سئل الملك الراحل الحسن الثاني في آخر حياته ان كان مستعداً لمنح الصحراء حكماً ذاتياً، فأجاب: شرط ألا يكون ذلك مقدمة لجعل حدود بلادي لا تتجاوز إمنتانوت، وهي منطقة جنوبمراكش. ولعله كان يروم التفريق بين نظام اللامركزية والتوجه الفيديرالي، أي أن يكون الحكم الذاتي قائماً على توزيع السلطات واقامة مؤسسات ديموقراطية وتنفيذية مرتبطة بالسلطة المركزية في القضايا الاستراتيجية. غير انه في التجربة التاريخية للاقاليم الصحراوية ان علاقاتها بالسلطة المركزية كما أقرها الحكم الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي كانت أقرب الى النظام اللامركزي عبر تعيين الولاة والقضاة واتخاذ قرارات الحرب وبسط نفوذ الدولة. ومثل أي اقاليم عانت من الاستعمار كان طبيعياً ان تنشأ ظروف مغايرة في المسار الوحدوي تطاول الخصوصيات الثقافية والعلاقات السياسية والاجتماعية. وبعد أن كانت حكومة مدريد ترى ان قرار"الجماعة الصحراوية"البرلمان المنتخب له صلاحيات البت في تقرير مصير السكان اتخذ الصراع طابعاً آخر. تارة من خلال رهن التقرير بالاستشارة الشعبية وأخرى من خلال دخول لعبة الأطراف المعنية وارتداء النزاع طابعاً اقليمياً. الا أنه في غضون التطورات كافة كان يجري تغييب الطرف الأساسي الذي هو سكان الاقليم الذين ارتضوا معاودة تصحيح علاقات تاريخية وقانونية مع السلطة المركزية. ودليل ذلك ان اللجنة الدولية المكلفة تحديد الهوية خلصت الى وجود غالبية صحراوية في الغرب وأخرى أقل موزعة بين تندوف وموريتانيا. ولو أن جبهة"بوليساريو"كانت تحظى بصفة الممثل الوحيد للسكان لما كانت الحاجة الى تحديد الهوية واهدار المزيد من الجهود بحثاً عن تسوية تقبلها كل الأطراف. كون النزاع سجل في مجلس الأمن في خانة ما يتطلب الاتفاق الكامل وعدم فرض أي حل من الخارج. منح الاقليم الصحراوي حكماً ذاتياً موسعاً جاء بمثابة حل وسط بين الدمج الكامل أو الاستقلال الكامل. وكان الوسيط الدولي السابق جيمس بيكر أول من طرحه لتجاوز مأزق التباعد في مواقف الأطراف، غير أنه من خلال اعتبار الجزائر وموريتانيا مراقبين كان يستند الى وجود صحراويين على أراضيهما. وما يبعث على التساؤل هو أن قيام تفاهم بين المغرب وموريتانيا مثلاً يدفع نواكشوط الى التزام الحياد. والحال ان غياب ذلك في العلاقات بين الجزائر والمغرب يزيد في توتر الأجواء. ولم يكن رفض الرباط الخطة الثانية لبيكر التي جمعت بين الحكم الذاتي والاستفتاء جديداً. فقد سبقتها الجزائر و"بوليساريو"الى رفض الخطة الأولى التي اعتبرت الحكم الذاتي نهائياً. جديد التطورات في نزاع الصحراء ان العاهل المغربي الملك محمد السادس أقر خطة مشاورات مع الزعامات السياسية وشيوخ القبائل الصحراوية لعرض اقتراح بلاده على مجلس الأمن. وبمقدار ما ترتدي الاستشارة طابعاً ديموقراطياً في استيعاب كل الأفكار والتصورات، يتحرر ملك البلاد من القيود في المفاوضات القادمة، بمقدار ما يمكن ان تفضي الى المزيد من التشدد. ففي تجربة اقتراح الاستفتاء دفع الزعيم المعارض عبدالرحيم بوعبيد ضريبة رفضه عبر أحكام بالسجن، وكان يقول ان كل الشعب المغربي تجب استشارته حول قرار الاستفتاء. بيد أن التطورات السياسية تنحو في المغرب في اتجاه آخر، أقربه الربط بين صيغة الحكم الذاتي وتطوير الخيار الديموقراطي. ورهانهم في ذلك ان احترام ارادة السكان في اختيار ممثليهم في البرلمان والحكومة المحليين، والافساح في المجال أمام المنتسبين لجبهة"بوليساريو"للمشاركة في ذلك تحت مظلة مغربية برعاية الأممالمتحدة، أفضل من تركهم في مخيمات تندوف من دون استيعاب مشاكل الداخل. سيحتاج الأمر الى مفاوضات عسيرة، لكن المناخ الذي يتحرك ضمنه الوسيط الدولي الجديد بيتر فان فالسوم يبدو مغايراً للظروف التي تسلم فيها الوسيط بيكر الملف المعقد. وكان عليه ان يجد من بين أربعة اقتراحات، الحكم الذاتي، الدمج النهائي أو الاستقلال، تقسيم الاقليم، انسحاب الأممالمتحدة، واحداً يحظى بالاتفاق. ومع أن نجاح فان فالسوم يتطلب معجزة سياسية، فإن ما يدفع الى الاعتقاد في تجاوز المأزق الراهن ان مجلس الأمن الدولي يتحدث عن ضرورات الحل السياسي. ولحد الآن لا يوجد قرار من المجلس يستنسخ القرارات السابقة، ما يعني ان فترة الأشهر الستة القادمة ستكون محكا لاختبار قدرات الأطراف المعنية في مسايرة مفهوم الحل السياسي، كي يتحول الى قرار يلتزمونه جميعاً. وكما المغرب في امكانه ان يلوح بقرار الاجماع الوطني إزاء تعديل الدستور لناحية بناء دولة ديموقراطية تستند الى منح الصحراء حكماً ذاتياً، سيكون على جبهة"بوليساريو"إبداء المرونة في ادارة أوضاعها وفق منظور ديموقراطي يترك للسكان حرية القرار، بيد انه من دون وفاق اقليمي لن تكون الظروف السياسية مؤهلة ومواتية لجعل نزاع الصحراء جزءاً من الماضي. والأكيد انه لم يبدأ منذ ثلاثين عاماً فقط، ولكنه امتداد لتاريخ النفوذ الاستعماري الذي تدفع ثمنه شعوب ودول اكتوت بنار التقسيم ولم تنعم بنور بقاء الاستقلال.