سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"المكتب الثاني حاكم في الظل" كتاب عن العلاقات الاستخباراتية بين سورية ولبنان . صحف بيروت هاجس دمشق ... وانزال الخشبة على الحدود رد سوري على انتقاداتها - قسم ثاني 3 من 4
مزمنة تعود إلى منتصف الستينات: علاقة الدولة اللبنانية بالمقاومة الفلسطينية، حرّية التحرّك الممنوحة للاجئين السياسيين السوريين، الإعلام اللبناني، إلى جانبية أخرى أقل أهمية، منها استعادة السوريين الفارين من خدمة العلم في بلدهم واسترداد مواطنين سوريين يهود نزحوا إلى لبنان. توجه الشهابي الى البستاني في 15 تموز 1971 في اجتماعهما في دمشق بالقول:"من المستغرب أنّه عندما كانت العلاقات على أسوأها مع لبنان في العهد الماضي، كان التعاون مجديًا مع الاستخبارات. أمّا اليوم، فيما التعاون والعلاقات بين البلدين على أفضل حال، فإنّ تعاون أجهزة الاستعلام والأمن في أضعف حال". والواقع أنّ الاستخبارات العسكرية اللبنانية كانت تشترط لاستجابة أيّ مطالب سورية، استجابة دمشق مطالب مضادة انطوى بعضها على مبرّرات إنسانية وأخرى سياسية. ولم تحظَ دائمًا باقتناع سوري يؤدّي إلى دعم جهود الشعبة الثانية في مراقبة الرعايا السوريين المقيمين في لبنان المناهضين للنظام السوري. مع ذلك بذلت مساع للحصول على تفهّم دمشق وحؤولها دون تسهيل تسلّل مسلحين إلى داخل الأراضي اللبنانية، خصوصاً عبور متطوّعين عرب للقتال إلى جانب المقاومة الفلسطينية في الجنوب. كانت لعبة الخداع تُمارس في الاتجاهين. إذ كان في وسع كلّ منهما استخدام المناورة للضغط على الآخر لبناء توازن في علاقاتهما بإنكار دوره في تشجيع مناوئي الطرف الآخر، أو ببعث طمأنينة مراوغة إلى مساعدته على حفظ استقراره الداخلي. أوفد البستاني الرائد هاني عبّاس إلى دمشق في 14 تشرين الثاني نوفمبر 1791 للاجتماع بحكمت الشهابي وتسليمه تقريرًا عن نشاط الرعايا السوريين المعارضين في ضوء استقصاءات الشعبة الثانية عنهم، في إشارة إلى رغبتها في إظهار حسن نيّة وصدق في التعاون مع نظيرتها السورية. ردّ الشهابي بعد اطلاعه على التقرير بالقول:"لا أشكّك إطلاقًا في إخلاص العقيد الركن البستاني في مساعدته لنا، وكذلك جميع المسؤولين اللبنانيين. ونشكر هذه المعاملة التي لم يسبق أن كانت قائمة في الماضي على نحو صريح كهذا. وأضيف بأنّ الحكم القائم في سورية لا يكنّ للبنان إلاّ كلّ ود وإخلاص، وآمل في أن يستمر التعاون بين الطرفين على هذا النحو المثمر. إنّ الحكم في سورية قوي ومستقر وثابت على قواعد شعبية متينة لم يسبق أن تأمنت لحكم سابق. والعلاقات مع لبنان على أعلى المستويات على أحسن ما يرام، والشعب السوري مرتاح ومؤيد لتصرّفات حكامه. وكلّ ما يشاع عكس ذلك تشويه للحقائق، وفي إمكان أيّ إنسان أن يلمس ذلك عمليًا أثناء وجوده في سورية. لكن هناك بعض المواضيع التي يجب ألاّ تعكّر الاستقرار تحصل في لبنان. فإذا استثنينا النشاطات الإعلامية ضدّ الحكم السوري في بعض الصحف، ثمّة سوريون في لبنان يعملون للتشويش على الحكم في سورية. واستمرارهم في تشويههم لا شك يسيء إلى العلاقات القائمة بين لبنان وسورية". وعندما سأله هاني عبّاس عمن يعني, سمّى:"أمين الحافظ وجماعته، ومحمد عمران وجماعته، وجماعة أكرم الحوراني". وأكد أنّ المعلومات المتوافرة لديه تشير إلى أنّ"هذه العناصر قطعت شوطًا بعيدًا في توحيد جهودها للعمل ضدّ سورية، وإنّ اجتماعات عقدت الشهر الماضي تشرين الأول 1971 ولا تزال تعقد بين هذه الأطراف، ولولبا الحركة هما أمين الحافظ ومحمد عمران. الأول ازداد نشاطه كثيرًا وعقد اجتماعات في بيروت وطرابلس، بتشجيع من العراق ومساندته". وأضاف:"وضعت أشخاصًا لمراقبة هؤلاء، والمعلومات تصل إليّ عن نشاطاتهم بشكل مستمر. وأطلب أن يتم تعاون مباشر لرصد نشاطات هذه العناصر، وأن يكون ذلك مباشرة بيني وبين العقيد الركن البستاني لتبادل المعلومات حول هذا النشاط، لأنّ هذه الطريقة أجدى وتعطي نتائج مفيدة للطرفين في سبيل المصلحة العامة". عرض عضلات سبق الزيارة اجتماع بين البستاني والشهابي في 15 تموز 1971 في دمشق، أثار فيه الاول استمرار جهاز نظيره في ملاحقة معارضي النظام اغتيالاً وخطفًا إلى سورية. وهو أسلوب درجت عليه الاستخبارات السورية على تعاقب أنظمتها، إلاّ أنّه أضحى أكثر حدّة في ظلّ حزب البعث وتَضَاعَفَ تأثيره بعد إنشاء تنظيم الصاعقة، الفلسطيني الهوية والسوري الإمرة، عام 1968. كان البستاني حمل معه إلى دمشق مضاعفات حادث أمني وقع في بيروت قبل ثلاثة أيام. إذ أقدم سبعة مسلحين ملثمين على مهاجمة منزل عضو القيادة القومية لحزب البعث الطبيب العراقي فؤاد شاكر في وطى المصيطبة واشتبكوا معه ومع بعثيين آخرين هما اللبناني مالك الأمين والأردني حاكم فايز، والثلاثة كانوا من مؤيّدي صلاح جديد الذي أطاحه حافظ الأسد في تشرين الثاني 1970. وأدّت محاولة الخطف إلى مقتل أحد المسلحين وتبيّن أنّه سوري، فيما نجح رفاقه في اقتياد حاكم فايز إلى دمشق. وقال البستاني:"إنّ تدابير كهذه تتوخى عرض العضلات في صورة رخيصة، وقد يكون في تفكير البعض في أوساطكم لاعتبارات حزبية أنّ لها مسوغات وجيهة في نمط من الصراع الحزبي الضيّق، غير أنّ نشاطات تصفوية على أرض لبنانية صديقة شقيقة تسيء إليكم في الرأي العام اللبناني والعربي، وتسيء إلى العلاقات الطيّبة المفيدة لمصلحة البلدين". ردّ الشهابي بأنّه مقتنع"بعدم جدوى أعمال كهذه، ولكن هناك التزاما حزبيا حيال الفوضى في مفهوم الحرّيات في الصحف اللبنانية التي تسيء إلى الحزب الحاكم والجيش والشعب السوري لتعرّضها لهم يوميًا". ولاحظ أنّ القانون اللبناني"لو طُبّق بحزم ضدّ هذه الجرائد عندما تتعرّض للحكام والجيش السوريين، فمن شأن ذلك الحدّ كثيرًا من تهجّمها". وبمقدار ما بدا هاجس الاستخبارات السورية التعاون مع الشعبة الثانية اللبنانية للاستقصاء عن نشاطات السوريين المقيمين في لبنان أو الفارين إليه، اهتمت كذلك بمعرفة نشاطات قام بها سوريون لمصلحة العراق. كان الموضوع في صلب مهمّة الرائد هاني عبّاس في دمشق ولقائه الشهابي في 14 تشرين الثاني 1971. يومذاك سأله الشهابي عن التحقيقات التي كانت تجريها الشعبة الثانية اللبنانية مع موقوف فلسطيني اتهمته سورية بالتواطؤ ضدّها هو عيسى الشاويش. كان الرجل نزح من يافا إلى عمّان وعمل لاحقًا مع الإستخبارات الأردنية بين عامي 1957 و1966 مكلّفًا مراقبة النشاط الفدائي. بعد سجنه لإقدامه على تزوير هرب إلى سورية وعمل لدى استخباراتها في مهمّة جمع معلومات عن الحدود السورية - الأردنية إلى أن اكتشفت أنّه عميل مزدوج لها وللأردن، فاعتقلته وأبعدته إلى لبنان. على أنّها عاودت التعاون معه وكلّفته مراقبة نشاطات الفدائيين الفلسطينيين والسوريين المقيمين في لبنان العاملين ضدّ النظام السوري. بيد أنّ وضعه تحت المراقبة أظهر للاستخبارات السورية تعامله في الوقت نفسه مع الاستخبارات العراقية. وما لبث أن كشف للاستخبارات العراقية أسماء الجهات والمخبرين الذين تعاملت معهم سورية، فقطعت علاقتها به عام 1970. كذلك أبرز استقصاء الاستخبارات السورية أنّه ظلّ يسلّم الاستخبارات العراقية معلومات عن سورية من بينها كشفه علاقة جمعته بعناصر في الاستخبارات السورية. اعتقلته الشعبة الثانية اللبنانية، وسرعان ما تلقّت من الشهابي طلبًا بالاطلاع على نتائج التحقيقات معه ومعرفة عناصر الاستخبارات السورية التي تعامل معها منذ منتصف عام 1970. تبادل البستاني والشهابي الزيارات، وتحاورا بالواسطة عبر موفدين كلّما رغبا في تزوّد معلومات مِمّا ساهم في توطيد العلاقة بين الرجلين. فتشعّبت قنوات الاتصال بينهما تبعًا لشخصية الموفد وملامح المرحلة، كما وفقًا للموضوع المطروح للمناقشة الذي كان يثار أحيانًا مع أكثر من مسؤول أمني سوري. في السنة الأولى من تسلّمه رئاسة الشعبة الثانية، حاور البستاني يعاونه مساعده الرائد عبّاس حمدان والرائد هاني عبّاس من الجانب السوري العميد حكمت الشهابي ومعاونه المقدّم علي دوبا ورئيس شعبة الاستخبارات في سلاح الجوّ الرائد محمد الخولي ومدير الأمن القومي العقيد عدنان الدبّاغ وقائد الشرطة العسكرية الرائد علي المدني. كذلك أرسى علاقات مماثلة مع رئيس الحكومة اللواء عبد الرحمن الخليفاوي ووزير الداخلية العقيد علي ظاظا واجتمع بهما كلّما كان يزور دمشق. وفي كلّ مهمّة للبستاني أو لمعاونيه إلى دمشق كان الشهابي يردّد كما معاونه علي دوبا على مسامعهم ما كان يرد في الجرائد اللبنانية وانتقاداتها لسورية، وكانا يحضانهم على وقف التعرّض للنظام السوري. وما أن يعود الضبّاط اللبنانيون إلى بيروت ينتهي الأمر بإجراء إتصالات بالصحف اللبنانية المعارضة والطلب إليها تخفيف غلواء مناوأتها وحملاتها على سورية. رمت الاجتماعات الثلاثة التي جمعت البستاني والشهابي في 16 حزيران 1973 و18 منه في جديدة يابوس، ثمّ في 23 منه في المصنع، إلى تصويب علاقة السلطة اللبنانية بالمقاومة الفلسطينية من خلال دور تضطلع به سوريا. في اجتماع 18 حزيران اثر حوادث أمنية ناجمة عن اطلاق منظمات فلسطينية النار على مدنيين لبنانيين والتعرّض للجيش وقوى الأمن وتوقيف ضبّاط وعسكريين ليل 16 حزيران، شدّد الشهابي على"أن تعالج المخالفات من دون اللجوء إلى العنف. وأيًّا تكن الأحوال، لا بد من اعادة الثقة لدى المقاومة واقناعها بأنّه لم يعد من خوف على وجودها في لبنان، وكذلك اقناع الدول العربية وسورية بأنّ الثقة عادت فعلاً إلى صفوف فصائل المقاومة. وحتى نتوصل إلى هذا الاقتناع، نرى من الضرورة عقد اجتماعات على أعلى مستوى لمناقشة المواضيع العالقة بين قادة المقاومة والسلطة اللبنانية ومعالجتها". ولم يفته تأكيد الموقف السوري الذي يجمع في رأيه بين سيادة لبنان والتضامن مع المقاومة الفلسطينية وتأييدها. اتفاقات بلا تنفيذ أمّا الشكوى الدائمة للبستاني فهي أنّ المقاومة الفلسطينية لا تلتزم تنفيذ الاتفاقات، وأحيانًا"لا تكون لديها القدرة على التنفيذ". فشدد الشهابي:"على ضرورة الاجتماعات على مستوى عال، وتمثيل فصائل المقاومة جميعها خصوصاً منظمتي فتح والصاعقة، لأنّ تمثيلها في الاجتماعات يُلزمها ما يُتخذ من قرارات، وليس من ضرر في التوقيع". رد البستاني:"إنّ المقاومة لا تحب التوقيع", فقال الشهابي:"سبق لها أن وقّعت إتفاق القاهرة". أجاب البستاني:"لكنّها رفضت في ما بعد توقيع أيّ محضر إجتماع. وفي الفترة الأخيرة حاولنا جاهدين التقيد الكلي بما نصّ عليه الاتفاق الذي ينفّذ بروحية مغايرة لتلك التي وُضِع فيها. نشعر بحرج موقف قيادة المقاومة، ونعمل على عدم تقييدها بتواريخ ملزمة لعلمنا بعدم قدرتها على التزام هذه التواريخ. وبرهانًا على ذلك، سبق أن وعدت بإخلاء بعض المواقع التي تعتبر وجودها فيها مخالفًا للاتفاقات والتعهدات كلهّا، وتقع حصرًا غرب طريق المصنع - الحاصباني وذلك حتى تاريخ 6 حزيران 1973 حدًا أقصى، بناء على طلبها. ونرى الآن أنّها لم تتمكن من الإخلاء. وعندما كنا نراجع لمعرفة الأسباب كان الجواب: يُرجى تفهّم أوضاعنا الداخلية اذ أنّنا ملزمون اتباع أسلوب معيّن مع المقاتلين لإقناعهم بضرورة القيام بعمل ما، فنضطر إلى التأخير في التنفيذ. وما سوى ذلك من أسباب واهية". وأضاف:"إنّ الواقع ليس بالصورة التي يصوّرونها لأنّ المماطلة التي تُقابل بها فصائل المقاومة لبنان فريدة من نوعها. وأود أن أسأل: هل يُسمح لعناصر لا تحمل أيّ إثبات إحصائي بالدخول إلى الأراضي السورية؟ وهل يُقبل بعدم السماح لقوى الأمن بالتحقيق داخل المخيمات في الجرائم المرتكبة ضدّ مواطنين سوريين؟ وهل يُسمح بأن تقيم عناصر غريبة على الأراضي السورية من دون أن تُسجّل في دوائر الأمن العام السوري؟". أجاب الشهابي:"في سورية أجانب كثيرون ليس لديهم أيّ إثبات إحصائي قانوني. ثمّ إنّ الحدود السورية كالحدود اللبنانية مفتوحة لعبور المخالفين، لكنّ المخالفات الأخرى تُعالج بحزم أكبر عندنا". على أنّ الشكوى السورية من الصحف اللبنانية ظلت تتقدّم قلق دمشق إلى حدّ التلويح بإجراءات ضدّ لبنان ما لم تسيطر السلطة على دور الصحف. كان جواب البستاني في اجتماع 23 حزيران 1973 في المصنع تأكيد استقلال الإعلام اللبناني وحرّيته، وكون الصحافة اللبنانية هيئة نقابية مستقلة عن السلطة وتخضع لقوانين نافذة في حماية حقوقها والتزام واجباتها. وكان قبل ذلك قد أكد له في اجتماعهما في 15 تموز 1971 في دمشق أنّ قيادة الجيش"تحيل على القضاء الصحف التي يطاولها القانون اللبناني في حال تهجمت على رئيس الدولة السورية والجيش، كما لو كان ذلك يمسّ الجيش اللبناني". ولفته إلى أنّ القانون اللبناني رفع"صلاحية المحكمة العسكرية في مثل هذه القضايا، وإنّ المحاكم المدنية هي التي تنظر فيها".