُم تجنوا على البشير النذير حالُ لبنانَ هكذا ليسَ يحمي / لرئيس أو مُلهم أو وزير هو شهرٌ محرّم من يراعي / حرمة الدين في غياب الضمير يا رفيقاً أرسيتَ أركانَ مجدٍ / كيف تخشى مِنَ الجدال المُثير كُنتَ تشقى محاسباً ذا طموح / نِلتَ بالكدّ ميزاتِ المدير لم تغبْ عن رؤاكَ آلامُ صيدا / في رفاهِ الحياةِ بينَ القصور رغم جاه وثروة وكيان / ما تناسى الزعيمُ عهد الحصير يا ابن صيدا عشقت بيروت حقاً / يا شهيداً بحفظ رب غفور رُحتَ تشكو من قسوة الظلم فيها / عُدت تبني بفكر واع خبير فعمرت البلاد شرقاً وغرباً / وجنوباً بروح بان كبير لشمال الديار أعطيت قسطاً / طال أهل الحوار فعلُ الكثير وأقمت البيوت لله طوعاً / باسم خير العباد خثم المصير والمشافي أشدت طولاً وعرضاً / لشفاء الاسقام أو للضرير كنتَ تبني بكل صدقٍ وجد / والكسالى النيام فوقَ السرير كنتَ كالمهر جامحاً واصيلاً / وذوو الشائعات صنو الحمير فلذا الحاسدون في الظل عاشوا / في عراك لسلب مد الشعير ورفيق في البرّ والجود يمضي / باسط الكف من هبات القدير كان لبنانُ غارقاً في المآسي / ويقاسي من النزاع المرير عاش لبنان عصر حرب ضروس / في ضياع يعوز شروى نقير فأتاه الانقاذ من غير منِّ / ويد العون من وفاء الظهير وأُضيئت بيروتُ بالشمع نوراً / صرت يا شيخ كالشهاب المنير لألوف الطلاب أرسلتَ سعياً / في رحاب العلوم جني الوفير من سيؤوي الأيتام سراً وجهراً / من يقيلُ الغداة عوزَ الفقير ظل لبنانُ همّه منذ أضحى / فارسَ الجيل والوفيَّ الغيور ويحُ لبنانَ بعدهُ أينَ يهوي / مَنْ لبيروتَ بعدَه مِنْ نصير صلة الرحم للأقارب نهج / والصديق الأمين رمز الحبور يا رفيع الخصال والشأن تلقى / في نعيم الخلود عفو القدير لك عدنٌ بفضل هاد شفيع / حيث تحظى بحوض ماء النمير شيم البذل والسخاء ستعفي / لرفيق من لقح شمس الهجير عند عرض الوجوه لله أرجو / يوم حشر يفوز وجه النضير يا نديم الملوك أصبحت نداً / لولاة الامور ضمن الحضور كنتَ بالصبر سامقاً في شموخ / لك في الكون حظوة كالأمير من تنادى الى السياسة يقضي / أغلب العمر في المسار الخطير حام كالأسد في عرين المعالي / ليثُ غابٍ يصول بين النمور من تمادوا عليه بالإفكِ أدنى / ثم أعطى بوعي قلب البصير أمة العرب يا له من مصاب / جاء فعلاً من العيار الكبير فارس الصلح والوفاق توارى / كان دوماً لأمتي كالسفير وفدُ شيراك في العزاء تمنى / ان يسجى الفقيد بين الزهور يا لبيروت زلزلت تحت موج / ليت شعري قد حان يوم النفير إيه صيدا شاطرت أهليك حزني / وشعوري أبث عبر الاثير لشفيق وأخته فخر صيدا / كل حي مصيره في القبور ولهند ونازك وجمانا / فاض نبع الحنان مثل البحور من صفات الايمان بالله أولى / فرض لبس الخمار ضد السفور ان موت العزيز أصعب طور / في حياة النساء فقد العشير فغياب الحبيب اضحى أكيداً / من يطيق الفراق غير الصبور إن تغب يا رفيق فالكل فانٍ / أنت تبقى مهيمناً في الصدور إن عدل الإله لا بد آتٍ / حين يجثو الجناة باب السعير في عطاء الستين أردوك ظلماً / لن يضير البنين بذل الكثير لك فهد وايمن جلُّ نصحي / إن نبل الإخاء خيرُ الأمور وعزائي الى بهاء وسعدٍ / والثكالى من آل بيت الحريري لأبيكم يسيل دمعُ القوافي / بيراعي يئن صوتُ الصرير جاش بوحي عن شعب كنعان شعراً / برثائي حذوتُ حذو جرير إن تقوى الرحيم في كل شيءٍ / سوف تمحو لكل أمرٍ عسير الرياض - جميل بن محمد الكنعاني.