رفض الفلسطينيون الذين يتأهبون للاحتفال بانتهاء حقبة طويلة من الزمن دامت 38 عاماً شهدوا فيها احتلالاً كولونيالياً استيطانياً لاراضيهم وذاقوا صنوفاً من العذاب على ايدي جلاديهم الاسرائيليين، المشاركة امس في احتفالين نظمتهما سلطات الاحتلال في قطاع غزة. الاحتفال الرئيسي سعت اسرائيل الى تنظيمه في معبر"ايرز"شمال القطاع، وقالت في وقت سابق أن السلطة الفلسطينية ستوفد رئيس قوات الامن الوطني في القطاع العميد سليمان حلس للمشاركة فيه. لكن السلطات الاسرائيلية ألغت هذا الاحتفال بعد أن فوجئت برفض السلطة المشاركة في هذا الاحتفال واحتفال آخر في معبر رفح كان سيتم خلالهما تسليم الفلسطينيين في شكل رمزي قطاع غزة. لكن حلس وعدداً من قادة الامن الوطني شاركوا في اجتماع تنسيقي ربما يكون الاخير قبل الانسحاب الاسرائيلي من القطاع، وذلك بهدف بحث الترتيبات النهائية للانسحاب حضره عن الجانب الاسرائيلي قائد قوات الاحتلال في قطاع غزة افيف كوخافي. وبينما الفلسطينيون يتحرقون شوقاً لانتهاء الاحتلال الذي دام 38 عاماً بعد ساعات قليلة، أكملت اسرائيل كل استعداداتها تقريباً للانسحاب في غضون 12 ساعة. ووافقت الحكومة الاسرائيلية في اجتماعها أمس على الانسحاب من معبر رفح ومحور صلاح الدين فلادلفي، ما مهد الطريق امام نشر 750 عنصراً من قوات حرس الحدود المصرية على طول 14 كيلومتراً من الحدود تفصل بين قطاع غزة ومصر. لكن الانسحاب الاسرائيلي من المعبر لا يعني أن بامكان الفلسطينيين تشغيله، فما تزال اسرائيل ترفض تشغيل المعبر حتى ايجاد حل لقضيته العالقة بين الطرفين منذ اشهر، وتقرر أن يظل مغلقاً لنحو ستة اشهر حتى يتم بناء معبر جديد عند نقطة التقاء حدود القطاع مع مصر واسرائيل عند قرية الدهيشة الفلسطينية ومطار الجورة المصري وقرية"كيرم شالوم"الاسرائيلية. وفي حال ظلت هذه الحال على ما هي عليه، فان اسرائيل تكون قد حولت القطاع الى سجن صغير لنحو 1.4 مليون فلسطيني يعيشون في مسافة لا تتجاوز 362 كيلومتراً مربعاً، بعد أن اغلقت معبر رفح المنفذ الوحيد على العالم الخارجي، ومعبر"ايرز"المنفذ الوحيد على الضفة واسرائيل نفسها. وحملت اسرائيل السلطة الفلسطينية مسؤولية الغاء احتفال التسليم في"ايرز"ومعبر رفح البري، في حين برر وزير التخطيط الفلسطيني غسان الخطيب القرار الفلسطيني بالاشارة الى عدم وجود أي ترتيبات او تنسيق بين الجانبين في هذا الشأن، على رغم الاجتماعات الامنية العسكرية والسياسية المتعددة التي عقدت في السابق. وقال ل"الحياة"ان اسرائيل أصرت طوال الوقت على أن خطوة الانسحاب احادية الجانب، وبالتالي فانه غير مطلوب من الفلسطينيين المشاركة في هذه المراسم الاحتفالية. وظلت قضية الكنس اليهودية التسعة عشر المتبقية في مستوطنات القطاع عالقة بعد أن قررت الحكومة الاسرائيلية عدم هدمها وتركها وراءها بعد الانسحاب من القطاع. ووضع القرار الاسرائيلي الخاص بعدم هدم الكنس في مستوطنات القطاع، السلطة الفلسطينية في حال حرج كبير، اذ كيف ستتصرف حيال هذه الكنس، خصوصاً ان الجيش الاسرائيلي سينسحب وسيبقيها خلفه ليتصرفوا بها كما يشاؤون. وتخشى السلطة أن يقوم فلسطينيون بهدم الكنس او تدنيسها امام عدسات التصوير، وان تستغل اسرائيل هذه المشاهد للقول للعالم أن الفلسطينيين لا يحترمون الديانة اليهودية ولا مقدساتها ومعابدها. وفي هذا السياق، قال رئيس دائرة شؤون المفاوضات صائب عريقات ل"الحياة"امس أن السلطة ترفض رفضاً قاطعاً ابقاء هذه الكنس في الاراضي الفلسطينية، معتبراً أن القرار جاء بهدف احراج السلطة والاساءة اليها. وطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته ازاء هذه القضية الحساسة نظراً لعدم وجود أي سبب مقنع لبقائها في الاراضي الفلسطينية التي سينسحب منها المحتل. وقال الناطق باسم وزارة الداخلية الفلسطينية توفيق أبو خوصة ان قرار إبقاء الكنس هو مصيدة نصبتها الحكومة الاسرائيلية ورئيسها تبتغي تشويه صورة الفلسطينيين في العالم، مضيفاً ان اسرائيل تتحمل مسؤولية القرار وتبعاته"إذ ليست لدينا الامكانات لنحافظ على هذه الأماكن، وكان بوسع اسرائيل هدمها كما هدمت المستوطنات". وحذر أحد قادة"حركة المقاومة الاسلامية"حماس الشيخ حسن يوسف من ان يؤجج القرار الاسرائيلي الصراع الديني بين الشعبين"إذ ان أي مس فلسطيني بالكنس سيوفر للمتطرفين الاسرائيليين ذريعة للاعتداء على الأماكن الاسلامية المقدسة". وتابع في حديث لموقع"يديعوت احرونوت"على الانترنت ان اسرائيل بقرارها أمس نصبت شركاً"إذ سيطالب الاسرائيليون لاحقاً بزيارة هذه الأماكن ثم برعايتها فتصبح حجاً وبؤرة احتكاك". ونقلت اذاعة الجيش الاسرائيلي عن المستشار الأمني للرئيس الفلسطيني جبريل رجوب قوله ان الفلسطينيين يرون في الكنس أحد رموز الاحتلال. وقال الوزير سفيان أبو زايدة للإذاعة ذاتها ان اسرائيل تريد اختبار السلطة من خلال سعيها لتظهر للعالم وكأن الفلسطينيين يتصرفون بشكل سوقي وينتهكون أماكن العبادة. وأضاف عضو المجلس التشريعي الفلسطيني هشام عبدالرازق ان"الفلسطينيين سيقومون بالعمل الذي لم تقم به اسرائيل... على الاسرائيليين ان يدركوا ان كل مبنى أقامه الاحتلال في قطاع غزة والمناطق المحتلة هو من رموز الاحتلال ينبغي هدمه". واعتبرت لجنة المتابعة العليا للقوة الوطنية والاسلامية في قطاع غزة التي التأمت أمس بحضور وزيري الداخلية والتخطيط نصر يوسف وغسان الخطيب، اغلاق اسرائيل معبر رفح وفرضها معبر كيرم شالوم للسيطرة على حركة المواطنين الفلسطينيين وحركة البضائع"محاولة فرض سياسة الأمر الواضع على نحو يشكل ابتزازاً مفضوحاً ومرفوضاً ويحول القطاع الى سجن كبير ويفرغ خطة الانسحاب من مضمونها ويبقي الاحتلال والحصار وما يترتب عليهما من تداعيات".