لا يزال الجدال مستمراً داخل الولاياتالمتحدة وخارجها في شأن الشروط التعسفية لحماية الملكية الفكرية، والمعروفة باسم اتفاقية"تريبس بلس" TRIPPS Plus، التي تفرضها الإدارة الأميركية على الدول النامية عند توقيع اتفاقات تجارة حرة مع هذه الدول. ويطال النقاش أثر هذه الشروط على قدرة مواطني الدول النامية على الحصول على الأدوية بأسعار مناسبة. ويأخذ هذا الجدل أهمية متزايدة في المنطقة العربية. وقد وقعت ثلاث من دولها على اتفاقات مماثلة حتى الآن. ويجري عدد آخر من الدول العربية مفاوضات للغرض نفسه. تقرير واكسمان و"اتفاقية كافتا" في الآونة الاخيرة، عاد هذا الموضوع ليُطرح بقوة مع تصديق مجلس الشيوخ الأميركي على اتفاقية التجارة الحرة مع خمس من دول أميركا الوسطى، والمعروفة اختصاراً باسم"اتفاقية كافتا". وفي سياق اجراءات عرض الاتفاقية على مجلس النواب الأميركي للتصديق عليها، اصدر عضو مجلس النواب عن الحزب الديموقراطي هنري واكسمان، تقريراً عن لجنة الإصلاح الحكومي في المجلس عنوانه"اتفاقيات التجارة والحصول على العلاج تحت إدارة بوش". وبحث التقرير في مدى توافق نصوص الملكية الفكرية في هذه الاتفاقيات مع"إعلان الدوحة في شأن اتفاقية التريبس والصحة العامة"الذي صدر عن"منظمة التجارة العالمية"في 2001. والمعلوم ان اعلان الدوحة يؤكد حق الدول النامية في الإفادة من أوجه المرونة المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لحماية الملكية الفكرية التريبس من أجل مراعاة حق شعوبها في الرعاية الصحية. وقد عُرف هذا الحق باسم"المبدأ الانساني". وانتهى تقرير واكسمان إلى خلاصة مفادها"إن هذه القواعد التجارية ستعيق في شكل جذري قدرة الدول النامية على الحصول على الأدوية المنقذة للحياة بأسعار غير مرتفعة. أمثلة من التهديدات الخفية ويطلق على الشروط التي يشير إليها التقرير عينه، اسم"تريبس بلس"لكونها شروطاً للملكية الفكرية تزيد على تلك الموجودة بالفعل في اتفاقية"التريبس"العالمية التي ابرمت في 1994. ورُفضت معظم تلك الشروط عندما طرحتها الولاياتالمتحدة أثناء المفاوضات الجماعية التي أدت إلى الاتفاق على"تريبس". وهو ما دفع الإدارة الأميركية إلى محاولة تضمينها في اتفاقات التجارة الثنائية والإقليمية التي تبرمها مع الدول النامية، استجابة لضغوط كبيرة من لوبي صناعة الأدوية الأميركي ذي النفوذ الهائل، والذي تمثله هيئة"فارما"الأميركية. ومن الأمثلة على هذه الشروط التي تحتويها اتفاقيات التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة بدرجات متفاوتة من السوء: 1 - تأخير تسجيل الأدوية المُصنّفة بحسب نوعها، والتي يشار اليها باسم"جنيريك"generic ، والرخيصة الثمن، في الدول النامية. ويتم التأخير عبر منح حق التسويق الاستئثاري للأدوية ذات الأسماء التجارية والمرتفعة الثمن، لفترات لا تقل عن خمس سنوات. 2- إطالة أمد حماية براءات اختراع الأدوية ذات الأسماء التجارية، وبما يتجاوز حتى فترات حمايتها داخل الولاياتالمتحدة ذاتها. 3 - الحد من سلطة الدول النامية في استغلال آليات توفرها اتفاقية التريبس ويؤكدها إعلان الدوحة، كتقييد سلطة هذه الدول في منح تراخيص إجبارية للمنتجين المحليين لتصنيع الأدوية الپ"جنيريك"رخيصة الثمن، أو منعها من استيراد الأدوية بأرخص سعر ممكن. ويطلق على تلك العملية اسم الاستيراد الموازي. 4 - مطالبة هيئات تسجيل الدواء في الدول النامية بمراقبة حماية براءات الاختراع، من دون أن يدخل ذلك في اختصاصها، وكذلك من دون أن تتوافر لها الموارد أو الخبرة اللازمة لذلك، مما يترتب عليه تأخير إتاحة الأدوية الپ"جنيريك" في الأسواق. وهو ما يخالف الوضع داخل الولاياتالمتحدة نفسها حيث يسمح بنزول تلك الأدوية إلى السوق ريثما تفصل المحاكم في النزاع في شأن براءات اختراعها. 5 - محاولة فرض حماية على وسائل علاجية وتشخيصية وجراحية لا تخضع راهناً لأي براءات اختراع. صورة"تريبس بلس"عربياً على صعيد العالم العربي وقعت الأردن والمغرب والبحرين على اتفاقيات للتجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة تحتوي جميعها على شروط"تريبس بلس". ولعل أكثرها سلبية تلك التي تحويها اتفاقية المغرب على رغم الجهد الكبير الذي بذلته"جمعية محاربة السيدا في المغرب"ALCS لتحذير صناع القرار والرأي العام من التأثيرات الضارة للاتفاقية حال توقيعها. وفي الوقت الراهن، تتفاوض سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة مع الولاياتالمتحدة للتوصل إلى اتفاقيتين مماثلتين يتوقع الانتهاء منهما قبل نهاية العام الجاري. ويتردد ان كلاً من تونس والكويت وقطر تحاول بدء مفاوضات مع الإدارة الأميركية للغرض نفسه في أمد غير بعيد. وكان الرئيس جورج بوش الابن قد أعلن العام الماضي عن رغبته في دخول منطقة الشرق الأوسط بأكملها في منطقة تجارة حرة مع الولاياتالمتحدة بحلول العام 2013. أما مصر فتسعى حكومتها الراهنة جدياً إلى إقناع الإدارة الأميركية ببدء المفاوضات في نهاية العام الحالي أو أوائل العام المقبل. غير أن تصريحات أخيرة لرئيس الوزراء المصري أحمد نظيف تمنح بعض الأمل في كون الحكومة المصرية على دراية بإشكاليات"التريبس بلس"، وربما كانت على استعداد للتصدي لها. فقد نقلت الصحف المصرية عن الدكتور نظيف، في ختام زيارة إلى واشنطن في أيار مايو الماضي هدفت إلى التسريع ببدء المفاوضات، قوله:"إن الحكومة المصرية تجري تقويماً للآثار السلبية المحتملة على المجتمع المصري وأسعار الأدوية في حال التوصل إلى اتفاقية ثنائية للتجارة الحرة مع أميركا". ويبقى الإعلان عن نتائج تلك الدراسة وعن استراتيجية الحكومة التفاوضية لتفادي تلك الآثار السلبية. وقد اجتمعت وفود من دول عربية عدة، ضمت ممثلين عن الحكومات وأكاديميين وممثلين لمنظمات مجتمع مدني ومنتجين محليين للأدوية، في ورشة استضافتها مكتبة الإسكندرية حول الملكية الفكرية والتنمية المستدامة في أواخر شهر يونيو حزيران الماضي. واشترك في تنظيمها مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية أونكتاد والمركز الدولي للتجارة والتنمية المستدامة. واحتل موضوع اتفاقيات التجارة الحرة بين الولاياتالمتحدة ودول المنطقة مساحة كبيرة من المناقشات. وانتهت الورشة إلى عدد من التوصيات شملت تشكيل شبكة بين الدول العربية لتبادل المعلومات في شأن قضايا الملكية الفكرية في اتفاقيات التجارة، وإنشاء مرصد لمراقبة مفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة في المنطقة العربية وأثرها في الصحة العامة، ودعوة الحكومات إلى تعزيز مشاركة المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في قضايا الملكية الفكرية. ويبقى وضع هذه التوصيات موضع التنفيذ مرهوناً بجدية الحكومات العربية في الدفاع عن صحة مواطنيها بصرف النظر عن حرصها على إبرام اتفاقيات تجارية مع الولاياتالمتحدة. كاتب مصري - "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"