ينتقل الجهد الأساسي للجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى دمشق مع انتقال رئيسها القاضي ديتليف ميليس اليها اليوم للاستماع الى إفادة عدد من الشهود السوريين وبينهم كبار الضباط العاملين في أجهزة الأمن وآخرون ممن عملوا سابقاً وفي فترات متفاوتة في لبنان قبل انسحاب القوات السورية منه. وتؤكد مصادر مواكبة لعمل لجنة التحقيق ل"الحياة"ان جلسات الاستماع ستتجاوز كبار الضباط الى مسؤولين مدنيين كانوا يشرفون على الملف اللبناني وآخرين ممن بادروا الى توجيه الاتهام للولايات المتحدة واسرائيل في ارتكاب جريمة اغتيال الحريري للوقوف على ما لديهم من معلومات دفعتهم الى توجيه الاتهام. وتضيف المصادر أن أهمية استماع ميليس وفريق المحققين الذي يرافقه تكمن في رغبة الأول في استكمال عناصر التحقيق بغية اعداد الملف الاتهامي النهائي ليصار الى اصدار القرار الظني من جانب المحقق العدلي اللبناني في الجريمة القاضي الياس عيد. في هذه الاثناء لفتت أوساط مقربة من وكلاء الدفاع عن اللواءين جميل السيد وعلي الحاج والعميدين مصطفى حمدان وريمون عازار المتهمين بالتخطيط لارتكاب جريمة الاغتيال الى ان ميليس أعد تقريره الأولي مقروناً بمجموعة من التحاليل والاستنتاجات من دون ان يرفقها بالأدلة والثوابت التي مكنته من توجيه التهم الى هؤلاء الضباط. واعتبرت انطلاقاً من تقديرها لسير جلسات الاستماع للضباط الأربعة المتنقلة ما بين قصر العدل في بيروت ومقر لجنة التحقيق في المونتيفردي ان ميليس ربما أحجم عن تقديم الأدلة ريثما يتمكن من الاستماع الى الشهود السوريين ليتمكن من استكمال العناصر التي سيوردها في تقريره النهائي الى مجلس الأمن. وإذ رفضت الاوساط ذاتها التعليق على ما يشاع عن ان ميليس لا يملك حتى الساعة سوى استنتاجات وتحليلات كانت وراء توجيه أصابع الاتهام الى الضباط الأربعة، أكدت في المقابل ان الأخير يقود التحقيقات الدولية بمهنية وحرفية مستفيداً من تجاربه في السابق على هذا الصعيد. وكشفت الأوساط أيضاً ان ميليس نجح في رسم خريطة دقيقة لشبكة الاتصالات المحلية والدولية التي أجريت سواء قبل فترة طويلة من اغتيال الحريري أم في خلال ارتكاب الجريمة، وقالت ان لجنة التحقيق ركزت في أسئلتها مع المتهمين أو الشهود الذين يتوافدون الى المونتيفردي على مضمون هذه الاتصالات خصوصاً تلك التي حصلت قبل ساعات من تفجير موكب الرئيس الحريري. ورداً على سؤال أوضحت ان ميليس وفريق المحققين يتواصلان باستمرار مع النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا والقاضي عيد لكنها لاحظت ان الأول يحتفظ ببعض التفاصيل والمعلومات لنفسه، ليس لأنه يخشى من التسريب، وإنما لتوفير الحماية لجلسات التحقيق طالما انها مستمرة وتحتاج من حين الى آخر الى التدقيق في الافادات واخضاع أقوال الذين استمع اليهم للتطابق. وتابعت ان التعاون قائم بين القضاء اللبناني ولجنة التحقيق الدولية، رافضة التعليق على ما أشيع أخيراً من ان اصدار مذكرات التوقيف بحق الضباط الأربعة تم بناء لالحاح ميليس وعلى خلفية تحفظ النيابة العامة التمييزية عنها بذريعة خلوها من الأدلة والبراهين. وأكدت ايضاً عدم قيام لجنة التحقيق حتى الساعة باجراء مقابلات وجاهية بين الضباط الأربعة، أو بينهم وعدد من الشهود الذين يترددون باستمرار الى مقر اللجنة من دون أي مواكبة أمنية ويحضرون بناء لطلب استدعاء يسلم اليهم بواسطة النيابة العامة التمييزية. وأشارت الأوساط الى ان المقابلات بين الضباط الاربعة ستجرى لاحقاً اضافة الى مقابلات اخرى لهم مع عدد من الشهود. وأكدت ان اللجنة الدولية لم تجر حتى الساعة أي مقابلة سوى تلك التي تمت بين اللواء السيد وشاهد مقنع في حضور وكيله أكرم عازوري. وأضافت ان الشاهد المقنع عرّف عن نفسه وان المقابلة دارت حول أقوال الأخير من ان اجتماعات أمنية لبنانية ? سورية عقدت تحضيراً للتخطيط للجريمة وأن أبرزها الاجتماع الذي عقد في احدى الشقق في بشامون قضاء عاليه، مشيرة الى ان سجالاً اندلع بين المدير العام السابق للأمن العام والشاهد المقنع، مؤكدة ان وكلاء الدفاع عن الضباط الأربعة سيطلبون فور بدء المحاكمات بعد صدور القرار الظني عن عيد، احضار هذا الشاهد للتعرف اليه شخصياً في ضوء الكشف عن اسمه الصريح بالكامل اضافة الى مطالبتهم بإحضاره من دون قناع. وأوضحت هذه الأوساط انها تفصل بين الصداقة التي تربط عدداً من وكلاء الدفاع بالضباط الأربعة وممارسة المهنة. ونقلت عن المحامين قولهم انهم يتعاملون مع موكليهم على انهم أبرياء من التهمة حتى يثبت العكس. وتبدي الأوساط ? بحسب قول عدد من وكلاء الدفاع - ارتياحها للطريقة التي يتعاطى فيها ميليس وفريق المحققين مع الضباط الاربعة لكنها لم تسقط من حسابها ان يكون لدى رئيس اللجنة"مفاجآت"سيتقدم بها في الوقت المناسب لأنه لا يمكن لقاضٍ بهذا المستوى ان يستند في توجيه التهم الى الاستنتاجات والتحاليل السياسية والأمنية من دون ان تأتي لاحقاً مقرونة بالأدلة والقرائن. ورأت هذه الاوساط ان ميليس يتصرف وكأن في حوزته شيئاً ما، لا يزال تحت الطاولة وانه سيظهره في الوقت المناسب وانما بعد ان يستكمل الشق الآخر من التحقيق من خلال استماعه الى عدد من الشهود في دمشق. وأكدت أنها لا تستبعد ان يكون ميليس، وعن سابق تصور وتصميم، ينفذ خطة مبرمجة تتعلق بجلسات الاستماع التي ستأخذ منحى آخر يعمل على تظهيره الآن مستفيداً من الافادات التي سيدوّنها في خلال مقابلته لمسؤولين سوريين من عسكريين ومدنيين. كما انها تعتقد ? وعلى ذمة عدد من وكلاء الدفاع - بأن لدى اللجنة شهوداً ستكشف عن هويتهم في الوقت المناسب وبالتأكيد غير الشاهد المقنع الذي لم يكن موفقاً في المقابلة التي أجريت له مع اللواء السيد، اضافة الى اعتقادها بأن للإشاعات التي تطلق من حين لآخر دوراً في حجب الحقيقة. وفي هذا السياق، قالت مصادر مواكبة لسير التحقيقات المتوازنة الجارية بين قصر العدل والمونتيفردي ان لجنة التحقيق قد تكون وراء عدم تقديم الأدلة في الوقت الحاضر لأن الافصاح عنها يتطلب وضع خطة لحماية نتائجها التي قد لا تقتصر على الساحة اللبنانية وتتجاوزها الى الخارج. وتتوافق هذه المصادر مع الاوساط المقربة من وكلاء الدفاع حيال ما أخذ يتردد من معلومات بأن الجريمة ستحال عاجلاً أو آجلاً الى محكمة دولية خاصة، لكنها ترى ان السبب يعود الى حماية الشهود والمتهمين على رغم ان اللجنة مرتاحة للتعاون القائم بينها وبين قيادتي قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني. وتؤكد ايضاً ان ميليس بدأ يخطط منذ امساكه بملف جريمة الاغتيال لتزويد هذا الملف بجرعة تلو الاخرى على طريق احراز التقدم المطلوب من اجل كشف الحقيقة وتبيان المتورطين والمخططين والمنفذين، مشيرة الى ان توقيف الضباط الأربعة ادى الى احداث صدمة نفسية مدروسة دفعت بعدد من الشهود وبعضهم كان يطلب توفير الحماية الأمنية له، الى الخروج من هاجس الحذر والخوف والتوجه بملء ارادته الى مقر اللجنة للادلاء بما لديهم من معلومات أو معطيات يعود للاخيرة تقدير مدى أهميتها لخدمة سير التحقيق. واعتبرت ان الصدمة النفسية كانت ضرورية لارباك عدد من الشخصيات المنتمية الى الحقبة السياسية التي سبقت اغتيال الحريري، اضافة لما سيكون لها من تأثير على انتقال الملف وبصورة موقتة من بيروت الى دمشق. وتوقعت هذه المصادر ان يعقب الصدمة النفسية هزة سياسية ستكون ناجمة عن اتساع دائرة استدعاء الشهود من الشخصيات السياسية التي كانت اقتصرت في السابق على النائبين السابقين ناصر قنديل وعاصم قانصوه، من دون ان تستبعد حصول توقيفات جديدة في ضوء الاستعدادات الأمنية واللوجستية الجارية على قدم وساق لاستيعاب مرحلة ما بعد استماع ميليس الى إفادات شهود سوريين، ما سيشكل نقلة نوعية في التحقيقات.