شكلت التحفظات المصرية عن أحد بنود"اعلان البحرين"في ختام"منتدى المستقبل لتنمية الديموقراطية في العالم العربي"، مؤشراً الى ان القاهرة تجاوزت محنة الضغوط الشديدة التي تعرضت لها خلال العامين الماضيين لدفعها الى البدء بإصلاح سياسي. وبعد انتهاء انتخابات الرئاسة على النحو الذي خطط لها، ومع افتتاح الانتخابات البرلمانية الممتدة على ستة اسابيع، تشدد السلطة والحزب الحاكم على ان التصويت في الاقتراعين هو تصويت على الاصلاح، ما يعني ان الفوز المضمون للحزب الوطني بأكثر من ثلثي مقاعد مجلس الشعب سيكون تأييداً ومباركة ل"مسيرة الاصلاح"التي بدأت عملياً بتعديل المادة 76 من الدستور، فألغت الاستفتاء على مرشح وحيد للرئاسة وفتحت باب التنافس عليها. لكن التحفظ المصري في المنامة تناول مسألة صرف المساعدات الخارجية لمنظمات المجتمع المدني، اذ اشترط ان تكون هذه المنظمات غير الحكومية"مرخصاً لها". وهذا يعيد الجدل الى المربع الأول، فالخلاف ليس على مشروعية الترخيص وانما على المعايير التي تتحكم باعطائه أو حجبه. ولا شك ان دولاً كثيرة مشاركة في"منتدى المستقبل"تشارك مصر في تحفظاتها، إلا ان تلك الدول تركت لمصر أمر المواجهة مع الأميركيين والأوروبيين. والواقع ان موجة الاحتجاجات الصاخبة التي شهدتها مصر ما كانت لتكون لولا منظمات غير مرخص لها فرضت نفسها في الشارع، وخلقت واقعاً جديداً استوجب تغييرات في الأداء الأمني والسياسي. وما لبثت هذه التغييرات ان انعكست على الانتخابات البرلمانية، فمن جهة أسست حركة"كفاية"نمطاً من العمل أربك السلطة بطابعه السلمي اللاعنفي، ومن جهة أخرى اضطرت هذه السلطة الى قبول ضمني لجماعة"الاخوان المسلمين"المحظورة قانونياً في إطار التنافس الانتخابي. على رغم الجهد الرسمي الذي بذل، وما بدا انه"تنازلات"من السلطة، لم تستقطب الانتخابات، رئاسية وبرلمانية، أكثر من 25 في المئة من الناخبين المسجلين، وهؤلاء لا يشملون في أي حال جميع من يحق لهم التصويت. وهذا يشير الى أزمة ثقة مزمنة وراسخة في العلاقة بين المواطنين وصناديق الاقتراع. لذلك فإن المرحلة المقبلة قد تعود سريعاً الى مواجهة الأزمة نفسها، طالما ان التغيير المتوخى لا يزال بعيداً، إلا إذا استبقت الحكومة المقبلة والحزب الحاكم حركات الاحتجاج ببرنامج واضح ومعلن للاصلاحات، مرفق ببرنامج زمني لانجاز القوانين الجديدة أو المعدلة، فالمتوافق عليه عموماً هو ان المرحلة المقبلة مرحلة انتقالية. أحد أبرز القوانين المطلوب تغييرها هو قانون الانتخاب، لأنه بصيغته الراهنة كان ولا يزال موجهاً لضمان فوز مرشحي الحزب الحاكم وسيطرته على ثلثي مقاعد البرلمان، وبالتالي تحكمه بالعمل التشريعي. وفيما يقر قادة الحزب الحاكم بأن الانتخابات الحالية هي الأخيرة التي تجري وفقاً لهذا القانون، فإن النتائج المتوقعة لن تسفر عن تغيير جوهري في تركيبة المجلس المدعو الى إدارة المرحلة الانتقالية وبلورة الاصلاحات وإقرارها. لكن جديد المجلس المقبل سيكون في ازدياد عدد أعضائه الممثلين لجماعة"الاخوان المسلمين"، وتراجع أولئك الممثلين للاحزاب الأخرى في المعارضة. وإذ ينفي الحزب الحاكم و"الاخوان"وجود أي تفاهم انتخابي بينهما، برز الجدل، خصوصاً في الإعلام، عما تنويه السلطة مستقبلاً بالنسبة الى الوضع القانوني ل"الجماعة". فلا يمكن ان تكون محظورة وصاحبة ثاني تكتل نيابي بعد الحزب الحاكم، ولا يمكن الاستمرار في مطاردة اتباعها مع وجود نواب لها في البرلمان. هذه معضلة لم يعد من المفيد إهمالها، بل يمكن القول ان العالمين العربي والاسلامي يترقبان من مصر حلاً لها يمكن ان يشكل نموذجاً يحتذى به خارجها. التحفظات المصرية في المنامة مفهومة ومشروعة، لكنها قد لا تكون كافية لاقناع الآخرين بأن لعبة السياسة في الداخل باتت سليمة مئة في المئة. فالاصلاحات لا تزال في بداية البداية، ثم ان"ديموقراطية الحزب الحاكم"تديم الشكوك في تعددية مقننة لا تملك فيها الأحزاب المرخص لها أكثر من الحق في الوجود.