هل يجوز لنا أن ننتقد الجزائر ونرميها بالسهام القاتلة بمجرد أن شاعرا جزائريا شابا كشف لإحدى الفضائيات العربية أنه سيضطر لبيع كليته لإعالة عائلته والتكفل باحتياجاتهم الاجتماعية، في بلد كان مثقفوه ومبدعوه وكتابه وإعلاميوه أكثر من دفع ثمن سنوات الجنون غاليا، تلك السنوات التي لم ترحم كبيرا أو صغيرا، شيخا أو عجوزا، رضيعا أو امرأة حاملا . هل يحق لنا أن نمطر بلدا مثل الجزائر، بوابل من الانتقادات والاتهامات المجانية من وراء المكاتب الفاخرة ومن داخل صالونات فنادق «الخمسة نجوم»، لأن أحد أبنائها، نعم أحد أبنائها لم يجد سكنا يأويه، والجميع يعلم أن البلد يعرف أزمة سكن خانقة منذ ما يزيد عن العشرين سنة، تضرر منها المواطن البسيط مثل الإطار في الدولة، الأمّي مثل حامل الشهادات، وهي الأزمة التي جعلت الرئيس بوتفليقة يحول البلد إلى مساحة كبيرة لورشات البناء علها تحقق له برنامج المليون مسكن الذي يعيد للمواطن الأمل في غد جميل يحياه في بلد شبع الموت ورائحة الدم . إن الجزائر التي خرجت من محنة داخلية عصيبة، لا يعرف وطأتها إلاّ من عاش جراحها وآهاتها طيلة عشرية من الزمن، انقلبت خلالها أوضاع البلد رأسا على عقب، فانهارت مؤسساتها، وخرّبت منشآتها، ونسفت إنجازات أجيال بكاملها، وهي البلد الذي يحاول اليوم النهوض بصعوبة لكن بعزم لطي صفحة أليمة من تاريخه الحديث، هل يحق لأحد أن يلومها، أو يعاتبها، أو يزايد عليها، إن هي أرجأت، إلى حين، الملفات التي تمس الثقافة وأهلها والفن وعوالمه، ليس انتقاصا من شأن هذه الملفات، أو عدم الوعي بأهميتها في حياة أي مجتمع يريد صنع خصوصيته، في عالم تنهشه العولمة، وثقافة التدجين والتنميط، لكن لأن متطلبات الراهن، أو متطلبات مرحلة ما بعد الإرهاب والعشرية السوداء كان يستدعي من الجميع المرور إلى الملفات الاستعجالية لإعادة بناء ما دمرته سنوات الجنون أملا في لملمة وضع سوداوي طال أمده . ولعل المفارقة في حال الشاعر الجزائري أبو بكر زمال، أنه استعجل التهويل، في حين يعيش مثقفون جزائريون هم أكبر منه سنا، وانضج منه تجربة، وباعهم طويل في الكتابة والإبداع، تعرفهم النخبة المثقفة العربية أحق المعرفة، وفي مكتبات دولهم مصنافاتهم النقدية والفكرية والإبداعية، لم يتطاولوا يوما على بلدهم الخارج من توه من محنة عصيبة اشابت رأس صغارها قبل كبارها، إدراكا منهم، أن هذا الوطن الذي أنجب أمثالهم يستحيل عليه في يوم من الأيام أن يفرّط فيهم، أو يغمط حقهم، لأن علّو شأنه من علّوهم، لكنها المأساة، التي حولت الجزائر من قبلة للمثقفين والمفكرين زمن السبعينيات، ومعقلا للأحرار والشرفاء، وفضاء لأكبر الفعاليات الثقافية والفنية، إلى نحر يرميه اليوم الكثيرون بالسهام الموجعة، وكأني بهم يرمون وراء ظهورهم قوله تعالي {وتلك الأيام نداولها بين الناس} .