شتاء البر    «كهف الملح» من حلم القصب لواقع الاستجمام    «تهامة عسير» .. دعم السياحة البيئية    131 مليارا أرباح قطاع التجزئة في عام    100 ألف مستفيد من تمويل بنك التنمية الاجتماعية    تطبيق نظام الشرائح على ضريبة المشروبات المحلاة    المملكة تضخ مليونًا و401 ألف لتر ماء بمحافظة الحديدة خلال أسبوع    انفجار الإطار والسرعة الزائدة ساهما بحادث جوشوا    بيان السيادة.. حين تفصل الرياض بين عدالة القضايا وشرعية الوسائل    متحدث التحالف: سفينتا الإمارات كانتا تحملان 80 عربة وأسلحة وذخائر    خسارة ثقيلة للأهلي أمام المقاولون العرب في كأس رابطة المحترفين المصرية    الميزة الفنية للاتحاد    الاتحاد وانتصارات الدوري والنخبة    ضبط شخص بمنطقة مكة لترويجه (22,200) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    تعرف على مستجدات لائحة تقويم الطالب وأدلتها التنظيمية    إذاعة القرآن.. نصف قرن من بث الطمأنينة    «مساء الحِجر».. تاريخ العُلا    «جدة التاريخية».. وجهة سياحية جاذبة    منصات النحت    اعتراف خارج القانون.. ومخاطر تتجاوز الصومال    الاتفاق يوقف سلسلة انتصارات النصر    الصين تنتقد صفقة الأسلحة الأمريكية لتايوان    سر غياب روبن نيفيز عن قائمة الهلال أمام الخلود    الأهلي يفقد روجر إيبانيز أمام النصر    مجلس الوزراء: السعودية لن تتردد في مواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها الوطني    محافظ ضمد يزور جمعية دفء لرعاية الأيتام ويشيد بجهودها المتميزة    الشؤون الإسلامية بجازان تختتم الجولة الدعوية بمحافظة ضمد ومركز الشقيري    مدير تعليم الطائف يثمن جهود المدارس في رفع نواتج التعلّم    أمير الرياض يعزي مدير الأمن العام في وفاة والده    هل المشكلة في عدد السكان أم في إدارة الإنسان    وكالة وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية تشارك في التمرين التعبوي لقطاعات قوى الأمن الداخلي (وطن 95)    مبادرة رافد الحرمين تستأنف عامها الثَّالث بتدريب المراقبين الميدانيين    300 ألف متطوع في البلديات    قائد الأمن البيئي يتفقد محمية الملك سلمان    جيل الطيبين    حين يغيب الانتماء.. يسقط كل شيء    "الرياض الصحي" يدشّن "ملتقى القيادة والابتكار"    سماعات الأذن.. التلف التدريجي    الرئيس الأمريكي يلوح باقتراب السلام.. وزيلينسكي: ضمانات 50 عاماً على طاولة ترمب    بعد مواجهات دامية في اللاذقية وطرطوس.. هدوء حذر يسود الساحل السوري    ولادة مها عربي جديد بمتنزه القصيم الوطني    في كأس أمم أفريقيا بالمغرب.. تونس تسعى لعبور تنزانيا.. ونيجيريا تلاقي أوغندا    «عريس البراجيل» خلف القضبان    أندية روشن وأوروبا يتنافسون على نجم دفاع ريال مدريد    رجل الأمن ريان عسيري يروي كواليس الموقف الإنساني في المسجد الحرام    «الهيئة»أصدرت معايير المستفيد الحقيقي.. تعزيز الحوكمة والشفافية لحماية الأوقاف    7.5 % معدل بطالة السعوديين    افتتاح أول متنزه عالمي بالشرق الأوسط في القدية    محمد إمام يحسم جدل الأجور    التحدث أثناء القيادة يضعف دقة العين    معارك البيض والدقيق    الدردشة مع ال AI تعمق الأوهام والهذيان    انخفاض حرارة الجسم ومخاطره القلبية    القطرات توقف تنظيم الأنف    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "ابنتا الرسام" لغينسبورو : لوحات تؤرخ لحياة مزدوجة
نشر في الحياة يوم 21 - 02 - 2005

على رغم الحضور الكبير في عالم الفن التشكيلي لصديقه ومنافسه الكبير رينولدز، لا شك ان توماس غينسبورو كان - خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر - صاحب الاسم الكبير في الرسم في بريطانيا. الى درجة انه كان يقال: إذا كان رينولدز فناناً مكوناً من موهبة خالصة، فإن غينسبورو مكون من عبقرية خالصة. صحيح ان هذا الأخير عرف خصوصاً بالمشاهد الطبيعية التي انتج، ضمن اطارها، عشرات اللوحات الكبيرة الرائعة التي تزين اكبر متاحف وقصور العالم حتى اليوم، وتعتبر عادة من اهم ما انتجه فنان هاوٍ للمشاهد الطبيعية في تاريخ البشرية، غير ان غينسبورو خاض انواعاً اخرى من الرسم... بل انه نافس ايضاً صديقه رينولدز، في ميدان ارتبط به اسم هذا الأخير، رسم البورتريهات للصغار والأطفال. إذ نحن نعرف، من خلال اطلاعنا على تاريخ الفن، عادة، ان رينولدز هو الذي يعتبر اكبر رسام للأطفال من دون منازع، ونسخ لوحاته التي تمثل اطفالاً في شتى الأوضاع ومن شتى اطياف المجتمع وطبقاته، معلقة في ألوف البيوت، وحتى في بيوت اناس قد لا يعرفون شيئاً عن الرسام، او حتى اسمه. ومع هذا، حتى في هذا الميدان، ابدع غينسبورو اعمالاً فاق بعضها - على قلتها - بعض اعمال رينولدز. ومن هذه الأعمال لوحات عدة رسمها الفنان خلال النصف الثاني من خمسينات القرن الثامن عشر ولها موضوع واحد هو ابنتا الفنان مرغريت وماري.
ففي خلال تلك السنوات، كانت الفتاتان تكبران وتنضجان وتتحولان من سن الطفولة الى سن المراهقة فسن الصبا امام انظار ابيهما الرسام الذي كان مفتوناً بهما، لذلك راح يرسمهما لوحة بعد لوحة محدداً في كل لوحة علاقة جديدة لهما بالبيئة الطبيعية المحيطة بهما، جاعلاً من اللوحات، التي يوجد قليل منها الآن وفقد الكثير، ناهيك بوجود اسكتشات عدة تمثل الفتاتين، وأحياناً كلاً منهما على حدة، سجلاً لتاريخ طفولة ورصداً لمرحلة انتقالية في حياة كائنتين جميلتين.
اللوحة التي نحن في صددها هنا، تكاد تكون - بحسب مؤرخي غينسبورو ودارسي اعماله - الأخيرة في تلك السلسلة. ويبدو هذا واضحاً من خلال إدراك مشاهد اللوحة ان الفتاتين المرسومتين هنا لم تعودا طفلتين مثل فتاتي لوحة مبكرة في السلسلة للفنان هي"ابنتا الرسام تطاردان فراشة"، وهي لوحة رسمت باكراً وكانت مرغريت وماري بالكاد تقتربان من سن العاشرة. اللوحة التي لدينا هنا - والمعلقة اليوم في احدى قاعات المتحف البريطاني - عنوانها"ابنتا الرسام تداعبان قطة"، وهي رسمت - بحسب المؤرخين - بعد العام 1759، اي خلال المرحلة التي انتقلت فيها الأسرة، للمرة الثانية خلال تلك الحقبة، لتسكن في مدينة باث، قبل ان تتزوج كل من الفتاتين تباعاً ويكف الفنان عن رسمهما كطفلتيه المدللتين، وكالموديل الذي يمكنه عبر رسمه ان ينافس رينولدز.
من الواضح في هذه اللوحة، كما في معظم اعمال غينسبورو الأخرى من نوع"البورتريه"الفردية او الجماعية ان الرسام لا يتوقف ابداً عن ربط شخصياته بالطبيعة، حتى وإن كفت الطبيعة عن ان تكون طاغية في هذه اللوحة. واللافت هنا اكثر هو ان الفتاتين ظلتا - وعلى الأقل تحت نظرات الأب الرسام إليهما - تعبّران عن ذلك الحب الذي تكنه كل واحدة منهما تجاه الأخرى... انهما دائماً في لوحات ابيهما، في حال انسجام مع بعضهما البعض، تتضافر حال انسجامهما مع الطبيعة، كما مع الحيوان الذي يشكل دائماً، وفي كل لوحة، كائناً ثالثاً في اللوحة. حتى وإن كان من الواضح هنا ان القطة المرسومة تبدو كائناً دخيلاً على المشهد. والغريب ان القطة هنا تبدو الموضوع المرسوم بدقة اكثر من غيره علماً بأن اللوحة نفسها ظلت من دون اكتمال، بمعنى ان الرسام توقف عن العمل في اللوحة، ولم يعد إليها ابداً، على رغم ان فيها ما يدل حقاً على انه كان يود اكمالها اكثر. وهذا الشيء نفسه يمكن ان يقال عن اللوحة الأخرى التي تمثل الفتاتين صغيرتين، بحيث قد يحق للمرء ان يتساءل عما جعل الفنان مستنكفاً عن اكمال هذه اللوحات البيتية.
المهم ان هذه اللوحة، وعلى رغم نواقصها اللونية، ترينا الفنان وقد بلغ اعلى مستوى من مستويات فنه في رسم البورتريه. وهو مستوى سيميز بورتريهاته اللاحقة، والتي وضعها لسيدات من علية القوم وقفن - او جلسن - امامه لكي يرسمهن. إذ في كل هذه البورتريهات نلاحظ الدقة نفسها والنظافة - اللونية، في رسم الوجوه، نلاحظ الإصرار نفسه على أناقة الملابس، وعلى رصد نظرات الفتاتين الحافلة بالحب والاحترام... ولكن بقدر كبير من الثقة بالنفس ايضاً. غير ان ما يمكن ان نضيفه في صدد الحديث عن هذه اللوحة بالذات، هو ان تلوين غينسبورو، كان لا يزال خاضعاً لتأثيرات شمس منطقة سافولك المشرقة غالباً، مما يميز لوحة ابنتيه هذه، عن لوحات اخرى حققها في مناخات اشد قتامة، مما كان يضطره الى تشغيل خياله اللوني، بدلاً من الاعتماد - كما هو الأمر الآن - على الإشراق الطبيعي للون.
بعد سنوات من إنجاز هذه اللوحة الأخيرة، تفرقت العائلة اذ تزوجت ماري موسيقياً يدعى فيشر، اما مرغريت فقد اختفت اخبارها، وكانت ام الابنتين سيدة غامضة الجذور تزوجها غينسبورو في العام 1746 في لندن... لكن الطفلتين ولدتا في سادبوري. وعلى رغم انهما تبدوان في اللوحات كلها في سن واحدة تقريباً فإن شاهدتي قبريهما تؤكدان على ان ثمة اربع سنوات فارقة بينهما... وهو امر من المستحيل تحديده من خلال اللوحات.
وتوماس غينسبورو نفسه ولد في العام 1727، ورحل عن عالمنا في العام 1788، ومنذ ولادته كان غينسبورو رجلاً ريفياً، من الواضح انه لم يحب المدينة ابداً، على رغم انه عاش زمناً في لندن وحقق معظم شهرته فيها. ومن هنا نلاحظ كيف ان الطابع الريفي - وبالتالي، طابع الاحتفال بالطبيعة - يطغى على معظم لوحاته، سواء كانت مشاهد طبيعية او بورتريهات، كما نلاحظ ذلك الهدوء الذي يخيم على كل اعماله، وكأن الرجل عاش زمناً لا دراما فيه ولا صراعات...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.