للمرة الأولى في تاريخ العلاقات السورية - اللبنانية يتدخل مجلس الأمن الدولي ويصدر قراره الرقم 1559 الذي ينص على انسحاب القوات الأجنبية من لبنان، وهو يخص بذلك القوات السورية المتبقية في الأراضي اللبنانية، مع نزع أسلحة"حزب الله"لتتسلم قوات الجيش اللبناني مواقعها في الحدود الجنوبية مع إسرائيل. وأدى صدور قرار مجلس الأمن هذا إلى الانقسام بين المواطنين اللبنانيين بين مؤيد ومعارض. جبهة المعارضة للوجود السوري على الأراضي اللبنانية أيّدت القرار، فيما انتقده أركان الدولة اللبنانية واعتبروه تدخلاً في العلاقات الأخوية السورية - اللبنانية. وهنا أقول الحقيقة: انه لم تكن لدي رغبة لان أتعرض لهذا الموضوع الحساس في علاقات البلدين، ولكن ما دفعني للحديث عن هذا الأمر ما طلبه المعارض السياسي الزعيم الدرزي وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي من إقامة علاقات دبلوماسية بين دمشقوبيروت وانسحاب القوات السورية من الأراضي اللبنانية. وأود من هذه المداخلة أن أضع أمام قيادتي البلدين والشعبين لمحة تاريخية عن العلاقات السورية - اللبنانية، لأنها كانت علاقات أزلية، وضعت في مرحلة مهمة من تاريخها السياسي بسبب احتلال البلدين عقب انتهاء الحرب العالمية الاول من القوات الفرنسية التي أسهمت مع دول التحالف في القضاء على الإمبراطورية العثمانية التي حكمت المنطقة ما يقارب من أربعة قرون. وكانت القيادات السياسية في سورية ولبنان حريصة على أن تكون الصلات بينهما على أتم ما يمكن من التفاهم والانسجام، مع الحفاظ على الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين والطوائف الأخرى في لبنان. لذلك قامت هذه العلاقات على ميثاق وطني لم يسجل على الورق بل كان مجرد تفاهم ودي حصل في ذلك التاريخ يحتم قيام جبهة مشتركة واحدة ضد الاحتلال الفرنسي للبلدين الذي استمر ربع قرن. ولهذا اعتبر هذا الميثاق الوطني الشفهي من أفضل ما يمكن لتأسيس تفاهم في العلاقات المشتركة يخدم مصلحة الجوار والشعبين، خصوصاً أن الكثير من هذه العلاقات يقوم على ارتباط اسري بسبب المصاهرة بين الأسر السورية واللبنانية من قرون سابقة، وهي تلزم ضرورة الانسجام بينهما، وان مصالح الدول الكبرى وأطماعها في المنطقة العربية تتطلب وجود مبادئ ثابتة لهذا التعاون المشترك. وأحدث قيام دولة إسرائيل في قلب العالم العربي اكبر مشكلة سياسية للدول العربية قاطبة ولشعوبها وأبناء المنطقة الذين استوطنوا في رحاب سورية ولبنان، لذلك كانت هذه المشكلة أكثر تعقيداً وأعظم شأناً من المشاكل التي نشأت في العصور الماضية، وفي بقاع هذه المنطقة الحساسة من العالم. ومن خلال وجودي عملياً على الساحة الصحافية منذ ما يزيد على 55 سنة، أصبحت شاهداً على تاريخ علاقات البلدين من خلال تكويني لصداقات مع سياسيين، وهذا كله دفعني لتقديم هذه المعلومات التاريخية، وهي معلومات متواضعة عن التعاون السوري - اللبناني المشترك، وما اعتراه من خلافات بين الحكومات التي تعاقبت على الحكم في كلا البلدين، واشتدت بسبب الانقلابات العسكرية التي شهدتها سورية منذ عام 1949 عندما بدأت الإدارة الاميركية في عهد الرئيس هاري ترومان التدخل في شؤون العالم العربي في محاولة منها لخدمة الوجود الإسرائيلي في قلب الأمة العربية. لم يكن وليد جنبلاط السياسي الأول في لبنان الذي طالب بإيجاد تمثيل سياسي بين دمشقوبيروت، بل سبقه الرئيس اللبناني الأول بشارة الخوري عام 1951 عندما تولى الرئيس خالد العظم - وهو الاقتصادي والمالي السوري الكبير والملقب بالمليونير الأحمر رئاسة الوزارة السورية في عهد العقيد أديب الشيشكلي رئيس الأركان العامة الذي قام بالانقلاب العسكري الثالث في سورية، علماً أن الشيشكلي كان وراء تلك الانقلابات بدافع من الاستخبارات الاميركية عام 1949. وقد اتيح للرئيس العظم أن يفرض إرادته الاقتصادية على لبنان عندما أرسل إلى الرئيس رياض الصلح مذكرة شديدة اللهجة خيّره فيها بين قيام وحدة اقتصادية متكاملة بين البلدين أو الانفصال الجمركي، لذلك كانت مذكرة العظم نقطة خلاف محتم وتحويل عن العلاقات الأخوية بين البلدين ،وهو أول خلاف يقع يؤدي إلى القطيعة بين الشعبين السوري واللبناني. الشرق الأردني والشرق الأوسط كانت مدينة دمشق منذ أقدم العصور موضع اهتمام العالم وقواه السياسية المستعمرة شرقية أو غربية، تتنافس عليها هذه القوى بسبب موقعها الاستراتيجي. وكانت حدود سورية الطبيعية في الماضي تمتد من أقصى خليج اسكندرونة في الشمال مع الحدود التركية حتى حدود مصر في الجنوب بطول ما يقرب من 700 كيلومتر وعرض نحو 150 كيلومتراً بين البحر الأبيض المتوسط في الغرب والصحراء السورية في الشرق المتاخمة لحدود العراق، لذلك تعتبر ارض فلسطين وإمارة شرق الأردن جزءاً مندمجاً ومكملاً لسورية ولبنان، ولذلك كان يطلق على سورية الطبيعية بلاد الشام، أو المشرق، أو سورية الكبرى، أو الشرق الأدنى، لأنها كانت وما تزال ملتقى الطرق الدولية. اذ ان سورية تطل على حوض البحر الأبيض الذي يلامس القارات الثلاث وهي آسيا وأوروبا وأفريقيا. ولهذا تمكنت الدول الغربية، وفي طليعتها بريطانيا العظمى، من أن تطلق على المنطقة العربية تسميات جديدة منها الشرق الأدنى. وبعد قيام دولة إسرائيل في المنطقة اطلقت الإدارة الاميركية في عهد الرئيس ترومان على المنطقة تسمية جديدة هي الشرق الأوسط. تشرشل وترومان والمنطقة العربية ونظراً الى اهتمام بريطانيا العظمى بالشرق العربي بالنسبة إلى المصالح البريطانية نشرت جريدة"التايمز"اللندنية في 24 تشرين الثاني نوفمبر 1943 مقالاً عن أهمية الشرق الأدنى قالت فيه:"تعلمنا أن بلدان المشرق ولا سيما لبنان، من أعظم المناطق الحيوية. الا ان أهميتها بالنسبة إلينا لا تقتصر على كونها مناطق تقع على خطوط مواصلاتنا إلى الشرق، ولكن أصبح من الواضح جداً انه لو تمركزت قوة جوية كبيرة لأعدائنا من قاذفات قنابل في الجبال المنيعة الواقعة في سلسلتي جبال لبنان الغربية منها والشرقية، مع جميع إمكانات تحصينها تحصيناً قوياً، تستطيع السيطرة فوراً على قناة السويس وعلى حقول البترول في كركوك وخطوط الأنابيب". كما سبق للكولونيل ونستون تشرشل في القرن التاسع عشر أن نشر مقالاً تحدث فيه عن أهمية منطقة الشرق الأدنى فقال:"إذا كانت بريطانيا ترغب في الحفاظ على سيطرتها في الشرق ينبغي لها بشكل أو آخر أن تدخل سورية ومصر في نطاق نفوذها وسيطرتها. كانت عبقرية نابليون على صواب في تقديره لأهمية هذه البلاد التي عبثاً حاول الاستيلاء عليها ليجعل منها مرتكزاً ومنطلقاً في أعماله الحربية ضد إمبراطوريتنا الهندية، وإذا كانت أسوار عكا تنطوي على مصير عظيم لأعداء بريطانيا، فمن يجرؤ على القول أن حلم نابليون كان وهماً وخيالاً، فما هو قولك بجبال لبنان هذه القلعة الطبيعية الكبيرة القائمة بين العالم الشرقي والغربي". وجاء اهتمام الولاياتالمتحدة بالمنطقة العربية في عهد الرئيس الأميركي هاري ترومان، الذي خلف الرئيس فرنكلين روزفلت في الرئاسة الاميركية عام 1945 عندما ألقى بياناً بمناسبة يوم الجيش في الولاياتالمتحدة في 5 نيسان أبريل 1946 جاء فيه:"في هذه المنطقة الشرق الأدنى موارد طبيعية هائلة فضلاً عن إنها تقع عبر أفضل الطرق البرية والمواصلات الجوية والمائية، فهي لذلك بقعة ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية عظيمة، غير أن شعوبها ليست من القوة بحيث أن الدولة الواحدة أو دول المنطقة كلها مجتمعة لا تستطيع أن تقاوم العدوان القوي إذا أتاها من الخارج، ولذلك يسهل على المرء أن يدرك كيف أن الشرقين الأدنى والأوسط يمكن أن يصبحا يوماًُ ما حلبة لمنافسة عنيفة بين القوى الخارجية، وكيف أن تنافساً كهذا يمكن أن يتحول فجأة إلى نزاع مسلح". هذه المعلومات تعتبر حجر الزاوية في خطط الدول الكبرى صاحبة صنع القرار بالنسبة للمسائل الدفاعية والتي تضمن تنسيق العمليات المختلفة لتلك الدول. وهذا ما دفع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إلى إصدار القرار الرقم 1559 الذي ينص على خروج القوات السورية من لبنان ومنع"حزب الله"من حمل السلاح في الجنوب اللبناني والحفاظ على سيادة لبنان وحريته. الميثاق الوطني بين سورية ولبنان قبل جلاء القوات الفرنسية والبريطانية عن سورية ولبنان بحسب ما تم الاتفاق عليه قدمت السلطات الفرنسية الحرة التي تزعمها الجنرال شارل ديغول مذكرة إلى السلطات السورية واللبنانية تتضمن مقترحات هي عبارة عن تعزيزات فرنسية في كلا البلدين لضمان الدفاع عن المصالح الأساسية لفرنسا وهي مصالح ثقافية واقتصادية واستراتيجية. الأوضاع الاستراتيجية ترتكز على قواعد تسمح لفرنسا بتأمين سلامة طرق المواصلات بين فرنسا وممتلكاتها في ما وراء البحار وكانت تلك المقترحات صيغت بعبارات حاسمة وبمثابة إنذار لا يقبل النقاش. لذلك وقف الرئيس شكري القوتلي موقفاً حازماً أمام هذه المقترحات التي كان هدفها تكريس الاحتلال الفرنسي لسورية ولبنان وأجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس بشارة الخوري رئيس الجمهورية اللبنانية، واتفقا على عقد اجتماع مشترك في شتورا لقطع المفاوضات مع السلطات الفرنسية وتهيئة البلاد في سورية ولبنان لجولة قوة أصبحت وشيكة الوقوع. وتم الاجتماع في 19 أيار مايو 1945 ودام أربع ساعات حضره إلى جانب الرئيس القوتلي الرئيس جميل مردم بك رئيس الوزراء والى جانب الرئيس الخوري رئيس الوزراء رياض الصلح، وصدر عن هذا اللقاء بيان رسمي ينص على عدم الدخول في المفاوضات مع الجانب الفرنسي وإلغاء جميع التبعات التي يمكن أن تنجم عن هذا الموقف على عاتق السلطات الفرنسية الحرة، كما تقرر توحيد الجهود والمساعي المشتركة للدفاع عن سيادة البلدين وحريتهما واستقلالهما التام، وتم الاتفاق أيضا على تقديم مذكرة سورية وأخرى لبنانية وبنص واحد إلى الدول الكبرى والدول العربية، لإعلام تلك الدول بالتطورات الأخيرة مع السلطات الفرنسية وإيقاف المفاوضات معها، احتجاجاً على استقدام فرنسا قوات فرنسية، وإنزالها في الموانئ السورية واللبنانية من دون الحصول على موافقة الحكومتين، لذلك أخذت العلاقات والمفاوضات بين سورية ولبنان من جهة وفرنسا من جهة ثانية بالتدهور والانهيار. كما عقد اجتماع مشترك بين جميل مردم بك رئيس وزراء سورية ووزير خارجيتها مع زميله فيليب تقلا وزير خارجية لبنان وتم الاتفاق على الأمور التالية: 1- موقف سورية ولبنان واحد في ما يتعلق بالجلاء الكامل، وان يجرى في وقت واحد عن جميع أراضي البلدين. 2- سورية ولبنان لا يقبلان أن تكون اراضيهما مفتوحة أمام قوات بوليس الأمن الدولي إلا في حالة وضع هذه القوات تحت تصرف القيادة الوطنية مباشرة في كلا البلدين. 3- سورية لا تعترف بأي اتفاق اقتصادي أو ثقافي إذا لم تدع إلى مناقشته والموافقة عليه، وكذلك في لبنان. 4- إذا وجد البلدان سورية ولبنان، اتفاق لندن - باريس يحتاج إلى تحكيم منها فانهما يطلبان أن تكون الولاياتالمتحدة حكماً، وإذا قضت الضرورة فيكون الاتحاد السوفياتي حكماً آخر أيضاً. 5- الاتفاق يجب أن يعرض على جامعة الدول العربية. القوتلي: ميثاق التفاهم وكان الرئيس السوري شكري القوتلي الذي أطلق عليه لقب"بطل الجلاء"يحرص على التمسك بميثاق التفاهم مع لبنان بهدف توثيق العلاقات الأخوية ويحول دون التهديد بقطع الصلات الاقتصادية، كما فعل الرئيس العظم، لأن القوتلي كان ينظر إلى لبنان الجار لسورية خير سند للوطن السوري، وكذلك سينظر لبنان إلى سورية. وبجهود الرئيس القوتلي تحقق النصر الكبير للوطن السوري وبذل كل غال ونفيس في هذا السبيل، وباع الأراضي الزراعية التي ورثها في منطقة باله في غوطة دمشق وأنفقها على النضال وقدم المساعدات المالية للمجاهدين وذويهم وهم الذين حملوا السلاح ضد القوات الفرنسية، كما باع أملاكه الخاصة ليتمكن من تسديد ديونه المتراكمة للبنك العربي. توفي الرئيس القوتلي فقيراً في بيروت في 30 حزيران يونيو 1967 أي بعد مضي 25 يوماً على الحرب الإسرائيلية الخاطفة، وجاءته المنية وهو يستمع من التلفزيون إلى المطربة فيروز تغني عن القدس، لذلك تأثر كثيراً وقال لأسرته: هل أصبحت القدس الإسلامية أغنية بعد احتلالها؟ وهل علينا نسيان ماضيها وتاريخها الإسلامي المجيد؟ وفي تلك اللحظة تعرض الرئيس القوتلي لجلطة في الدم وفارق الحياة. قال لي الرئيس القوتلي بعد نهاية الاحتلال الفرنسي، أن"سورية العربية قدمت أكثر من مئة ألف شهيد لطرد المستعمر من أراضيها وأجبرته بنضالها وكفاحها المتواصل على الجلاء عن كل شبر شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً... وان الوطنية السورية لا ترتدي أي طابع ديني سوى الإسلام المتسامح، فالشعبان السوري واللبناني هما بمثابة شعب عربي واحد يربطه التكوين الجغرافي الذي كان أساس تراثه الوطني في دولة سورية الطبيعية". وأضاف القوتلي:"إن ميثاق التفاهم الذي تم مع الرئيس بشارة الخوري رئيس الجمهورية اللبنانية انما يهدف لتحرير الأراضي السورية واللبنانية من القوات الأجنبية، وليس من حقنا أن نتدخل بالوضع الداخلي في أي من البلدين، لأن هذه أمور داخلية خاصة وتتصل بالقيادة في كل بلد على حد سواء". شهادة خالد العظم لذلك كل محايد عاش مرحلة مفاوضات الجلاء التي قام بها الرئيس القوتلي يشيد بدوره الوطني ويؤكد أن ليس بين الشخصيات السورية شخصية تلتف حولها الكثرة الساحقة كشخصيته... إن هذا الرجل المستقيم العامل بكل إخلاص لوطنه وللشعوب العربية سارت سورية في عهده خطوات واسعة إلى الأمام، فاكتسبت صفة الدولة في تصرفاتها وإنشاءاتها. كان الرئيس القوتلي لا يفرق بين أحد من أبناء الأمة إلا بالحق والمزايا والكفاءة. ولهذا فرضت الأحداث الدولية والعربية عليه تكريس معظم الجهود وتوظيفها في خدمة الأمة العربية. اما الرئيس خالد العظم فكان من أشد المعارضين للرئيس القوتلي باعتباره المنافس الوحيد له في انتخابات رئاسة الجمهورية، ولم يتمكن العظم من بلوغ هذا الحلم لأسباب خاصة. وعلى رغم هذا الخلاف أشاد العظم بنضال الرئيس القوتلي وجهوده لبلوغ سورية سيادتها واستقلالها التام من السلطات الفرنسية وبخاصة خلال اجتماع"رضوي"الذي عقد بينه وبين ونستون تشرشل في حضور الملك عبدالعزيز الذي كان يهدف إلى تحقيق السيادة والاستقلال لسورية فقال العظم:"والله إن شكري القوتلي رجل عظيم وزعيم وطني نادر المثال، ولا أعتقد أن رجلاً آخر غير شكري القوتلي يستطيع أن يصمد هذا الصمود، ويقف هذا الموقف التاريخي، ولا أنا، ولا غيري ممن عرفت خلال حياتي السياسية وتجاربي وتعاملي مع كثيرين من السياسيين والزعماء". وبينما كانت تجري عملية تسليم المصالح المشتركة في سورية ولبنان من السلطات الفرنسية، كان موضوع الوحدة العربية بين الدول العربية طرح على بساط البحث مع القيادات العربية، وكان الرئيس رياض الصلح رئيس وزراء لبنان يسير على الخط القومي نفسه الذي يسير عليه حكام دمشق في جمع شمل الأمة العربية الذي يدعم كيانها أمام العالم الخارجي. وتولى هذه المهمة وزير الخارجية السورية جميل مردم بك وكلف القيام بجولة عربية شملت لبنانوالعراقوالأردن والسعودية بتاريخ 25 شباط فبراير 1944. بشارة الخوري: لبنان مستقل كان الرئيس رياض الصلح من المؤيدين لقيام وحدة عربية شاملة تقوم على تبادل الود والإخاء وتعتمد على التضامن التام في سبيل رفع الشأن ودفع كل أذى يمكن أن ينزل بأحد أجزائها ولتحقيق الرغبات القومية التي يتطلع إليها العالم العربي. وشاع في ذاك التاريخ أن الرئيس بشارة الخوري على خلاف مع رئيس حكومته رياض الصلح في موضوع الوحدة العربية، مما حمل الخوري على وضع النقاط على الحروف وأعلن:"كان يتهمني البعض من أبناء هذه البلاد علناً بأنني أعطيت وعداً أنه في حال انتخابي رئيساً للجمهورية سأسعى إلى تحقيق الوحدة العربية كأنها شر مستطير، وإنني وإن كنت لم أقم بأي عمل في هذا الصدد، إلا أنني أتمنى للفكرة كل نجاح على أن يبقى لبنان مستقلاً، ويكفي لتحقيق هذه الفكرة أن نتعاون اقتصادياً وثقافياً، ويترك كل شعب كيانه السياسي حيث هو، حتى يشعر الجميع بأن لهم صفة عالمية". وعرض الرئيس رياض الصلح في بيانه الوزاري بعد جلاء القوات الفرنسية، علاقات لبنان بالبلدان العربية الشقيقة المجاورة وخص فيها سورية فقال:"إن السياسة التعاونية القومية في لبنان لن تقوم إلا ضمن دائرة احترام استقلال لبنان وسيادته وسلامة أراضيه الحالية، فيكون لبنان على قدم المساواة في التعامل والاحترام المتبادل بين البلدان العربية كلها من دون استثناء". وقام الرئيس بشارة الخوري يصحبه الرئيس رياض الصلح بزيارة بكركي وألقى البطريرك الماروني انطون عريضة خطاباً في هذه المناسبة قال فيه:"... في خصوص علاقات لبنان مع الدول المجاورة يجب أن تكون ودية، والمنافع متبادلة، وقد كنا نحب أن نكون وحدة تامة بين لبنان والدول العربية لولا بعض ظروف خاصة...". وهنا أقول أن النزاع بين الأشقاء، خصوصاً السوري واللبناني لا يمكن أن يحل بالتعصب على مختلف أشكاله، ولا بالانغماس في الشهوات الطائفية، ولا بوحي الميول الانعزالية، ولا بالتحدي والانتقام، بل بالتسامح والتساهل والتفاهم بين الأخوة، مع النظر إلى المصالح العربية العليا بعين الاعتبار ومن دون سواها. كاتب وصحافي عربي. غداً: الزعيم هدد بقطع الاتصالات... وخالد العظم أعلن الانفصال الجمركي فوقع الخلاف الأول.