حجز الأدباء والروائيون السوريون مكاناً متقدماً في دراما بلادهم عبر نصوص لهم تحولت الى أعمال تلفزيونية ساهمت في الارتقاء بأهمية الدراما السورية وخصوصاً على المستوى العربي العام. لكن الدخول في موضوع الكتابة للتلفزيون له تفاصيل وظروف متباينة، شجعت، وربما أجبرت، الكاتب على الإقدام وولوج هذا العالم الغني والمثير للجدل بين المثقفين خصوصاً.الرغبة في الانتشار شكلت دافعاً رئيساً لبعض الأدباء لكتابة"المسلسل التلفزيوني"، وهذا الامر يشير إليه الروائي خيري الذهبي متذكراً عودته قبل بضعة عشر عاماً مع الروائي الراحل غالب هلسا الى دمشق، حيث قال له هلسا يومها بتحسر معلقا على انتشار هوائيات التلفزيون على أسطح المنازل:"انظر كم من القراء الآن يقرأون أسوأ أنواع الرواية المسماة"المسلسل التلفزيوني"، قبل أن يضيف أن"أسوأ مسلسل تلفزيوني يمكن أن يكون له ما لا يقل عن 50 مليون مشاهد - قارئ - فيما أعظم رواية عربية لا تحصل على أكثر من عشرة آلاف قارئ!". ويقول الذهبي:"ربما كان لهذه الملاحظة يومها من التأثير ما جعلني كما غيري من الكتاب السوريين، نحاول الحصول على حصة من هؤلاء القراء وضخ بعض"النسغ الفني"في الأوردة العجفاء التي تغذي هذا الفن الهجين الذي حاول الحلول محل فنين أصيلين هما الرواية والفيلم السينمائي".محاذير ومحظورات ولكن في مقابل الانتشار الذي يتيحه التلفزيون للأعمال الأدبية ثمة محاذير كثيرة تتصل بالرقابة خصوصاً وبتحكّم المنتج والمحطة المستقبلة بنوعية العمل، هنا يشير الذهبي الى منع الرقابة بعض أعماله مثل"الوحش والمصباح"عن غزو تيمورلنك لدمشق، و"شطار"الذي انتجته قناة دبي و"أبو حيان التوحيدي"، كما يذكر انه كتب عملاً عن الصراع العربي - الصهيوني بناء على طلب أحد المنتجين لكن لم تقبل أي محطة شرائه، ويستخلص أن"كل مشروع جدي تريد أن تستخدم التلفزيون أداة لإيصاله لن يسفر إلا عن الخيبة"، مشيراً إلى أن المطلوب من التلفزيون أن يكون"غذاء على الطريقة الاميركية"لمرضى المستشفيات أو كما يسمونها"دراما فقاعة الصابون". لكن الانتشار ليس الدافع الوحيد للتوجه نحو كتابة الدراما كما يرى روائيون آخرون، اذ يشير خالد خليفة صاحب مسلسلات"سيرة آل الجلالي"و"أهل المدينة"و"قوس قزح"و"حروف يكتبها المطر"... إلى أنه في البدء كتب الدراما لحاجته المادية، لأن الانتشار لم يعن له كثيراً حينها لكن الأمر اختلف في ما بعد ل"تصبح كتابة الدراما وسيلة تعبير أخرى لا تشبه فن الرواية"، ويعلق خليفة الذي كتب أيضاً روايات"دفاتر قرباط"و"حارس الخديعة"و"مديح الكراهية":"بدأت أشعر، حالياً، بمشكلة مع العمل الجماعي الذي يفرضه النص التلفزيوني ، إذ أنه يجعل من هؤلاء الشركاء رقباء حقيقيين على رغم تباين مستواهم المعرفي والمهني... وهذا نمط آخر من الرقابة يختلف عن مفهوم الرقابة التقليدي".ويضيف الروائي نهاد سيريس الى الدوافع المذكورة رغبته في الوصول إلى المتلقي / المشاهد الذي يفضل أن يبحث عن المتعة والثقافة خارج الكتاب، بمشاهدة التلفزيون، ويقول سيريس الذي كتب أعمال"خان الحرير"و"الثريا"و"الخيط الأبيض"من أجل ذلك لم أحرم هذا المتلقي من المعرفة، ولم أحصره فقط في التسلية فقدمت له إمكان الرواية المعرفية في المسلسل التلفزيوني". الرواية أولاًپالجانب المشترك الذي يجمع عليه كتاب السيناريو هو تعلقهم بعالم الرواية، فيرى خليفة نفسه دائماً في الرواية"الفن العظيم والعميق هذا المكان الأساسي الذي أعيشه من ألفه إلى يائه"، في ما يصف الذهبي الرواية بفن"يتوسل الكلمة وهي تجريد للتعبير عن الفكرة فيما يحبس المسلسل الفكرة في الصورة، وأضيف الى هذه الناحية أن كثيرين يتدخلون في النص من مصممة الأزياء وحتى المخرج والمنتج فالمحطة الموزعة والمستقبلة التي يحق لها أن تحذف وترتب ما يشاء". بدوره يرى سيريس أن مهمة الروائي قيادة القارئ الى العوالم التي يصنعها وكذلك يفعل كاتب السيناريو ولكن بخلاف بسيط جداً، وهو ان الروائي يقود خيال كل قارئ للرواية بينما كاتب السيناريو يقود خيال شخص واحد فقط هو المخرج، وفي كلتا الحالتين هناك عملية صناعة المخيلة". ويبرر سيريس تفضيله للرواية بكونها تصل الى عقل القارئ ومخيلته وحيدة من دون تدخل من الآخرين بينما في الدراما تصل الى المشاهد مختبئاً خلف المخرج". باختصار نجد ان الإقبال على العمل للتلفزيون لا يحمل دائماً غراماً لهذا الجهاز الذي"اخترعته أميركا في سعيها لتهديم الحياة الاجتماعية"، كما يقول الذهبي، مضيفاً أن"حلم كل الدول الاستبدادية ان يعود المواطن المتعب من عمله الى بيته ليغلق بابه عليه ويجلس الى التلفزيون حتى موعد النوم فيصحو في اليوم التالي الى عمله... فلا لقاء ولا حوار ولا تشكيل رأي سياسي أو اجتماعي مع الآخر"مضيفاً ان الأمر"لا يختلف كثيراً من العالم العربي حيث سيطرت الرقابة في بعض الدول على ساحة الإنتاج التلفزيوني وفرضت أعمالاً تاريخية لا هم لها إلا تمجيد الملوك والرؤساء السابقين الذين لا يخطئون والمباركين دوماً، أما إن ذكرت يوماً حاكماً فاسداً، وما أكثرهم في التاريخ العربي، فليس هناك من محطة واحدة على استعداد لتبني عملك!".