الكاتب المسرحي البريطاني جون أوزبورن John J. Osborne أثاره التغيير الذي حدث في المجتمع البريطاني، في نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد أصابت المجتمع الأوروبي شروخ سيكيولوجية، إذ أصبح أكثر انغلاقاً وتزمتاً. فأراد أن يثور الجمهور على المجتمع من خلال مسرحيته الغاضبة (انظر للوراء بغضب). يومها أعلن أوزبورن عن نفسه كثائر من الثوار الشبان الغاضبين. ليس سهلاً أن تثور وتدفع بالناس ليثوروا معك ثم يكتشفوا أن الذي ينظر للوراء لا يغضب سريعاً ولا يثور. مسرحية (أنظر للوراء بغضب) هي حقاً مسرحية اجتماعية وليست سياسية، ومهما يكن من أمر تصنيفها ودافع مؤلفها لكتابتها، فالمسرحية هي بالمطلق سيرة ذاتية لجون أوزبورن، الذي استوحاها بشكل مباشر من تفاصيل حياته الخاصة ومن حكاية زواجه غير الموفق من باميلا لين -وحياتهما معاً-، سعى فيها لكي يحقق ذاته في عمل مسرحي يصبو إليه، وقد ذكر النقاد الذين تباينت آراؤهم حول المسرحية، كان يفترض أن تحث مسرحية أوزبورن جمهور المسرح على أن يغضبوا منتفضين في وجه المجتمع البريطاني الذي كان في رأي كاتب المسرحية شديد التزمت، في ذلك الوقت. لكن الذي حدث بعد عرض المسرحية أن الجمهور ونقاداً كثيرين غضبوا من المسرحية وكاتبها ولم يثوروا غاضبين على المجتمع. (أنا الذي شعرت بالغضب، ولكن فقط لأنني أضعت وقتي)، هذا ما قاله الناقد المسرحي البريطاني إيغور براون، معبراً عن شعوره، بعد مشاهدة العرض المسرحي الذي اعتبره إعلاناً عن ولادة جيل (الشبان الغاضبين) في المسرح البريطاني بالنصف الأول من الخمسينيات الميلادية، كانت هناك ثورة حقيقية على النص المسرحي، بعد نجاح العروض المسرحية التي انطلقت من باريس، حين أطلق كل من بيكيت ويونيسكو وآداموف أعمالهم المسرحية التي اتخذت من تيار العبث واللامعقول سمة بارزة للمسرح الجديد، مما دفع للاعتقاد بأن الحركة المسرحية في لندن أخذت تتأثر بالتيار المسرحي الباريسي الجديد، ذلك التيار الذي يقوم على مسرح العبث واللامعقول بمواقفه وحواراته العبثية، وكان الفارق الوحيد أنه ظهر على خشبة المسرح اللندني دون مواربة ولا ترميز بل بواقعية وبشكل طبيعي يرصد الواقع الاجتماعي ومتغيراته، فتفاجأ الجمهور واندهش، وقد واجه تلك الإشكاليات بصورة مباشرة. مسرحية جون أوزبورن (انظر إلى الوراء بغضب). لئن حثتت الجمهور على الغضب لينتفض ضد المجتمع البريطاني الشديد التزمت في رأي كاتبها، فإن الجمهور عوضاً عن غضبهم على المجتمع غضبوا على أوزبورن ومسرحيته. إلا أن هذا التيار العبثي رغم الغضب الجماهيري والنقد الشديد الذي تلقاه من النقاد، سرعان ما انتقل إلى السينما وفنون أخرى، حتى إن مصطلح (السينما الحرة) الذي أطلقه أعلام حركة التجديد كارل رايز وريتشارد وليستر وطوني ريتشاردسون، انطلق بقوة ثائراً على المسرح التقليدي في العالم. ليكتب أوزبورن بعد مسرحيته الغاضبة أربع مسرحيات تبنى فيها العوالم العبثية نفسها. التي سادت اليوم في فنون المسرح العالمي.