كل القرّاء يبحثون عن إبراهيم الكوني، فلا يجدونه. كل أهل الأدب يتقصّون أخباره النادرة، كما يطارد هواة المشاهير نجومهم المفضّلين. ذلك أن الكاتب الليبي الذي رأى نجيب محفوظ في روايته"التبر"1997 نموذجاً للكتابة العربيّة الجديدة، يعيش في صومعته السويسريّة، بعيداً عن ضوضاء الاعلام وبريق الشهرة. نادراً ما يشارك في لقاء عام أو ندوة، أو يدلي بأحاديث صحافيّة... حتّى كاد يخيّل لبعض القرّاء، على رغم صور قليلة له نشرت هنا أو هناك، أن الكوني الذي يعتبر بحقّ واحداً من أكبر الروائيين العرب الأحياء، وأكثرهم خصوصيّة وفرادة وانتشاراً، مجرّد طيف، غير موجود في عالم الواقع! لكن ابراهيم الكوني موجود حقّاً. وقد التقاه الجمهور والاعلام ملياً هذه المرّة، في"موسم أصيلة الثقافي"السابع والعشرين... حيث فاز، أوّل من أمس، بأوّل جائزة عربيّة له خلال مسيرة أدبيّة تربو على الثلاثين عاماً وضع خلالها ما لا يقلّ عن ستين مؤلفاً في مجالات مختلفة بدءاً بالرواية طبعاً، ووصولاً إلى الدراسات النقدية والسياسية والتاريخية. وجاء الاعلان عن هذه الجائزة التي تحمل اسم الكاتب القصصي المغربي الراحل محمد زفزاف، تتويجاً لندوة أدبيّة صاخبة، حول الرواية المغاربيّة، تندرج ضمن توجهات محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة ووزير الخارجيّة المغربي في الآن نفسه، في توسّل الثقافة وسيلة للحوار والتنمية، حين تنغلق سبل السياسة أو تتعسّر. فقد حضر الى المغرب هذا العام، للمرّة الأولى منذ سنوات، الكاتب الجزائري رشيد بوجدرة،، مشاركاً في نقاش مثمر حول هويّة الأدب المغاربي واشكالاته وجذوره، الى جانب أدباء ونقاد من مختلف دول اتحاد المغرب العربي، الجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب وتونس، وأيضاً من مصر والسودان وسوريّة والعراق. وفي ختام الندوة، تم الاعلان عن فوز الكوني بجائزة محمد زفزاف للرواية العربيّة التي سبق أن منحت للأديب السوداني المعروف الطيّب صالح العام 2002. وتحلّق الأدباء الحاضرون والجمهور بحفاوة حول صاحب"رباعيّة الخسوف". وحيّا بيان لجنة تحكيم الجائزة التي ترأسها الناقد المغربي سعيد يقطين، وضمّت الطيّب صالح وفريال غزّول وصلاح فضل ومحيي الدين اللاذقاني ومحمد بن عيسى، تجربة الكوني التي تشكّل"علامة خارقة في تاريخ الرواية العربيّة والعالميّة، لأنّها كرّست رواية الصحراء مقابل رواية المدينة، وعدّلت الكثير من المفاهيم النقديّة في تاريخ الرواية المعاصرة". وكان المستعرب السويسري هارموت فاندريتش تناول خلال الندوة الفرادة الفكريّة والجماليّة في رواية الكوني، أديب الهامش، وكاتب الصحراء التي تشكّل هنا مجازاً للوجود الانساني، فالحياة البشريةّ ليست سوى رحلة عبور من الخفاء إلى الخفاء. فيماحيّا الطيب صالح تلك التجربة الغنيّة والغزيرة والفريدة، معبّراً عن ارتياحه لهذه الحفاوة، لافتاً الى أنّها المرّة الأولى التي يكرّم فيها الكوني في العالم العربي، علماً أنّه مترجم إلى لغات عدّة أبرزها الالمانيّة والانكليزيّة والفرنسية والايطاليّة والروسيّة... وصولاً الى الكازاخيّة والأوزبيكيّة. وألقى صاحب"المجوس"، بخفر يشوبه نوع من الغياب، كلمة أكّد فيها أن الابداع قدر، وأن المبدع باحث عن الحقيقة نصيبه الحزن الأبدي، ولا تفيد كنوز الدنيا في تخفيف عسر ساعة الحساب و"قصاص الأبديّة". وتحدث عن علاقة أدبه بالصحراء قائلاً:"الصحراء، كسجيّة زهديّة، ليست في الواقع سوى مبدأ الحريّة مجسداً ... إنّها تطوّق كوكبنا لتبدع له حزاماً، كما يتحدث عنها ابن حوقل في"صورة الأرض"، وتقوم بوظيفة الروح التي تسري في بدن العالم". ثم تسلّم جائزته من الوزير محمد بن عيسى وسط عاصفة من التصفيق.