من غير المستبعد ولكن من الصعب ان تأتي الانتخابات العامة الجديدة في اسرائيل اوائل العام المقبل، حسب الاتفاق امس بين رئيس الوزراء الليكودي اليميني ارييل شارون والزعيم الجديد المنتخب لحزب"العمل"عمير بيرتس، بمفاجآت يمكن ان تنهي الوضع الحالي الذي ترفض فيه اسرائيل التفاوض مع الفلسطينيين وتمضي بدلاً من ذلك في ترسيخ احتلالها للضفة الغربية وتقيم فيها"معابر دولية"تمنع الفلسطينيين من الوصول الى القدس وتتحكم في خروجهم من ودخولهم الى نابلس وبيت لحم اضافة الى القيود الكثيرة الاخرى التي يفرضها الاحتلال على حركة سكان الضفة الغربية. لقد الحقت قوى اليمين المتطرف التي سيطرت على مجرى السياسة الاسرائيلية في السنوات الاخيرة اضراراً كبيرة بآمال التوصل الى سلام بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي من اخطرها العمل الدائب لقتل امل الفلسطينيين في اقامة دولتهم المستقلة على 22 في المئة فقط من مساحة وطنهم التاريخي. وفي هذا السياق لم يكف شارون واقطاب اليمين عن السعي الى تهويد مدينة القدسالمحتلة وترديد انها ستبقى"عاصمة اسرائيل الابدية الموحدة". وفي ضوء هذه الهجمة على القدس وتكثيف البناء الاستيطاني حولها لقطعها عن بقية الضفة الغربية وما يثيره ذلك من ذكريات تاريخية متصلة باستيلاء الصليبيين على القدس وتضحيات العرب والمسلمين في سبيل تحريرها وابقائها مدينة مفتوحة لاتباع كل الديانات السماوية، فانه لم يعد من المستغرب، خصوصاً في ضوء التحالف القائم بين عتاة اليمين الاسرائيلي الليكودي المتطرف من جهة، والمحافظين الجدد وغلاة المسيحيين الانجيليين في الولاياتالمتحدة من جهة اخرى ان يطلق تنظيم"القاعدة"المساوي في تطرفه على نفسه اسم"الجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبية". لقد انهارت مفاوضات كامب ديفيد في صيف العام 2000 لاسباب ابرزها محاولة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك فرض تسوية على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تنتقص من السيادة الفلسطينية على القدسالشرقية والحرم القدسي الشريف واعتبر عرفات ان هذه قضية لا يمكن ان تكون موضع مساومة وان اي قائد فلسطيني لا يمكن ان يفرط بتلك السيادة. وبعيداً عن اي تعصب ديني، سواء كان مفتعلاً لأغراض تحقيق السيطرة بالقوة او صادراً عن جهل وقلة تسامح وعنصرية تجاه الآخرين، فان حل الصراع العربي - الاسرائيلي، وفي صلبه الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي يجب ان يتم سلمياً عن طريق التفاوض على اساس قرارات الاممالمتحدة المتصلة به التي تشمل قضايا القدس والحدود واللاجئين وعدم جواز السيطرة على الاراضي بالقوة. ولكن ما شهدناه في السنوات ال38 الماضية منذ حرب حزيران يونيو 1967 لم يخدم قضية السلام بقدر ما اذكى الصراع واطال امده واكثر ضحاياه من الجانبين، خصوصاً الفلسطيني الاضعف بكثير والذي يواجه قوة اسرائيلية طاغية. ان زعيم حزب"العمل"الاسرائيلي الجديد عمير بيرتس رجل يمكن ان يدفع في اتجاه التوصل الى تسوية سلمية مع الفلسطينيين في وقت قريب خصوصاً وقد كان من اهم ما صرح به غداة انتخابه انه يرى في الرئيس الفلسطيني محمود عباس شريكاً في المفاوضات. ولكن السؤال هو ما اذا كان اقطاب حزب العمل من اليهود الغربيين الاشكيناز سيلتفون حول بيرتس ام سيخذلونه، وما اذا كان اليمين الاسرائيلي سيوحد صفوفه مرة اخرى ويطلق آلته الدعائية ضد بيرتس كما اطلقها في السنوات الماضية ضد الفلسطينيين. لكن الامر الاكيد هو ان سياسات شارون الاحادية الجانب لن تجلب سلاماً موقتاً او قابلاً للدوام لأنها امتداد لشفرات الجرافات وسياسة الاغتيالات ضد الفلسطينيين ومصادرة اراضيهم. وهذه كلها استخدامات مفرطة للقوة الهائلة. ولكن حتى الجبروت العسكري الاسرائيلي له محدوديته التي قد تدفع الاسرائيليين الى التساؤل عما اذا كان الوقت قد حان لتغيير وجهة السياسة الاسرائيلية بعيداً عن البطش والعنصرية وباتجاه المفاوضات والتسوية السلمية لمصلحة الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني.