حتى وقت قريب كانت الدراما العربية عموماً والسورية خصوصاً تعتمد القصة القصيرة عموداً فقرياً للنص التلفزيوني. لذلك كانت غالبية المسلسلات تشبه القصة القصيرة الممطوطة على حلقات عدّة. ويبدو ان الشرط التلفزيوني كان فرض هذه الآلية لحاجة الشاشة الصغيرة الى النظام التسلسلي. في بداية الثمانينات عاد البعض الى المصدر الاكثر ملاءمة للمسلسل التلفزيوني، اي الرواية الادبية. وقد عولجت روايات في التلفزيون بالطريقة نفسها التي كانت تعالج بها القصة القصيرة. فكانت الرواية الادبية تتحول في النهاية عدداً من الحكايا التي لم تنجح في تقديم كتلة مجتمعية حقيقية. ونحن نقول بروايات الكتل الاجتماعية لانها الاقرب الى روح الدراما التلفزيونية. وفي تلك المرحلة نجحت تجربة واحدة في الدراما السورية لملمت نواقص معالجة الرواية وقدمت تجربة تستطيع ان تدعي في اسوأ الحالات انها مختلفة. تجربة وقعها الفنان طلحت حمدي بعنوان "السنوات العجاف". ومع ذلك فان دخول الرواية الادبية التلفزيون ولّد شروطاً جديدة لآلية الانتاج التلفزيوني في سورية، اذ ان الرواية الادبية العربية عموماً اعتمدت زمنياً التاريخ المعاصر، وانشغلت الى حد كبير بالنهضة المجهضة، وبالوقوف عن بعد على التجربة السياسية والاجتماعية والحضارية لمجتمعها... وهذا التاريخ هو عموماً تاريخ عام يفترض تقديم بيئة كاملة ودقيقة عبر كمّ من الشخصيات والاحداث... كل ذلك يعني ان التلفزيون اذا اراد الاقتراب من الرواية عليه ان يطرح جانباً امكاناته المادية والانتاجية المتواضعة، لان الرواية، في اختصار شديد، تتطلب انتاجاً ضخماً. وهذا الانتاج هو بالمقاييس المحلية - قبل ان يخطوا التلفزيون خطواته الاولى نحو الرواية كان بعض العاملين في ميدانه دعوا الى ايجاد رواية تلفزيونية قادرة على جمع روح الرواية الادبية والعمل التلفزيوني. وكان على رأس هؤلاء في سورية المخرج هيثم حقي، وفي مصر كان الكاتب اسامة انور عكاشة بدا المشروع نفسه، وان كان منطق الرواية التلفزيونية متقارب بين الدعويين. ولكن كان تنفيذ المشروع في سورية اكثر صعوبة، خصوصاً مع عدم توافر الاستوديوهات الكبيرة التي تسمح بايجاد بيئة كاملة، ومع ذلك فان التجربة حظيت بحيّز من النجاح اكبر مما فعلته في مصر والسبب يعود الى خروج الكاميرا التلفزيونية الى الاماكن الحية في ظل غياب استوديوهات كبيرة... ورب ضارة نافعة. وكانت اول تجربة حقيقية في هذا المجال، جمعت بين الانتاج الضخم والرواية التلفزيونية، مسلسل "هجرة القلوب الى القلوب" للروائي عبدالنبي حجازي والمخرج هيثم حقي. والتجربة الثانية وقعها المخرج نفسه، وهي مسلسل "الدغري" العمل الذي اعده رفيق الصبان عن رواية الاديب التركي عزيز نيسين "زوبل" ومع دخول المخرج نجده انزور الوسط الفني في سورية انجز اول عمل له ضمن هذا التوجه مسلسل "نهاية رجل شجاع" الذي اعده حسن.م. يوسف عن رواية بالعنوان نفسه للاديب حنا مينة، اكثر الروائيين السوريين الذين نُقلت اعمالهم الى الشاشة الكبيرة. وفي "اخوة التراب" اقترب الكاتب حسن.م. يوسف والمخرج نجده انزور كثيراً من شكل الرواية التلفزيونية، لكنهما لم يحققا شروطها كاملة فيما استمر حقي في مشروعه، فانجز "خان الحرير" و"الثريا" للروائي نهاد سيريس. وقبل ذلك كان فؤاد شربجي انجز "ابو كامل" في جزءين مع المخرج علاء الدين كوكش، وثمة محاولات كثيرة قام بها البعض ولكن لم يكتب لها نجاح الرواية التلفزيونية مثل "حمام القيشاني" باجزائه الثلاثة، فيما يستمر هيثم حقي في متابعة مشروعه وهو يحضر الان لرواية تلفزيونية جديدة بعنوان "سيرة آل الجلالي" للكاتب خالد خليفة. ويعمل المخرج نجده انزور على انجاز ثاني لرواياته، وهي مرة اخرى للاديب حنا مينة. وعنوانها بقايا صورة، وسبق لنبيل المالح ان اخرجها للسينما. وان كانت الرواية التلفزيونية اوجدت لنفسها كياناً مستقلاً، حتى عن الرواية الادبية نفسها لوجود بعض الاختلافات بينهما، خصوصاً على صعيد التلقي، فانها نجحت في جعل الانتاج الجيد سمة من سمات الانتاج الدرامي السوري، ليس فقط في الرواية انما في كل انواع الدراما. وأيضاً فقذ اسست لدراما سورية جديدة نجحت في فرض نفسها على ساحة البث العربي... وما زالت.