مع انتهاء الحرب الباردة بدأت مرحلة جديدة من المواجهة لا تحتكم الى قواعد الحرب التقليدية وأصولها. ففي النظام العالمي القديم كانت ملاحظات كارل فون كلاوزفيتز الجنرال البروسي معاصر نابليون وصاحب"كتاب الحرب" تنطبق على واقع الحال، أي على انبثاق الحرب من السياسة في مرحلة أولى، ثم انفكاك الحرب عن السياسة في مرحلة ثانية، ونازع الحرب بعد فوز أحد الطرفين المتحاربين على الطرف الآخر، الى التخفف من العنف والتقليل منه في مرحلة ثالثة. ولكن هذه الملاحظات لا تصلح في وصف الوضع الراهن. وفي حين لم يسقط البعد العسكري من النزاعات، أُلحق هذا البعد بسياسة عامة ترمي الى تحقيق أهداف استراتيجية غير عسكرية. وبعد ايلول سبتمبر 2001، انتهت المرحلتان العسكريتان من الحرب على الارهاب، الى انهيار نظام طالبان بأفغانستان ونظام صدام حسين بالعراق. ولكن العمليات العسكرية لم تنته الى انتصار الولاياتالمتحدة. ووراء السعي الى انهيار الاصولية الافغانية صراع يغلب طابعُه السياسي طابعَه العسكري. فالضربات العسكرية التي وجهت الى نظام طالبان سعت الى فرض توجه جديد على العسكر الباكستانيين، وهم سند هذا النظام، ودفعهم الى تغيير سياساتهم إزاء الهند، وإعادة الديموقراطية الى وادي الهندوس. وبعد انهيار نظام صدام، نشب نزاع يدور على اختبار قدرة الشيعة على تأسيس دولة في العراق، واضطلاع التغييرات في العراق بدفع الديكتاتورية السورية الى انتهاج إصلاحات جديدة. وتترافق هذه الاهداف السياسية مع أوقات من العنف المنظم على غرار الغارة الاميركية على المفاعل النووي بكالهوتا في كانون الاول ديسمبر 2001، ومحاولات مناصري القاعدة في الجيش الباكستاني اغتيال الرئيس برويز مشرف، وتصاعد هجمات المتمردين بالعراق، واغتيال رفيق الحريري بلبنان. وغالباً ما تتقدم السياسة على العنف. ولا يعود الفضل في تقدم العملية السياسية بالعراق الى معارك الفلوجة الطاحنة، في 2004، بل إلى إلزام المراجع الشيعية مقتدى الصدر ترك النجف من غير قتال. فعلى رغم العمليات العسكرية على طول الحدود العراقية - السورية ضد المجاهدين العراقيين، كان الانعطاف الإيجابي في مسار مكافحة الإرهاب سياسياً. عن ألكسندر أدلر، لوفيغارو الفرنسية، 1/12/2005