"شهيدة شباط" لم تغب ولو للحظة عن بال صديقتي حتى بعد سبعة عشر عاماً. دماؤها وصوتها حتى لحظاتها الأخيرة تستيقظ في داخلها تماماً مثل طلقة بندقية عمّها التي أطفأت برصاصة شرف قروية الشرر المتصاعد من العيون لرؤية" ساقطة باب توما"، وهي تدخل مع "ذكر" وتخرج مع آخر، وتجلب الصيت السيئ لأهل صديقتي خصوصاً عندما تستقبل خمسة صغاراً أو أكثر في فسحة أحد البيوت في حي القيمرية في دمشق القديمة حيث تنتشر الدور العربية ذات الفسحات السماوية الداخلية. مواء القطط العالي في شهر شباط فبراير، واحتفالها بغرائز التزاوج فيه، تمثل لكثير من الآباء والأمهات صدمة يحاولون حماية أولادهم منها، خصوصاً في الأرياف ودور دمشق القديمة التي تشهد شجرات "النارنج" فيها مثل ساكنيها ممارسات غريبة ما كانوا ليشهدوها وقتها في مكان آخر وفي مثل هذه العلانية. مرور السنين واختلاف الظروف لم يقللا عدد القطط العاشقة في دمشق في شباط أو غيره من الشهور، فالقطط لا تزال كثيرة في المدينة. وحدها" شهيدة شباط" راحت عليها "أيام العز" التي صارت فيها احتفالات الحب العلنية في دمشق لا تخاف الرصاصات "القروية". الحب كما يعكسه دانتي محركاً للشمس والأنجم الأخرى، لا يزال يحرك في دمشق وفي شباط تحديداً الكثير من المظاهر والمشاعر وردود الأفعال، وهي تنعكس في عيون الشباب وتصرفاتهم، لتجسد القلق والتأرجح بين الحب كاشتهاء للجسد والحب كقيمة روحية. صار بعضهم يقر في عمر مبكر جداً بأن الحب لا يدوم في قلبه أكثر من الفترة التي تستغرقها منه قراءة دواوين الشاعر نزار قباني. جورج.ع 25 عاماً يرى أن حب هذه الايام "يقترب أكثر فأكثر من حب القطط ليس في شباط وحده بل في كل شهور السنة. فالقطط تبحث بعضها عن بعض في هذا الشهر، وتمارس الحب لتستمر الحياة من دون أن يؤثر الحب على مسيرة حياتها. وكذلك هو الحب اليوم لكثير من الشباب والشابات، فهم صاروا يفكرون في أنفسهم ومستقبلهم أولاً ثم بالعلاقة وأخيراً بالحب". والدليل كما يقدمه جورج نقص عدد "شهداء الحب" إذا صحت التسمية." كنا نسمع اكثر عن شباب ينتحرون في سبيل من يحبون، أما اليوم فهذا نادر جداً، ويعتبر ضرباً من الجنون. فالشاب مستعد لترك حبيبته من أجل الهجرة أو في سبيل علاقة سريعة. وكذلك الفتيات صار قبول إحداهن بالعلاقة مع شاب مهاجر في أميركا بدلاً من حبيبهن أمراً طبيعياً للغاية وقد لا يلومها عليه حبيبها نفسه". سها.ف 22 عاماً، سنة ثالثة في كلية الآداب ? جامعة دمشق أبدت سعادتها من عمليات الحفر الجارية في إحدى حدائق كلية الآداب التي كانت ملجأ للراغبين في الانزواء وتبادل القبلات في شكل شبه علني وخصوصاً في يوم العشاق، وقالت: "نتأثر كشباب بالتلفزيون والأغاني، ومن المؤسف حقاً أن بعض منتجي الفيديو كليب يعتقدون أن جيل الشباب هو كالسلة التي يستطيعون أن يرموا فيها كل ما لديهم. ولكن ما يحدث الآن - وهذا ليس رأيي وحدي بل رأي الكثير ممن أعرفهم - أن الشباب بدأوا يقرفون من الأغاني المحشوة بالكلام البذيء وصور الفنانات العاريات اللواتي يظهرن في شكل إباحي، وهم يحنون دوماً للحب الرقيق والأغاني القديمة، والدليل أن كاسيتات أغاني الحب الفرنسية والإنكليزية واللبنانية القديمة هي أول ما ينفد في هذه المناسبة لدى محال التسجيلات". فادي الحايك 35 عاماً الذي عاش تناقضاً في أيام المراهقة بين عذرية الحب وشهوانيته لا يعتقد بأن ابن الخمسة عشر عاماً يعشيه الآن، وعن خشية فقدان الشفافية في الحب يقول:" لم تعد الأمور كما كانت في قصة "شباب امرأة" التي تحولت في الخمسينات فيلماً وقع بطله في صراع بين حبه الرقيق لامرأة والجسدي لأخرى. فما يعرض يومياً وعلناً من مشاهد الحب على شاشة التلفزيون وشبكة الإنترنت مجاناً، كنا نهرب من المدارس وندفع المال لرؤيته في السينما. ووصلني أحد الافلام الإباحية الذي كانت بطلته راقصة مصرية من ابن أختي الذي يبلغ من العمر ستة عشر عاماً. ولفت نظري التعارف بإرسال رسائل قصيرة إلى التلفزيون، والإيحاءات الجنسية التي تحملها هذه الرسائل أحيانا". وعن شهر شباط واحتفالات يوم العشاق قال: "شخصياً لا يعني لي هذا اليوم شيئاً، ولست على استعداد لإرسال أي وردة حمراء الى صديقتي فيه. قد نحتفل بطريقة أو بأخرى في دمشق أو خارجها، بالخروج وحدنا أو مع مجموعة في رحلة إلى مدينة حلب أو كسب". زينة 29 عاماً تعمل سكرتيرة في مكتب رجل أعمال، تجد أن عيد العشاق وقصصه الشيقة تبدأ بعد يوم الرابع عشر من شباط خصوصاً بالنسبة الى الوجوه الاجتماعية المعروفة أو الشباب "الحرزانين" أي الأثرياء، وتقول: "يبدأ المجتمع بتبادل قصص الهدايا التي تلقاها شاب وسيم أو صبية جميلة، على سبيل المثل فلان اشترى سيارة لحبيبته، وهذه أهدت حبيبها طقم أقلام مرصعة بالماس. وعندها تبدأ الغيرة تشتعل في القلوب وقد تتسبب بمشكلات حقيقية بين المتزوجين والعشاق قد تصل الى الطلاق أو الفراق. وخير مكان للسؤال عن هذه القصص صالونات الحلاقة حيث يعرف الحلاقون نصف هذه القصص ويبدأون بتداولها". موسم تجاري زينة يوم العشاق بصورها المنسوخة من بيروت إلى دمشق تثير غيظ زهير وهو صاحب محل للورد في منطقة التجارة شرق دمشق وتحدث عن زيارات زملاء له في المهنة إلى بيروت مع مطلع شهر شباط لسرقة أفكار البيروتيين وتصوير واجهات محالهم ومحاولة استنساخها في دمشق. هذا الفعل التنافسي أجبره شخصيا على تزيين محله في العامين الماضيين من دون اقتناع، وهو ما لم يفعله هذا العام. ويتحدث زهير عن الطلب المتزايد على الورد الأحمر في شباط" تبدأ طلبات الزبائن على الورد الأحمر مع بداية شهر شباط، ويبدو لي مثل هؤلاء الأشخاص كما لو أنهم يتوسلون من يحبون كي يمنحوهم لحظات حب خصوصاً مع حلول يوم الرابع عشر من شباط". ويتابع: "منذ سبع سنوات تقريباً، أي مع ازدياد اهتمام الناس بعيد العشاق صار شباط يجلب لي قصصاً كثيرة لا تخلو من الفكاهة، في العام الفائت قصدني شاب من منطقة المزة غرب دمشق لإرسال باقات ورد أحمر لحبيبته التي تسكن في منطقة قدسيا ضواحي دمشق بقيمة 15000 ليرة سورية 300 دولار تقريباً ولكن بعد يومين من عيد العشاق، والغرض من ذلك هو تمويه شخصيته والرغبة في تخفيف" القيل والقال". وتابع قائلاً: "75 في المئة من زبائني يطلبون مني إرسال باقات الورد الجوري الأحمر على التلفون ومن دون أن يروا الباقة". هل هؤلاء من المتزوجين؟ يقول:" ليس بالضرورة، لأن الأمر صار بمثابة واجب يجب تأديته حتى بالنسبة للمحبين والمخطوبين".