ما آلم ان يَضطر الشاعر الجزائري الشاب أبو بكر زمّال الى الاعلان عن بيع احدى كليتيه، هو وأمه، من اجل سداد ايجار المنزل فلا تتشرد عائلته في الشارع مثل الكثير من العائلات الفقيرة. عندما لوّح هذا الشاعر "المختلف" بالأمر قبل فترة ظن اصدقاؤه في الخارج ان في الامر "مزاحاً" شعرياً، لكنه ظل يقاوم الظرف المأسوي حتى بات عاجزاً تمام العجر عن تدبر اموره المادية. ليس ابو بكر زمّال شاعراً متقاعساً وخمولاً او كسولاً، فهو سعى الى العمل من دون تلكؤ وحاول ان يراسل صحفاً ومجلات لكن الظروف لم تساعده، فالتواصل مع الخارج صعب وغير منتظم، والصحف الجزائرية لا تحسد على احوالها المادية، والمنابر الاخرى ضيقة ولا مجال للعمل فيها. أصدر ابو بكر قبل فترة مختارات مهمة للشعراء الجزائريين الشباب والجدد وقدمهم واحداً واحداً وانتقى قصائد لهم وكتب مقدمة عامة نمّت عن شغفه بالشعر اولاً ثم بهذا الجيل الجديد. ولم يتلق أي اجر لقاء هذا الجهد الذي بذله، وكان مزحه بالكتاب كبيراً وراح يوزعه هو شخصياً مع بضعة اصدقاء، اصراراً منه على نشر تجربة هذا الجيل المجهول عربياً. وكان ابو بكر اصلاً واحداً من مؤسسي حركة "الاختلاف" التي طرحت رؤية جديدة الى الابداع الادبي، شعراً ورواية. واستطاعت أن تلفت الانظار العربية، منطلقة من معطيات حديثة ومتحررة من ربقة السلطة المتعددة الوجوه. وسعى اعضاء هذه الحركة الى اصدار اعمال جريئة وجديدة واسمين الانتاج الجزائري الراهن بميسمهم الخاص. أبو بكر زمّال واحد من شعراء "الاختلاف"، مغامر في النص واللغة، قصائده محفوفة بالنظرة الكسيرة والصوت المعترض والمحتج على العالم. شاعر يجمع بين اللحظة اللغوية المنقبضة والانثيال التعبيري الجارف الذي يدمّر العلاقات الجاهزة بحثاً عن فضاء شعري تعرب الواقعية فيه عن نزعتها الفانتازية. حتى الآن لا يستطيع ابو بكر زمّال إلا إطلاق صوته مستغيثاً بالأصدقاء الجزائريين والعرب وببعض المهتمين بشؤون الشعر والأدب. والامل ألا يضطر فعلاً الى بيع احدى الكليتين، لأن المبلغ الذي سيتقاضاه لن يقيه غائلة الفقر المدقع. اما المستغرب بل والمستهجن ألا تتحرك وزارة الثقافة في الجزائر وتحديداً الوزيرة المعينة حديثاً خليدة تومي والتي سمعنا منها كلاماً مشجعاً. والأشد استغراباً واستهجاناً ايضاً هو تقاعس اتحاد الكتاب الجزائريين عن تلبية مثل هذه الاستغاثة الانسانية التي يطلقها شاعر معروف عربياً وصاحب مبادرات خلاّقة، أليس لدى وزارة الثقافة قدرة ولو طفيفة على مساعدة هذا الشاعر والمثقف؟ ألا تستطيع ان تدبر له وظيفة او اجراً ما؟ ألا يقدر اتحاد الكتاب على مده بما يتيسر عساه يتدبر أمر سكنه؟ ما آلم أن يضطر الشاعر أبو بكر زمّال الى بيع احدى كليتيه وان تضطر امه الى الامر نفسه ايضاً، لئلا تتشرد العائلة في الشارع! ما أشد خيانتك أيها الشعر!