كتب الصحافي كامران قره داغي مقالاً تحت عنوان"الطالباني والبرزاني، يتخاصمان حتى يتفاهمان، يتقاتلان حتى يتصالحان، ثم يتصالحان حتى يتقاتلان وهكذا دواليك". نشر هذا المقال في 1994 عندما كان"الاخوة الأعداء"يتقاتلان بضراوة من أجل الزعامة، وبسط السيطرة على مدينة اربيل التي كانت ذا طابع تركماني حتى بداية الخمسينات من القرن الماضي. وصف جلال الطالباني القتال الدائر بين الطرفين، في اجتماع المعارضة العراقية في مركز أهل البيت، بلندن، بأنه قتال بين"الأخوة الاعداء"، ذلك القتال الدموي الذي راح ضحيته آلاف القتلى والجرحى بين الطرفين، وأسفر عن طرد"البيشمركة"البرزاني من اربيل، وبسط قوات الطالباني سيطرتها كاملة على المدينة، وأدى الى تقسيم المنطقة الآمنة الى قسمين، والبرلمان الواحد الى برلمانين، والحكومة الواحدة الى حكومتين. وأسفر عن ضم اربيل الى حكم الطالباني، واقتصرت سلطة البرزاني على محافظة دهوك، الى قضاء صلاح الدين التابع الى اربيل. ومع ذلك استمر قتال الكر والفر بينهما على محور شقلاوة - صلاح الدين، وكادت قوات الطالباني ان تنجح في السيطرة على هذين الموقعين، وحصر البرزاني في مثلث دهوك - عقرة - زاخو الذي لا تزيد مساحته على 03 في المئة من المنطقة الآمنة. الى ذلك، كان من غير الممكن على البرزاني، كما يبدو، هضم الهزيمة النكراء التي مني بها أمام خصمه اللدود، المتربص لتفويض القيادة التاريخية لعائلته منذ عهد والده الملا مصطفى البرزاني، الأمر الذي دفعه الى الاستنجاد بصدام حسين، ومصافحة اليد التي تلطخت بدماء العراقيين. ولكن يبدو انه لم يجد خياراً آخر غير التغاضي عن أحداث الماضي بآلامها وأشجانها، لدرء الخطر المحدق الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى منه، يهدد سلطته وقيادته الموروثة. فعقد صفقة مع النظام الدموي تضمنت دعوة القوات العراقية للدخول الى أربيل في أواخر آب أغسطس 1990، واستعادتها من قبضة خصمه، في مقابل اطلاق يد النظام لتصفية الحساب مع أطراف المعارضة العراقية في المنطقة الآمنة آنذاك. هكذا استطاع البرزاني، بهذه الخطوة المذهلة، استعادة مدينة اربيل عاصمة"امبراطوريته"من الطالباني، وضمها الى منطقة نفوذه. ولكنه لم يتمكن من القضاء على خصمه أو تدمير كيانه السياسي وانهاء وجوده، والانفراد بالسيطرة على المنطقة الآمنة برمتها بلام منازع، وذلك لأن الطالباني استطاع تلافي حدوث هذا الأمر، باتخاذه قرار سحب قواته عبر الحدود الى ايران، ورفض قبول الخوض في معركة خاسرة مع قوا النظام المتفوقة على قواته كثيراً بالأسلحة الثقيلة والمعدات. فبهذا القرار الصائب، في الحسابات العسكرية، حافظ على قواته سالمة، واستخدمها لاسترجاع مدينة السليمانية من دون مقاومة بعد انسحاب قوات النظام من المنطقة. أما بالنسبة الى النظام العراقي البائد، فقد أتاحت له الصفقة فرصة نادرة لتوجيه ضربة موجعة الى فصائل المعارضة العراقية في المنطقة الآمنة التي كانت لها مقرات فيها. والملاحظ ان القيادات الكردية تصرفت بعكس الاتجاه تماماً. فوجهت كل جهردها نحو جني ثمار الامتيازات التفضيلية التي حصلت عليها من خلال تحالفها مع المحتل الأميركي، منصرفة الى استثمار الفرصة المتاحة لها لفرض سياسة امر الواقع على الحال العامة التي قد تكون عابرة، بقصر نظر سياسي واضح، بغية الاستحواذ على استحقاقات تفوق كثيراً ما تستحقه، شرعاً وقانوناً وبكل المعايير التاريخية والواقعية والأدلة الشاخصة، سواء في عموم الشأن العراقي، أو فيما يخص بكركوك، وهويتها وواقعها القومي. فالتركمان هم الأكثرية فيها. وكان مدينة تركمانية بكل ما في هذه الكلمة من معنى حتى بداية الخمسينات، أي قبل تعرضها للتغيير الديموغرافي. وكانت فعلياً وواقعياً مدينة التآخي، وكلدو آشوريين، بحيث أضحت تشكل نموذجاً يحتذى بها في عموم العراق متعدد الأقوام والطوائف والاثنيات. فتوفر الثقة والمصداقية للطروحات الكردية بالفيديرالية، ضمن العراق الموحد. الأمر الذي لا يمكن تحقيقه ما لم يقترن الأقوال بالأفعال على أرض الواقع، والاقلاع عن محاولات التغيير التي يلجأ اليها الحزبان الكرديان اللذان يستنفران، الآن، كل الطاقات والامكانات المتوافرة لديهما، وكل الطرق والأساليب غير المشروعة لتحقيق مأربها هذا. فقد وصل عدد النازحين، الى يومنا، 320 الف كردي نازح، بادعاء ان هؤلاء سبق ترحيلهم من كركوك في عهد النظام السابق. غير ان الواقع خلاف ذلك تماماً، حيث لا يبلغ عدد المرحلين أكثر من سبعة الاف أو يكاد. ولكن إمرار ادعاءاتهم المزيفة هذه يتم تزويد هؤلاء النازحين بالوثائق الثبوتية المزورة، كهويات الأحوال المدنية، وسندات تسجيل العقاري، والبطاقات التموينية علماً بأن البشمركة الكردية، عندما دخلت الى كركوك، استولت على سجلات النفوس والتسجيل العقاري، بنية مبيتة للتلاعب فيها، ويجري تعيين الموظفين، والمدراء العامين، والشرطة، وحتى طلاب المدارس، بأوامر ادارية تصدر من حكومتي السليمانية وأربيل، ثم يجري نقلهم الى كركوك. وحتى أيام من الولادة لكي تتم ولادتهما فيها، وتسجيل المولد في دائرة نفوس كركوك. كل ذذلك لأجل تغيير الواقع السكاني الاثني للمدينة. وينبغي التذكير بأن أطراف المعارضة العراقية، قبل سقوط النظام، دعموا المشروع الكردي في المؤتمرات، واجتماعات المعارضة العراقية في الخارج أو في المحافل الدولية. وأبدت القوى السياسية العراقية المعارضة، عدا بعض منها، تعاطفها مع تطلعات القومية الكردية، واحترام خياراتها الفيديرالية، وحتى حق تقرير المصير، وفي ترسيخ الكيان السياسي للاقليم الكردي الذي بات يسمى كردستان. غير ان رغم نجاح القيادات الكردية في الحصول على مكاسب كبيرة مادية ومعنوية وسياسي، إلا انها أخفقت في كسب ثقة الشعب العراقي، وتطمين دول الجوار المعارضة لمشروعها الفيديرالي، ذلك لأن التأكيدات التي يطلقها القادة الأكراد في مطلب الفيديرالية ضمن العراق الموحد، ظلم موضع الشك بسبب تناقضها مع ممارساتها على ممارساتها على أرض الواقع. العراق - أحمد مخلص