على رغم ان كثراً لا ينظرون الى هذا الفيلم الا بوصفه اقتباساً لعمل مسرحي، ما حكمه بأن يكون ذا ابعاد مسرحية تتناقض الى حد ما مع"تقاليد"السينما الحرة، فإنه يشكل في الحقيقة الأساس الذي قام عليه كل ذلك التيار، من الناحية الفكرية على الأقل. هذا الفيلم حققه طوني ريتشاردسون في العام 1959، من تمثيل ريتشارد بورتون الذي لم يكن، بعد، قد صار نجماً عالمياً مشهوراً أو زوجاً لاليزابيث تايلور. والفيلم مقتبس، بالطبع، عن مسرحية جون اوزبورن الشهيرة"انظر الى الوراء بغضب"التي تعتبر، أيضاً، مؤسسة لتيار"الشبان الغاضبين"على الخشبة. وكان ريتشاردسون نفسه زوج فانيسا ردغريف هو الذي أخرجها للمسرح حيث حققت النجاح الذي نعرف اذاً، من الناحية الفكرية، ومن ناحية الموضوع، وضعت هذه المسرحية، وقد أُفلمت، أسس البطل المنتمي الى الطبقة العاملة، والغاضب على مصيره الفردي، من دون أن يعي أول الأمر أنه مصير جماعي. ومن هنا لا هو بالبطل الحقيقي ولا هو بالبطل - المضاد، مثله في هذا مثل معظم"أبطال"أفلام"السينما الحرة". انه شخص غاضب مكتئب، منتزع من الحياة نفسها، ليقدم لنا الفيلم تفاصيل حياته اليومية، وعبثية ثورته الفردية. واذا كان طوني ريتشاردسون قد عرف هنا كيف يصور الحياة اليومية لجيمي بورتر ريتشارد بورتون في لغة أسس لتقنيات السينما الحرة وأتت مستعارة مباشرة من لغة التلفزة، وأيضاً لغة السينما الوثائقية التي تدين بالكثير الى"مدرسة"جون غريرسون، فإن هذا لم يكن أمراً نظرياً ومقصوداً، منذ البداية، بل أتى عفو خاطر ريتشاردسون ولضرورات تتعلق بمناخ"الأحداث"وشخصية"البطل"نفسها. وهكذا يكون ريتشاردسون، من دون أن يتعمد ذلك، قد أسس لغة سينمائية ستزداد قوة ومقصودية في أفلام تالية له - سبقت ابتلاعه من جانب النمط الهوليوودي ? ومن أهمها"مذاق العسل"وپ"عزلة عداء المسافات الطويلة".